تختلف النظم السياسية ما بين ملكية وجمهورية، وفي داخل كل تصنيف منها هناك الملكية المطلقة أو شبه المطلقة والملكية الدستورية وحتى هذه الأخيرة تختلف تفسيراتها، هل لمجرد وجود دستور أم لطبيعة الدور الذي يقوم به رئيس الدولة ورئيس الوزراء سواء كان نظاماً ملكياً أو جمهورياً؟ ولدينا نظام الجمعية كما في سويسرا ونظام يجمع بين الملكية والجمهورية البرلمانية كحالة ماليزيا حيث يتم تدوير رئاسة الدولة بين الأقاليم في الدولة الفيدرالية. وهكذا لكل مجتمع نظامه ولكل نظام خصوصيته. وهنا نجد الخطأ المريع الذي يقع فيه بعض المفكرين الغربيين ومن تبعهم من مفكري الدول النامية بتصور أن النظام الأوروبي نمط واحد وإنه النظام المثالي الذي يجب تعميمه علي العالم بأسره. هذا الخطأ مرجعه قصور التفكير لدى بعض الباحثين والمفكرين إذ ينسون أو يتناسون الطبيعة الخاصة لكل مجتمع ويرفضون تلك الخصوصية سعياً لفرض نظامهم الذي يصفونه بالعالمية والذي يجب أن يسود الكون، وهذا نوع من الغرور الفكري، فضلاً عن الجهل بالتاريخ والجغرافيا وعلوم الاجتماع البشري والواقع السياسي.
لقد أثبت المنهج العلمي وجود قاعدتين رئيسيتين في التطور هما الحق في الاختلاف وضرورة التغير في المعاني للأشياء سواء مادية أو معنوية، فمعاني الكلمات تختلف من جيل لجيل، ومن عصر لعصر، بل من مكان لمكان، ونسوق مثالاً واحداً هو مصطلح الديمقراطية التي يتغنى بها بعض المفكرين والخبراء الغربيين، فالديمقراطية في تقسيم أرسطو لنظم الحكم اعتبرها من أسوأ النظم فهي أقرب للديماجوجية والفوضي لسيطرة الغوغاء عليها.
صفوة القول هنا أن لكل دولة نظامها وتجربتها الخاصة مهما كان التشابه بين تلك الدول أو النظم، يظل الاختلاف في بعض السمات تبعاً لتاريخ وحضارة وثقافة كل مجتمع ومراحل تطوره التاريخي، وهذا ما أوضحته في كتابي المعنون «النظام السياسي لمملكة البحرين.. الإصلاح في إطار الهوية»، الطبعة الثانية عام 2007 من مركز البحرين للدراسات والبحوث، كما أوضحت في مقال من مقالاتي عام 2011 عقب إطلاق ما سمي بـ «الربيع العربي» وكان بعض المثقفين والإعلاميين متحمسين لنقل تجارب تونس ومصر فقلت لهم لا يجب أن تقلدوا أية دولة فلكل مجتمع ظروفه، ثم إن الإصلاح والتطور السياسي بدأ في البحرين منذ عام 1999 عندما تولى جلالة الملك السلطة وأعلن ميثاق العمل الوطني الذي وافق عليه الشعب بنسبة 98.4 %، ثم أصدر الدستور.
وأضفت أن تقليد فئة للدول الأخرى هو وصفة للصراع السياسي لاختلاف ظروف كل مجتمع، وبالفعل أخفقت التغيرات في مختلف دول ما سمي بـ «الربيع العربي» وإن اختلف الإخفاق من دولة لأخرى وفقاً لظروف كل دولة. ولو راجعت القوي السياسية في البحرين أو غيرها من الدول العربية لكررت لنفسها مقولة الصوفية «لو اطلعتم الغيب لاخترتم الواقع».
باختصار نقول إن النظام السياسي البحريني قام على ركائز مهمة وثابتة، لعل أهمها الخبرة التاريخية التي أدت لنشأة النظام الأميري ثم الملكي، والذي يرتكز على نظام وراثي وعلى قيادة ثلاثية ذات مكانة واحترام ومصداقية بخلاف نظم الجمهوريات العربية التي أثبتت فشلها الذريع في مصر وسوريا واليمن وتونس وليبيا والعراق وغيرها حتى أن النظم الجمهورية في تلك الدول كانت حاقدة على النظم الملكية وتطلعت لتقليدها في وراثة السلطة وهو أيضاً ينطبق عليه عيوب التقليد.
النظام السياسي البحريني يقوم على قيادة ثلاثية متناغمة وتفكر في مصلحة البلاد أولها الأمير أو الملك، وثانيها رئيس الوزراء، وثالثها ولي العهد. وهذه خاصية تنفرد بها البحرين عن باقي دول الخليج، فرئيس الوزراء له مكانة خاصة واحترام كرئيس للسلطة التنفيذية.
