لا تكاد تمضي أيام قليلة على إعلان رفع أجور العاملات المنزليات من الجنسية الفلبينية، حتى بدأت الأصداء تتشعب في البحرين ودول الخليج.
والمفارقة أن المواطن الذي يسعى إلى تخفيف أعباء حياته اليومية، يجد نفسه اليوم أمام فاتورة تتضخم لدرجة أن كلفتها تقارب قيمة الحصول على شهادة أكاديمية عليا، يستفيد منها في تحسين مستواه الوظيفي والمعيشي.
إذا حاولنا حساب التكلفة الفعلية لاستقدام عاملة منزلية فلبينية لمدة سنتين فقط، نجد أننا أمام رقم صادم:
- رواتب تصل إلى نحو 4560 ديناراً.
- رسوم استقدام تقارب 1500 دينار.
- نهاية خدمة وإجازات سنوية تتجاوز 500 دينار.
- تذكرة سفر لا تقل عن 150 ديناراً.
- النتيجة: نحو 6800 دينار أو أكثر.
وهنا يحق للمواطن أن يتساءل: «هل أستقدم والفائدة لسنتين فقط.. أم أدرس ماجستير؟ وأستفيد طول العمر».
لا جدال في أن للعمالة المنزلية حقوقاً يجب أن تُصان، وأن رفاهيتهم واجبة بحكم الإنسانية والقانون، ولسنا هنا بصدد الانتقاص من أهمية حفظ حقوق وكرامة العمالة بكل أطيافها دون استثناء.
والبحرين سبّاقة في هذا المجال، حيث منعت حجز جوازات السفر، وأقرت نهاية الخدمة، وضمنت السكن الملائم ووسائل الراحة، بل منحت شريحة هاتف لكل عاملة منذ لحظة وصولها.
لكن النقاش لا يتعلق بالحقوق، وإنما بالكلفة التي تُلقى على كاهل المواطن. ففي نهاية المطاف، هذه الأسرة البحرينية أو الخليجية التي تحتاج إلى عاملة مساعدة، ليست شركة استثمارية، ولا مؤسسة ضخمة، بل مواطن عادي يسعى لتسيير شؤون منزله.
هنا تكمن الإشكالية: أن تتحول الحاجة الإنسانية إلى عبء مالي ضخم يرهق الأسر. فالخيار لم يعد بين عاملة أو لا، بل بين كلفة باهظة تلتهم ميزانية الأسرة، أو البحث عن بدائل أقل كلفة.
ولأن الأمر يتعلق بعقود دولية واتفاقات عمل، فإن القرارات غالباً لا تُترك للمواطن، بل تُفرض عليه. ومع ذلك، فإن الحكمة تقتضي أن يُعاد النظر في هذه الاشتراطات بما يحقق التوازن بين حقوق العاملات، وقدرة الأسر على الاستقدام دون استنزاف مالي.
إن الحديث عن تحمل نحو 6800 دينار خلال سنتين لا يُمكن أن يُفهم إلا كرقم مبالغ فيه بالنسبة لأسرة متوسطة الدخل. وفي زمن اقتصادي ضاغط، يصبح من المشروع أن نسأل: هل يُعقل أن تكون تكلفة عاملة منزلية معادلة لشهادة ماجستير جامعي؟!
ربما آن الأوان لأن نفتح الباب واسعاً أمام خيارات متعددة من جنسيات أخرى، وأن نضع سقفاً عادلاً للتكاليف، حتى لا يتحول الاستقدام إلى «ترف» لا يقدر عليه إلا الميسورون. فالمعادلة السليمة هي التي تحفظ الحقوق، من دون أن تكسر ظهر المواطن.