يعد صدور القرار رقم (4) لسنة 2025 الخاص بتنظيم ترخيص الصياد البحريني لممارسة الصيد البحري التجاري خطوة بالغة الأهمية ضمن جهود المجلس الأعلى للبيئة لتعزيز استدامة الثروة البحرية والحفاظ على الموارد الطبيعية في مملكة البحرين، فهذا القرار يعكس رؤية واضحة تضع الصياد في المقدمة باعتباره شريكاً رئيسياً في حماية الثروة السمكية وضمان استمرارية المهنة للأجيال القادمة، وبما أن القرار قد دخل حيز التنفيذ بعد فترة انتقالية استمرت ستة أشهر كانت فترة كافية بأن يستعد الصيادون للالتزام بالاشتراطات الجديدة، وهذا بلاشك يأتي في إطار التنسيق المسبق بين جميع الجهات المعنية، كما أن ربط إجراءات الترخيص بالبوابة الوطنية يعزز من التحول الرقمي وسهولة إنجاز المعاملات بما يوفر الوقت والجهد على الصيادين، ويجعل العملية أكثر شفافية وتنظيماً.
كما يكتسب القرار أهمية إضافية كونه يوازن بين متطلبات الاستدامة البيئية وبين دعم الأمن الغذائي الوطني، إذ ينظم أعداد الصيادين وأفراد الطاقم بحسب طول السفينة، الأمر الذي يسهم في ضبط عمليات الصيد، ويحول دون الممارسات غير المستدامة التي تهدد المخزون البحري، كما أن اشتراط أن يكون الصياد بحريني الجنسية وألا يقل عمره عن 18 عاماً يأتي انطلاقاً من تعزيز الهوية الوطنية لمهنة الصيد، ويضمن ارتباط أبناء البحرين بالبحر بشكل مباشر كما كان الآباء والأجداد مرتبطين بهذه المهنة عبر سنوات طويلة، وهناك أيضاً نقطة مهمة في القرار وهي أن يكون الترخيص شخصياً للبحريني وغير قابل للنقل أو التنازل وهو ما يؤكد على الجدية والانضباط، كما أنه يقطع الطريق أمام أي محاولات للتحايل أو الاستغلال، ويعزز أيضاً من أن تبقى الأولوية للصياد البحريني وتمكينه من أداء دوره وعدم تدخل العمالة الأجنبية التي تم في القرار تحديد سقف لهذه العمالة التي يكون عملها مساند ومساعد للبحريني.
حقيقة إن كل ما جاء في القرار يعتبر إجراء تنظيمي للمهنة وفي ذات الوقت هو استثمار في الإنسان البحريني على أن تكون مهنة الصيد له كمصدر رزق كريم يقوم على قيم هذه المهنة العريقة، كما أنه حماية للبحر من الاستنزاف، فما قام به المجلس الأعلى للبيئة يستحق الإشادة على هذه الخطوة النوعية التي تترجم حرص المملكة على مستقبلها البيئي والغذائي، وتجعل من البحرين نموذجاً في الموازنة بين التنمية وحماية البيئة، وفي الوقت نفسه تمكين الصياد البحريني من مواصلة دوره التاريخي في هذه المهنة العريقة، ولو نظرنا للقرار وإن كان تنظيمياً، إلا أنه يضع خطة استراتيجية لحماية البحرين من استنزاف مواردها البحرية وحماية هوية مهنة ارتبطت بتاريخ أهل البحرين بالبحر، بالإضافة إلى أنه استثمار في الإنسان والبيئة معاً.
همسةالقرار وإن كان هدفه تنظيم مهنة الصيد، إلا أنه في جوهره هو تأكيد بأن التنمية المستدامة تبدأ من البحر، ولا تنتهي عنده.