مع انطلاق أولى رحلات النقل البحري للركاب بين البحرين وقطر، يوم الخميس الماضي، تدخل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي مرحلة جديدة في التكامل بمشاريع النقل البحري، والتي تسهم في تعزيز منظومة النقل وتوسع آفاق التعاون المشترك.
لم يكن المشهد الذي جمع مرفأ سعادة بميناء الرويس مجرد تدشين خط بحري جديد؛ بل كان تجسيداً عملياً لنهج خليجي يتجه بخطى واثقة نحو مرحلة تكامل حقيقي في قطاعات النقل والسياحة والاقتصاد، حيث يتحول البحر، الذي كان فاصلاً جغرافياً طبيعياً بين البلدين، إلى جسر من التواصل والفرص المشتركة، يعيد رسم خريطة العلاقات الخليجية في بُعد إنساني وتنموي متكامل.
في لحظة انطلاق الرحلة الأولى، شهد الحضور نموذجاً ورمزاً للتقارب والتآخي بين مملكة البحرين ودولة قطر، اللتين تربطهما وشائج الدم والتاريخ والمصير المشترك، فالخط البحري الجديد يسهم في نقل رسائل محبة وتواصل إنساني وثقافي بين الأشقاء.
من وجهة نظر اقتصادية وسياحية، يُعد هذا المشروع نقلة نوعية في مسار الربط البحري الخليجي، وركيزةً لتعزيز السياحة البينية الخليجية التي لطالما انتظرها المواطن الخليجي، إذ يكفي أن يدرك المسافر أن بإمكانه الوصول من البحرين إلى قطر في سبعين دقيقة فقط عبر تجربة بحرية مريحة وآمنة، ليشعر أن الخليج بدأ يحقق فعلياً حلم التكامل بين دوله.
لقد كانت رؤية البحرين واضحة في هذا المشروع؛ الاستثمار في البحر كمورد تنموي مستدام، لا كحدود تفصل بل كفضاء يجمع، ما جعل من هذا الخط مثالاً للتكامل الخليجي الذي يليق بعصر ما بعد الرؤى الاقتصادية الكبرى، حيث تتقاطع الاستراتيجيات وتتكامل المشاريع بدلاً من أن تتنافس.
ولعل ما يميز هذا المشروع أنه جاء في السياق الأوسع لتطور العلاقات البحرينية القطرية، قوامها التعاون والاحترام المتبادل، والرغبة الصادقة في تحقيق المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، فكل رحلة تنطلق من «سعادة» إلى «الرويس» تحمل في طياتها رمزاً لمرحلة جديدة من التقارب والتكامل والتفاهم، وتُعيد إلى الواجهة الدور التاريخي للبحر في حياة شعوب الخليج كصلة رحم وثقافة وذاكرة وهوية.
إن تدشين الخط البحري ليس مجرد مشروع نقل، بل هو مشروع ثقة، يفتح المجال أمام التعاون في مجالات النقل البحري بين مختلف دول الخليج، ويؤسس لبنية تحتية تسهّل حركة المواطنين والمقيمين والسياح على حد سواء.
من «سعادة» إلى «الرويس»، ومن البحرين إلى قطر، تنطلق أولى موجات التكامل الخليجي الحقيقي، لتؤكد أن البحر الذي كان مهد الحكايات الأولى لأجدادنا، يعود اليوم ليحمل حكاية جديدة عنوانها؛ خليج واحد.. وشعب واحد.. ومصير مشترك.