لم يكن اختيار عنوان «رفاه وقيادة» مجرد صياغة بلاغية، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية تربط بين الصحة النفسية للفرد والقيادة الواعية للمجتمع، وعندما يقدم هذا المفهوم في ملتقى شبابي خليجي فإنه حتما يحمل الكثير من الدلالات والمعاني.

إن هذا الربط يعكس إدراكاً متزايداً بأن رفاه الإنسان ليس ترفاً، بل شرطاً أساسياً لصناعة قادة قادرين على مواجهة تحديات العصر، فمنظمة الصحة العالمية تؤكد أن الرفاه النفسي والاجتماعي يمثل مورداً يومياً لا غنى عنه، وأن المجتمعات التي تستثمر فيه أكثر قدرة على الصمود والابتكار.

ملتقى «رفاه وقيادة» الذي استضافته مملكة البحرين جسّد هذه الرؤية عبر جمع نخبة من الشباب الخليجي في ورش وجلسات تفاعلية تناولت موضوعات الذكاء العاطفي، الوعي الذاتي، العلاقة بين العقل والجسد، والابتكار في مواجهة التحديات. هذه القضايا ليست نظرية، بل أدوات عملية لإعداد جيل قيادي متوازن.

المشاركون شددوا على أن الذكاء العاطفي يتفوق في كثير من الأحيان على الذكاء العقلي، لأنه يتيح للقائد التحكم في مشاعره والتواصل بفعالية، وهو ما تؤكده دراسات عالمية في القيادة التحويلية التي تربط بين الذكاء العاطفي وارتفاع مستويات الرضا والرفاه الوظيفي.

هذا الملتقى الجميل.. حمل دلالات عميقة على المستويين الاجتماعي والنفسي، فعلى الصعيد الاجتماعي عزز الهوية الخليجية المشتركة، وأكد أن الاستثمار في الشباب هو استثمار في مستقبل المنطقة، أما نفسياً فرسخ مفهوم أن القائد الواعي لا يمكن أن يكون فعالاً دون اتزان داخلي، وأن الصحة النفسية ضرورة استراتيجية وليست خيارًا، والاهم هو البعد التنموي الذي فتح المجال أمام الشباب لتصميم مشاريع مستدامة، ووضع البحرين في موقع ريادي كحاضنة للقيادات الواعية.

دراسات حديثة من جامعة هارفارد «2025»، تؤكد أن برامج إعداد القادة لا تكتمل دون دمج الصحة النفسية والرفاه، لأن القادة المتوازنين نفسياً أكثر قدرة على إدارة التحولات الرقمية وضغوط العمل. كما أظهرت أبحاث منشورة في مجلات علمية أن القيادة المستدامة ترتبط ارتباطاً وثيقاً برفاه الموظفين، وأن تعزيز ثقافة الثقة والتعاون ينعكس مباشرة على الابتكار والإنتاجية.

وهنا يُطرح سؤال مهم وهو كيف نقيس الرفاه؟ والجواب بمؤشرات الصحة النفسية: عبر أدوات تقييم مثل مستويات القلق والاكتئاب والرضا عن الحياة، ومؤشرات اجتماعية مثل قوة العلاقات الاجتماعية، المشاركة المجتمعية، والإحساس بالانتماء، ومؤشرات قيادية مثل قدرة الشباب على اتخاذ قرارات متوازنة، إدارة الضغوط، وإطلاق مبادرات مستدامة، فبعد كل ذلك يتحقق الرفاه بوصفه حالة شمولية تعكس جودة حياة الإنسان، وتشمل الصحة الجسدية والنفسية والعاطفية والاجتماعية، إضافة إلى الشعور بالرضا والمعنى والإنجاز، فالرفاه ليس مجرد غياب المرض أو الضيق النفسي، بل هو بناء متعدد الأبعاد يدمج بين الصحة، العلاقات، الإنجاز، والمعنى في الحياة. وهو مؤشر أساسي على قدرة المجتمعات والأفراد على والتنمية.