نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن «التعليم وقت الطوارئ وما بعد الأزمات»، فعندما ينشأ الطفل في بيئة تعليمية آمنة فمن المؤكد أنه لا يكون عرضة للعنف والاستغلال، وتقل فرص تعرضه للانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان وبالتالي يتم منحهم الحماية الجسدية والنفسية خلال وبعد الأزمات مما يجعله يتمتع بصحة نفسية جيدة، بالإضافة إلى تمكين الأطفال من الناحية المعرفية عبر تعلم مهارات القراءة والكتابة والحساب، وزيادة الوعي من خلال اكتساب العديد من المهارات الحياتية التي يتم التركيز عليها في حالات الطوارئ. ومن أبرز التعريفات التي تم استنتاجها من قبل المشاركين في نهاية التدريب لمفهوم التعليم وقت الطوارئ «هو عملية نقل الطالب والمعلم من ظروف غير طبيعية مروا بها وتسببت لهم بأذى نفسي أو جسدي إلى الحياة الطبيعية والتعليم الرسمي بشكل تدريجي مع توفير الحماية له وتقبل كافة ردود الأفعال الناتجة عن الظروف غير الطبيعية التي مرو بها». تعريف آخر «يمثل التعليم في حالات الطوارئ الإجراءات المتبعة من أجل استئناف العملية التعليمية بعد ظروف غير عادية متمثلة بالحرب على غزة عاشها الأطفال وتعرضوا خلالها إلى صدمات نفسية، مما يتطلب توفير الحماية الجسدية والنفسية لهم وتلبية احتياجاتهم المختلفة ومساعدتهم على التكيف مع هذه الظروف».

إن باستطاعة العاملين في الحقل التربوي في مثل هذه الظروف لعب دور حاسم في مساعدة الطلبة على التأقلم والتكيف مع الأحداث الصادمة من خلال تحديد احتياجات كل من الطفل والمعلم والبيئة المدرسية في حالات الطوارئ، والعمل على خلق بيئة محفزة للتعلم تعتمد على التعلم النشط وأنشطة حماية الطفل حيث يتم منح الأطفال الفرصة للمشاركة والتعبير عن مشاعرهم وتنفيذ الأنشطة الترويحية، وإعطاء معنى وشكل لحياة الأطفال الفلسطينيين وغرس قيم العدالة والسلام في عقولهم بدلاً من امتلاكهم مشاعر الخوف والكراهية، والتأكيد على حق الأطفال في الحصول على خدمات تعليمية ذات جودة عالية بشكل متساوي ودون تمييز، بالإضافة إلى البدء في عملية التعليم بشكل متدرج عبر مراحل تبدأ بمرحلة الأنشطة الترويحية والتخطيط للأنشطة المختلفة وتهيئة البيئة التعليمية. أما المرحلة الثانية، مرحلة التعليم غير الرسمي تتم من خلال إعطاء الأطفال مساحة من الحرية للتعبير عن مشاعرهم، وتزويد المعلمين بمواد وبطاقات ووسائل تعليمية تعزز المهارات الأساسية لديهم، وتعزيز العلاقة ما بين المدرسة والمجتمع من خلال تنفيذ المبادرات المجتمعية والأنشطة الترويحية، وصولاً إلى المرحلة الثالثة المتمثلة بالتعليم الرسمي بعد إجراء التقييم اللازم والوصول إلى الأوضاع الطبيعية، حيث تعتمد أنشطة التعليم الرسمي الجدول الرسمي وتأخذ طابع الاستقرار، والاعتماد على المنهج المدرسي.

من هنا تمثلت الأوليات في المراحل الأولى بإزالة مخلفات الحرب من المتفجرات لتأمين وصول 474 ألف طالب لمدارسهم في قطاع غزة، وكذلك ترميم المدارس التي تعرضت إلى أضرار بسبب قصف الطائرات والدبابات أو بسبب استخدامها كملاجئ طارئة من قبل الأسر الفلسطينية النازحة. كما كان هناك حاجة إلى استبدال الأثاث المدرسي والكتب المدرسية، إضافة إلى حاجة آلاف الأطفال والمعلمين إلى الدعم النفسي الاجتماعي بعد تعرضهم لصدمات نفسية حادة.

في الختام، يمكن القول لأطفالنا ومعلمينا بأن التعليم هو حق تمكينهم وهو الخطوة الأولى لإعادة إعمار ما دمرته الحرب على غزة وصولاً إلى التنمية المنشودة، والمنهج المناسب في الظروف الطارئة وما بعد الأزمات الذي يأخذ في عين الاعتبار الاحتياجات النفسية والاجتماعية للأطفال ضحايا الحرب، مع التركيز على مهارات الحياة التي يمكن الاستفادة منها في جميع مجالات الحياة.