كانت المرة الأولى التي أضطر فيها، تحت ضغط الحالة الهستيرية في وسائل التواصل الاجتماعي، لمتابعة برنامج مسابقات غنائي. وفي الحقيقة لم أتابع إلا الجزء الثاني من الحلقة الأخيرة فقط. ومع ذلك فوجئت بالتكنيك العالي الذي استخدمه القائمون على البرنامج في خلق حالة إثارة وجذب عبر أدوات ثقافية و«إنسانية» مغلوطة لتحقيق نسبة مشاهدة ومشاركة عالية، وبالتالي تحقيق ربح مالي استثنائي.
بدأ صباح الحلقة الأخيرة من البرنامج بتغريدة «لطيفة» من السيد أفخاي أذرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي. عبر في التغريدة عن حماسه لمتابعة الحلقة الأخيرة وتمنياته للفائزين بالتوفيق بجمل لا تخلو من الدلالة السياسية عن الرؤية الإسرائيلية لشعوب المنطقة. وتوسط اليوم نشر مقاطع فيديو وصور لإحدى الفنانات المشاركات في التحكيم وهي تزور السيد محمود عباس في مقر إقامته في لبنان حيث تبث الحلقات. ثم يبدأ مساء الحلقة الأخيرة بصورة للسيد محمود عباس وهو يتوسط المتسابقين في البرنامج متمنياً لهم الحظ والتوفيق. والسؤال المذهل هو ما دخل الساسة في برنامج ترفيهي فني؟ ولماذا أقحموا أنفسهم في الحلقة الأخيرة حين اشتدت وتيرة التنافس في البرنامج إلى مستويات غير صحية؟
المتنافسون النهائيون في البرنامج هم ثلاثة شباب عرب: يمني وفلسطيني من غزة، وفلسطيني من عرب 48. إنهم شباب من واقع عربي يعاني أزمات سياسية خانقة وحروباً متعبة أرهقت الشعوب. وهذه التشكيلة هي التي نجحت في تحويل البرنامج من برنامج مسابقات غنائي إلى برنامج نضال سياسي. فقد وجد جمهور المتسابقين «الوطني» في البرنامج فرصة لتحقيق نصر وطني لأزمات الوطن. واعتبر بعضهم أن التصويت لمتسابقهم فريضة وطنية تكشف مواقف الآخرين من الانحيازات والاستقطابات والقضية الوطنية. وتحولت التعليقات إلى منافسة يمنية فلسطينية في بعض الأحيان. وإلى منافسة مناطقية فلسطينية في بعض التعليقات. وإلى منافسة حزبية أيديولوجية يمنية في تعليقات أخرى. وبنيت بعض توقعات نتائج الفوز على قراءات سياسية لا علاقة لها بأداء المتسابقين.
وبرغم جودة أصوات الشباب المتسابقين غير أنهم لا يملكون مواهب فارقة تجعلهم في المدى القريب أو البعيد علامة بارزة في المسيرة الطربية لبلدانهم ولم تبرز كاريزما فنية خاصة تميز أحدهم وتجعله محط استثمار شركات التسويق الفني الكبيرة في الوطن العربي. وفي تقديري الذاتي: لا أتوقع أن يحقق أحد منهم نجاحاً ملحوظاً في مسيرته القادمة. فضلاً عن أن بنية البرنامج تجارية ترويجية أكثر منها تحمل قضية الفن ومستقبله كما كانت تفعل إذاعة القاهرة وإذاعة دمشق وبرنامج أستوديو الفن على سبيل المثال. وعلى الرغم من ذلك فقد بين مقدم الحلقة أن نسبة التصويت تعتبر تاريخياً أعلى نسبة تصويت يحظى بها البرنامج في تاريخه. وأن هؤلاء المتسابقين الثلاثة حققوا أعلى نسبة تصويت في تاريخ البرنامج!!
وفي النهاية فقد فاز أحدهم فقط ولم تنتصر قضيته الوطنية. ولكن المنتصر الحقيقي كانت القضية الرأسمالية. والفائز الحقيقي هو شركات الاتصالات والإعلانات ومنتجو البرنامج الذين أبدعوا في التحكم في عقول المتابعين واستثمار معاناتهم الوطنية وآمالهم وطموحاتهم في نصر قريب وفي فرج كبير لجني مليارات الدولار من شعوب تعاني مآسي اقتصادية خطيرة. إن هذا البرنامج وغيره أثبت القدرة السحرية للإعلام على تحويل الأشياء إلى صور ليست هي على حقيقتها. وأثبت شراهة رأس المال في تحقيق الربح ولو كان رصيده يخصم من حساب المسحوقين.
