تُعيد حركة إتاحة الذكاء الاصطناعي للجميع «Democratization of AI» تشكيل مشهد أسواق الذكاء الاصطناعي التوليدي والصناعة ككل بصورة جذرية. فعلى مدى سنوات، كانت قدرات الاستدلال المتقدمة حكراً على المنصات المغلقة ونماذج الاشتراك مرتفعة التكلفة.

إلا أن شركة «Z.ai» الصينية الناشئة تعمل اليوم على إتاحة هذه الأدوات للجمهور مجاناً.

وقد تأسست الشركة عام 2019 تحت اسم «Zhipu AI» ضمن مجموعة هندسة المعرفة في جامعة تسينغهوا، قبل أن تعيد تسميتها في منتصف عام 2025 بهدف توسيع نطاق مهمتها المتمثلة في إتاحة النماذج المتقدمة للمجتمع العالمي.

ومع إطلاق نظامها الرائد «4.7-General Language Model GLM» في ديسمبر 2025، تحولت هذه التقنيات المعرفية القوية من أصول مؤسسية حصرية إلى مورد متاح على نطاق عالمي.

ويعود جزء كبير من الاهتمام الذي حظيت به الشركة إلى تقديمها لما يُعرف بوضع التفكير «Thinking Mode»، وهو خاصية تمكّن النموذج من تقييم منطق استدلاله ذاتياً قبل توليد الإجابات.

وقد خضعت هذه القدرة للاختبار من خلال معيار Humanity’s Last Exam، الذي يتضمّن مسائل معقدة في الرياضيات والعلوم والاستدلال المنطقي. وحقّق نموذج

«4.7- GLM» نتيجة بلغت 42.8%، ما وضعه ضمن نطاق ضيق يضم نماذج رائدة من شركات مثل «OpenAI وAnthropic»، و«Google».

كما أظهر النموذج أداءً قوياً في اختبار «SWE-bench Verified»، المخصص لقياس القدرة على إصلاح أخطاء برمجية حقيقية، حيث نجح في حل 73.8% من المشكلات المطروحة.

وتُظهر هذه النتائج أنه، رغم استمرار تفوق بعض الحلول الاحتكارية في جوانب محددة، فإن الفجوة التقنية قد تقلصت بشكل ملحوظ.

ما يميز «Z.ai» عن العديد من منافسيها هو التزامها بمبدأ الإتاحة المفتوحة. فقد قامت الشركة بإصدار نموذج «4.7- GLM» كمصدر مفتوح «Open Source» وبشروط ترخيص مرنة، ما يجعله متاحاً مجانًا للمطورين والباحثين حول العالم.

ويأتي هذا التوجه على النقيض من الأنظمة المغلقة التي تعتمدها عدة شركات رائدة في القطاع، كما أعاد تجربة شركة DeepSeek الصينية، التي أحدثت في وقت سابق من عام 2025 اضطراباً في توقعات التسعير.

ومن خلال تقديم أداء مقارب بتكلفة أقل وقيود محدودة، تعمل «Z.ai» على توسيع قاعدة الجهات القادرة على تبنّي قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

ويستند هذا الموقع التنافسي إلى قاعدة مالية قوية؛ إذ نجحت «Z.ai» في جمع أكثر من 1.5 مليار دولار من مستثمرين من بينهم Alibaba

وTencent وذراع الاستثمار السعودي Prosperity7 Ventures.

كما اجتازت الشركة مؤخراً جلسات المراجعة التنظيمية تمهيداً لطرح عام أولي في بورصة هونغ كونغ، يُتوقع أن يجمع نحو 300 مليون دولار، ما يجعلها من أوائل مطوري نماذج اللغة الكبيرة الذين يدرجون أسهمهم للتداول العام.

ويعكس هذا الإنجاز تنامي الثقة المؤسسية في الإمكانات التجارية للذكاء الاصطناعي التوليدي، ويضع الشركة في موقع يسمح لها بتسريع وتيرة الابتكار.

وتكمن الأهمية الأوسع لتجربة «Z.ai» في الدلالة التي تحملها لمستقبل القطاع ككل. إذ يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي تحولاً من هيمنة عدد محدود من الشركات الخاصة إلى نموذج أكثر توزيعاً، تتنافس فيه البدائل مفتوحة المصدر بجدية مع الأنظمة الاحتكارية.

ولا يقلل هذا التحول من إنجازات اللاعبين التقليديين، بل يوسّع نطاق المنافسة ويثريها. أما النتيجة العملية للمؤسسات والباحثين والمطورين حول العالم، فهي تنوع أكبر في الخيارات وتسارع واضح في وتيرة الابتكار عبر مختلف أرجاء القطاع.