رغم مرور السنوات، وإنهائي مختلف المراحل التعليمية وانخراطي في المسار المهني؛ إلا أن ذكريات اليوم الدراسي الأول وبكل تفاصيله لاتزال عالقة في ذاكرتي، وعلى وجه الخصوص معلمتي الأولى، والتي لاتزال صورتها حاضرة في ذهني، حيث نجحت بروح الأم والمربية أن تنزع هيبة اليوم الدراسي الأول، وأن تحتضن كل طالباتها وتحول يومهن إلى فرصة ذهبية للانطلاق في عالم العلم والمعرفة.
مدرستي الأولى، كما أغلب مدرسات الزمن الجميل بمختلف المراحل التعليمية، لم تكن مجرد معلمة تنقل العلم والمعرفة لطالباتها، بل تجاوزت هذا الدور بمراحل، حيث كانت الأم والأخت والصديقة والموجهة المخلصة، وهو ما ساهم في أن تترك الأثر والتأثير الأكبر في طالباتها.
أستعيد هذه الذكريات اليوم، والعالم يحتفل باليوم العالمي للمعلم، والذي يصادف الخامس من أكتوبر من كل عام، حيث إنني لم أرَ في يوم من الأيام التعليم مجرد مهنة يقوم بها أفراد من أجل مقابل مادي، بل هي رسالة وقيمة إنسانية واجتماعية ووطنية، تُسهم في بناء الأفراد والمجتمع من أجل بناء الأوطان.
المعلم هو حجر الأساس في مسيرة النهضة والتنمية، وصاحب الرسالة الكبرى في صناعة الأجيال. فبكلمة صادقة، وبصبرٍ متواصل، وبعطاءٍ لا ينضب، يشكّل المعلم الذاكرة الأولى لكل طالب، ويرسم ملامح شخصيته، ويضع بين يديه مفاتيح المستقبل، فإذا كان العالم قد اختار يوماً للاحتفاء بالمعلم، فإن الواجب يقتضي أن يكون الاحتفاء به كل يوم، لأنه يزرع في أبنائنا العلم والقيم، ويغرس في وجدانهم حب الوطن والانتماء إليه.
في البحرين، وبتوجيهات مباشرة من حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وبدعم من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، يحظى المعلم بمكانة مرموقة ورعاية خاصة، تقديراً لرسالته العظيمة، حيث حرصت المملكة على أن توفر له البيئة التعليمية المناسبة، والدورات التدريبية، والدعم المستمر الذي يمكّنه من مواكبة التطورات العالمية في ميدان التعليم.
ولأن البحرين تؤمن بأن التعليم هو بوابة المستقبل، فقد وضعت وزارة التربية والتعليم، بقيادة الوزير الدكتور محمد بن مبارك جمعة، المعلم في قلب خططها الوطنية، فكان هو الركيزة الأولى في مشروع إصلاح التعليم وتطوير المناهج ورفع كفاءة الطلبة.
ولعل أجمل ما يميز مجتمعنا البحريني هو ما يكنّه أفراده من احترام وتقدير للمعلم، فالمعلم حاضر في وجدان كل أسرة، وتظل ذكراه محفورة في قلوب طلبته حتى بعد مرور السنوات، لأنه لم يكن مجرد ناقل للمعلومة، بل شريكاً في بناء الشخصية ومؤثراً في صياغة المستقبل.
اليوم، ونحن نحتفي باليوم العالمي للمعلم، نرفع قبعات الامتنان والعرفان لكل من وقف أمام السبورة، وأمسك بيد طالب صغير، وأضاء له الطريق. ونقول لمعلمينا في البحرين والعالم؛ أنتم بناة المستقبل، وأنتم أساس النهضة، وبكم ينهض الوطن ويزدهر.