{{ article.visit_count }}
بدأ صباح الحلقة الأخيرة من البرنامج بتغريدة «لطيفة» من السيد أفخاي أذرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي. عبر في التغريدة عن حماسه لمتابعة الحلقة الأخيرة وتمنياته للفائزين بالتوفيق بجمل لا تخلو من الدلالة السياسية عن الرؤية الإسرائيلية لشعوب المنطقة. وتوسط اليوم نشر مقاطع فيديو وصور لإحدى الفنانات المشاركات في التحكيم وهي تزور السيد محمود عباس في مقر إقامته في لبنان حيث تبث الحلقات. ثم يبدأ مساء الحلقة الأخيرة بصورة للسيد محمود عباس وهو يتوسط المتسابقين في البرنامج متمنياً لهم الحظ والتوفيق. والسؤال المذهل هو ما دخل الساسة في برنامج ترفيهي فني؟ ولماذا أقحموا أنفسهم في الحلقة الأخيرة حين اشتدت وتيرة التنافس في البرنامج إلى مستويات غير صحية؟
المتنافسون النهائيون في البرنامج هم ثلاثة شباب عرب: يمني وفلسطيني من غزة، وفلسطيني من عرب 48. إنهم شباب من واقع عربي يعاني أزمات سياسية خانقة وحروباً متعبة أرهقت الشعوب. وهذه التشكيلة هي التي نجحت في تحويل البرنامج من برنامج مسابقات غنائي إلى برنامج نضال سياسي. فقد وجد جمهور المتسابقين «الوطني» في البرنامج فرصة لتحقيق نصر وطني لأزمات الوطن. واعتبر بعضهم أن التصويت لمتسابقهم فريضة وطنية تكشف مواقف الآخرين من الانحيازات والاستقطابات والقضية الوطنية. وتحولت التعليقات إلى منافسة يمنية فلسطينية في بعض الأحيان. وإلى منافسة مناطقية فلسطينية في بعض التعليقات. وإلى منافسة حزبية أيديولوجية يمنية في تعليقات أخرى. وبنيت بعض توقعات نتائج الفوز على قراءات سياسية لا علاقة لها بأداء المتسابقين.
وبرغم جودة أصوات الشباب المتسابقين غير أنهم لا يملكون مواهب فارقة تجعلهم في المدى القريب أو البعيد علامة بارزة في المسيرة الطربية لبلدانهم ولم تبرز كاريزما فنية خاصة تميز أحدهم وتجعله محط استثمار شركات التسويق الفني الكبيرة في الوطن العربي. وفي تقديري الذاتي: لا أتوقع أن يحقق أحد منهم نجاحاً ملحوظاً في مسيرته القادمة. فضلاً عن أن بنية البرنامج تجارية ترويجية أكثر منها تحمل قضية الفن ومستقبله كما كانت تفعل إذاعة القاهرة وإذاعة دمشق وبرنامج أستوديو الفن على سبيل المثال. وعلى الرغم من ذلك فقد بين مقدم الحلقة أن نسبة التصويت تعتبر تاريخياً أعلى نسبة تصويت يحظى بها البرنامج في تاريخه. وأن هؤلاء المتسابقين الثلاثة حققوا أعلى نسبة تصويت في تاريخ البرنامج!!
وفي النهاية فقد فاز أحدهم فقط ولم تنتصر قضيته الوطنية. ولكن المنتصر الحقيقي كانت القضية الرأسمالية. والفائز الحقيقي هو شركات الاتصالات والإعلانات ومنتجو البرنامج الذين أبدعوا في التحكم في عقول المتابعين واستثمار معاناتهم الوطنية وآمالهم وطموحاتهم في نصر قريب وفي فرج كبير لجني مليارات الدولار من شعوب تعاني مآسي اقتصادية خطيرة. إن هذا البرنامج وغيره أثبت القدرة السحرية للإعلام على تحويل الأشياء إلى صور ليست هي على حقيقتها. وأثبت شراهة رأس المال في تحقيق الربح ولو كان رصيده يخصم من حساب المسحوقين.