من منا لم يلحظ مضخات النفط المنتشرة في ربوع صحرائنا. تتالت أجيال عديدة على هذه المضخات، وعلى مدى عقود كانت هذه المضخات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا حتى امتزج وجودها بنسيج وجداننا وأصبحت رمزاً للعزة والقوة. في الوقت نفسه صرنا ندرك كلنا أن هذا الذهب الأسود مصيره النفاد عاجلاً أم آجلاً. نعيش اليوم في عالم سؤاله الآني هل سنبتهج أو نحزن عند تصديرنا لآخر برميل بترول؟ أدركت دول المنطقة بأن الاستثمار في القطاع غير النفطي هو استثمار راجح بكل تأكيد وها هي دول الخليج العربية تسير نحو الاقتصاد المبني على المعرفة والمعلومات.
تمكنت دول الخليج العربية في خلال بضعة عقود من استغلال ثروتها النفطية لبناء الصناعات وتنمية مدنها وتوفير سبل الراحة لمواطنيها، اليوم أمامنا تحدٍّ جديد ألا وهو التنقيب عن المعلومات. فكما نقبنا عن النفط وأنتجنا مختلف المنتجات النفطية، اليوم علينا الاهتمام والاستثمار بالتنقيب عن المعلومات كمصدر أساس للناتج القومي. وكما أطلقنا الآلات لتجول الصحاري والبحار بحثاً عن النفط، علينا أن نبتكر من الآليات الذكية لتجول بحار المعلومات المخزنة في الحواسيب والمنصات السحابية «cloud platforms».
قبل أن نستعرض أهمية التنقيب عن المعلومات، لعل الأفضل أن ندرك كيف تَكَون هذا البحر من المعلومات لدينا. فحتى قبل اختراع الحاسب الآلي، اهتمت البشرية بحفظ ذاكرتها من خلال الأرشيف الذي خزنت فيه كل شيء. مع انخفاض سعر تخزين المعلومات وتزايدت سرعات الإنترنت وتوفرت بأسعار رخيصة للكل، تزايد استخدامنا وإنتاجنا للمعلومات حتى صرنا ننتج ما لا يقل عن 2.5 اكسترابايت «الاكسترابايت الواحد يعادل المليار جيجابايت»، في كل يوم وهذا يقارب عشرة ملايين قرص بلوراي «Blu-ray» يحوي أفلاماً عالية الجودة. أمام هذا الطوفان الهائل من المعلومات تأتي أهمية البحث عن الأنماط «patterns». إن عملية التنقيب في المعلومات والتعرف على الأنماط تتشابه بشكل كبير مع عملية التنقيب وتكرير النفط. قيمة الأنماط المكتشفة تكون بقيمة التوفير أو المكاسب المادية المدركة عند استخدام تلك الأنماط لتطوير الأداء وابتكار الحلول بطرق دقيقة وتحويلها في نهاية المطاف إلى فرص تفيد البشرية أو فرص استثمارية.
أمثلة وتطبيقات التنقيب عن المعلومات تتخذ أشكالاً شتى ومتنوعة. المثال الأكثر انتشاراً هو ما تفعله كبرى شركات الإنترنت كـ«غوغل» و«فيسبوك» من تجميع بياناتنا واستخراج المعلومات واستخدامها لكسب المزيد من المستخدمين وتطوير خدماتها الإلكترونية. كما يمكننا كذلك على سبيل المثال تحليل المعلومات الصحية من اكتشاف الأنماط العلاجية الأكثر فاعلية لعلاج الأمراض، وبالتالي سينعكس ذلك على توفير خدمات طبية متطورة تختصر الوقت اللازم للشفاء وكلفة العلاج بشكل عام. ولا تقتصر الأمثلة على قدرتنا على تطوير الخدمات الرقمية وخدمة الزبائن والمستخدمين والخدمات الطبية، بل تمتد لتشمل تنقيباً في هذه المعلومات الكبيرة «big data» لتوقع المستقبل. إن توقع المستقبل بصورة دقيقة سيجعلنا قادرين على العمل اليوم بشكل مكثف على الاستعداد والتأقلم بصورة أكبر مع التغيرات المستقبلة كتغيرات المناخ وأسواق المال والعمل وحتى حياتنا الاجتماعية.
سباق التنقيب عن المعلومات قد بدأ بالفعل، وقد حان الوقت أن نلحق بركب كبرى شركات الإنترنت والدول الأخرى للتنقيب عن المعلومات. قدرتنا على المنافسة في المستقبل تعتمد بشكل كبير على الاستثمار الآن في إيجاد هذه الصناعة في البحرين اليوم. فعندما تستثمر شركة كأمازون «Amazon» وتختار البحرين كأحد مراكز الخدمات السحابية فذلك يدل على إيمان هذه الشركة بأن البحرين هي المكان الأنسب في المنطقة لإطلاق خدماتها. التحدي الذي نواجهه اليوم هو ما مدى قدرتنا على أن نجعل البحرين بيتاً من بيوتات الخبرة في التنقيب عن المعلومات ونتحول من مستهلكين إلى منتجين لمنتجات وخدمات التنقيب عن المعلومات.
