في خطوة جريئة وواضحة المعالم، دشّنت مملكة البحرين استراتيجيتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للفترة 2025-2027، لتضع حداً صارماً لما يمكن أن يُسمّى بتيار المال الأسود الذي يهدّد الاقتصاد الوطني ويخترق الحدود بسهولة، هذه الاستراتيجية ليست مجرد وثيقة إجرائية، بل إعلان قوة ووعي أمني ومالي، يبرز إرادة المملكة في حماية الاقتصاد الوطني وتعزيز سمعتها الدولية كمركز مالي آمن ومتطور.

الأرقام تؤكد حجم التحدي: فوفق البنك الدولي، يبلغ حجم الأموال المغسولة وتمويل الإرهاب نحو 2.7 تريليون دولار سنوياً، أي ما يعادل 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين يُقدّر الناتج المحلي الإجمالي البحريني بـ44 مليار دولار فقط، هذه المقارنة تكشف هشاشة أي اقتصاد صغير أمام تدفق المال الأسود، وتوضح لماذا جعلت البحرين من مواجهة هذه الجرائم قضية دولة بامتياز، لا مجرد ملف تقني للمختصين. وتأتي الاستراتيجية لتعكس مقاربة شمولية تضع في اعتبارها التطورات الرقمية المتسارعة، وتولي أهمية للتنسيق بين القطاعين العام والخاص، مع تعزيز الشراكات الدولية. المركز الوطني للتحريات المالية، برئاسة سعادة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، أصبح قلب هذه المواجهة، حيث تتعقب الأجهزة المختصة التدفقات المشبوهة، وتبني قواعد بيانات شاملة، ما يعزّز القدرة على التحليل الاستباقي واتخاذ الإجراءات الوقائية في الوقت المناسب. ولم تقتصر أهمية الاستراتيجية على الجانب الأمني، بل امتدت لتشمل تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، إذ إن الدولة التي تطبّق المعايير الدولية بصرامة وتُغلق منافذ الاستغلال المالي، تُحسب بين الدول المسؤولة، ويصبح اقتصادها محصّناً ضد أي محاولات اختراق، كما أن تطوير الكوادر الوطنية والرفع من مستوى التخصّص في الأجهزة القضائية والأمنية يعكس حرص البحرين على أن يكون التصدي للمال الأسود مستداماً وفعالاً، لا مجرد إجراءات وقتية. النتيجة المتوقعة من هذه الاستراتيجية واضحة: تقليل المخاطر في القطاعات المصرفية والمالية والعقارية والعملات الرقمية، وحماية النظام المالي الوطني، ورفع كفاءة الأداء الحكومي، وصولاً إلى ترسيخ صورة البحرين كدولة حديثة، مسؤولة، وواعية بأبعاد الجرائم العابرة للحدود، فالمال الأسود الذي يظن أنه قادر على التدفق دون رادع، وجد اليوم أمامه جداراً ودرعاً وطنياً، يقطع تياره قبل أن يصل إلى أي شريان اقتصادي حيوي.

إنها لحظة وطنية استثنائية، تُثبت أن البحرين لا تكتفي بردع التهديدات، بل تحوّلها إلى فرصة لتعزيز الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي، مع رسالة واضحة لكل من يحاول اختبار قوة الدولة: «التيار الأسود لن يمر».

* إعلامية وباحثة أكاديمية