* أكاديمي بجامعة البحرين
{{ article.visit_count }}
تمكنت دول الخليج العربية في خلال بضعة عقود من استغلال ثروتها النفطية لبناء الصناعات وتنمية مدنها وتوفير سبل الراحة لمواطنيها، اليوم أمامنا تحدٍّ جديد ألا وهو التنقيب عن المعلومات. فكما نقبنا عن النفط وأنتجنا مختلف المنتجات النفطية، اليوم علينا الاهتمام والاستثمار بالتنقيب عن المعلومات كمصدر أساس للناتج القومي. وكما أطلقنا الآلات لتجول الصحاري والبحار بحثاً عن النفط، علينا أن نبتكر من الآليات الذكية لتجول بحار المعلومات المخزنة في الحواسيب والمنصات السحابية «cloud platforms».
قبل أن نستعرض أهمية التنقيب عن المعلومات، لعل الأفضل أن ندرك كيف تَكَون هذا البحر من المعلومات لدينا. فحتى قبل اختراع الحاسب الآلي، اهتمت البشرية بحفظ ذاكرتها من خلال الأرشيف الذي خزنت فيه كل شيء. مع انخفاض سعر تخزين المعلومات وتزايدت سرعات الإنترنت وتوفرت بأسعار رخيصة للكل، تزايد استخدامنا وإنتاجنا للمعلومات حتى صرنا ننتج ما لا يقل عن 2.5 اكسترابايت «الاكسترابايت الواحد يعادل المليار جيجابايت»، في كل يوم وهذا يقارب عشرة ملايين قرص بلوراي «Blu-ray» يحوي أفلاماً عالية الجودة. أمام هذا الطوفان الهائل من المعلومات تأتي أهمية البحث عن الأنماط «patterns». إن عملية التنقيب في المعلومات والتعرف على الأنماط تتشابه بشكل كبير مع عملية التنقيب وتكرير النفط. قيمة الأنماط المكتشفة تكون بقيمة التوفير أو المكاسب المادية المدركة عند استخدام تلك الأنماط لتطوير الأداء وابتكار الحلول بطرق دقيقة وتحويلها في نهاية المطاف إلى فرص تفيد البشرية أو فرص استثمارية.
أمثلة وتطبيقات التنقيب عن المعلومات تتخذ أشكالاً شتى ومتنوعة. المثال الأكثر انتشاراً هو ما تفعله كبرى شركات الإنترنت كـ«غوغل» و«فيسبوك» من تجميع بياناتنا واستخراج المعلومات واستخدامها لكسب المزيد من المستخدمين وتطوير خدماتها الإلكترونية. كما يمكننا كذلك على سبيل المثال تحليل المعلومات الصحية من اكتشاف الأنماط العلاجية الأكثر فاعلية لعلاج الأمراض، وبالتالي سينعكس ذلك على توفير خدمات طبية متطورة تختصر الوقت اللازم للشفاء وكلفة العلاج بشكل عام. ولا تقتصر الأمثلة على قدرتنا على تطوير الخدمات الرقمية وخدمة الزبائن والمستخدمين والخدمات الطبية، بل تمتد لتشمل تنقيباً في هذه المعلومات الكبيرة «big data» لتوقع المستقبل. إن توقع المستقبل بصورة دقيقة سيجعلنا قادرين على العمل اليوم بشكل مكثف على الاستعداد والتأقلم بصورة أكبر مع التغيرات المستقبلة كتغيرات المناخ وأسواق المال والعمل وحتى حياتنا الاجتماعية.
سباق التنقيب عن المعلومات قد بدأ بالفعل، وقد حان الوقت أن نلحق بركب كبرى شركات الإنترنت والدول الأخرى للتنقيب عن المعلومات. قدرتنا على المنافسة في المستقبل تعتمد بشكل كبير على الاستثمار الآن في إيجاد هذه الصناعة في البحرين اليوم. فعندما تستثمر شركة كأمازون «Amazon» وتختار البحرين كأحد مراكز الخدمات السحابية فذلك يدل على إيمان هذه الشركة بأن البحرين هي المكان الأنسب في المنطقة لإطلاق خدماتها. التحدي الذي نواجهه اليوم هو ما مدى قدرتنا على أن نجعل البحرين بيتاً من بيوتات الخبرة في التنقيب عن المعلومات ونتحول من مستهلكين إلى منتجين لمنتجات وخدمات التنقيب عن المعلومات.
* أكاديمي بجامعة البحرين