ومن دراسة وتحليل أحداث 14 فبراير 2011 وما قبلها وما بعدها يلمس الباحث الدور الفريد لسمو ولي العهد في مملكة البحرين فسمو ولي العهد هو حلال المشاكل المستعصية في العلاقات المجتمعية والسياسية، وهو الذي يقدم الحلول التي تعتمد على التهدئة والتوفيق بين العديد من الاعتبارات والقوى السياسية. ومن ناحية ثالثة، إنه في عمله يعتمد على الإبداع الفكري بحكم كونه من جيل الشباب، ويعرف طبيعة الفكر الجديد، ويهتم بالتطورات الحديثة في العالم، ولديه خبرة تكنولوجية وعلمية وعقل متفتح يتلاءم مع المتغيرات، ومن الأمثلة على ذلك فكرة إنشاء مجلس التنمية الاقتصادية، كجهاز للتفكير والمبادرة وطرح الاقتراحات للتنمية الاقتصادية الشاملة، وذلك كله في ظل المبدأ الحاكم في عمل النظام، وهو مبدأ التناغم بين القيادة الثلاثية، هذا التناغم غير موجود في نظم خليجية أخرى بهذه الصورة. وطرح سمو ولي العهد وثيقة رؤية البحرين الاقتصادية 2030، عام 2008. وفي مجال السياسة الخارجية والأمن والدفاع كانت مبادرة سمو ولي العهد بدعوة المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية لعقد مؤتمر سنوي باسم حوار المنامة حيث يتبادل فيه المفكرون والممارسون في السياسة والاقتصاد والأمن أفكارهم وخبراتهم ويتفاعلون مع بعضهم البعض، من هنا نجد دور سمو ولي العهد دوراً متميزاً ومهماً وخطيراً في تطور النظام فهو قائد المستقبل. «يتبع».
* خبير في الدراسات الاستراتيجية
لقد أثبت المنهج العلمي وجود قاعدتين رئيسيتين في التطور هما الحق في الاختلاف وضرورة التغير في المعاني للأشياء سواء مادية أو معنوية، فمعاني الكلمات تختلف من جيل لجيل، ومن عصر لعصر، بل من مكان لمكان، ونسوق مثالاً واحداً هو مصطلح الديمقراطية التي يتغنى بها بعض المفكرين والخبراء الغربيين، فالديمقراطية في تقسيم أرسطو لنظم الحكم اعتبرها من أسوأ النظم فهي أقرب للديماجوجية والفوضي لسيطرة الغوغاء عليها.
صفوة القول هنا أن لكل دولة نظامها وتجربتها الخاصة مهما كان التشابه بين تلك الدول أو النظم، يظل الاختلاف في بعض السمات تبعاً لتاريخ وحضارة وثقافة كل مجتمع ومراحل تطوره التاريخي، وهذا ما أوضحته في كتابي المعنون «النظام السياسي لمملكة البحرين.. الإصلاح في إطار الهوية»، الطبعة الثانية عام 2007 من مركز البحرين للدراسات والبحوث، كما أوضحت في مقال من مقالاتي عام 2011 عقب إطلاق ما سمي بـ «الربيع العربي» وكان بعض المثقفين والإعلاميين متحمسين لنقل تجارب تونس ومصر فقلت لهم لا يجب أن تقلدوا أية دولة فلكل مجتمع ظروفه، ثم إن الإصلاح والتطور السياسي بدأ في البحرين منذ عام 1999 عندما تولى جلالة الملك السلطة وأعلن ميثاق العمل الوطني الذي وافق عليه الشعب بنسبة 98.4 %، ثم أصدر الدستور.
وأضفت أن تقليد فئة للدول الأخرى هو وصفة للصراع السياسي لاختلاف ظروف كل مجتمع، وبالفعل أخفقت التغيرات في مختلف دول ما سمي بـ «الربيع العربي» وإن اختلف الإخفاق من دولة لأخرى وفقاً لظروف كل دولة. ولو راجعت القوي السياسية في البحرين أو غيرها من الدول العربية لكررت لنفسها مقولة الصوفية «لو اطلعتم الغيب لاخترتم الواقع».
باختصار نقول إن النظام السياسي البحريني قام على ركائز مهمة وثابتة، لعل أهمها الخبرة التاريخية التي أدت لنشأة النظام الأميري ثم الملكي، والذي يرتكز على نظام وراثي وعلى قيادة ثلاثية ذات مكانة واحترام ومصداقية بخلاف نظم الجمهوريات العربية التي أثبتت فشلها الذريع في مصر وسوريا واليمن وتونس وليبيا والعراق وغيرها حتى أن النظم الجمهورية في تلك الدول كانت حاقدة على النظم الملكية وتطلعت لتقليدها في وراثة السلطة وهو أيضاً ينطبق عليه عيوب التقليد.
النظام السياسي البحريني يقوم على قيادة ثلاثية متناغمة وتفكر في مصلحة البلاد أولها الأمير أو الملك، وثانيها رئيس الوزراء، وثالثها ولي العهد. وهذه خاصية تنفرد بها البحرين عن باقي دول الخليج، فرئيس الوزراء له مكانة خاصة واحترام كرئيس للسلطة التنفيذية.
ومن دراسة وتحليل أحداث 14 فبراير 2011 وما قبلها وما بعدها يلمس الباحث الدور الفريد لسمو ولي العهد في مملكة البحرين فسمو ولي العهد هو حلال المشاكل المستعصية في العلاقات المجتمعية والسياسية، وهو الذي يقدم الحلول التي تعتمد على التهدئة والتوفيق بين العديد من الاعتبارات والقوى السياسية. ومن ناحية ثالثة، إنه في عمله يعتمد على الإبداع الفكري بحكم كونه من جيل الشباب، ويعرف طبيعة الفكر الجديد، ويهتم بالتطورات الحديثة في العالم، ولديه خبرة تكنولوجية وعلمية وعقل متفتح يتلاءم مع المتغيرات، ومن الأمثلة على ذلك فكرة إنشاء مجلس التنمية الاقتصادية، كجهاز للتفكير والمبادرة وطرح الاقتراحات للتنمية الاقتصادية الشاملة، وذلك كله في ظل المبدأ الحاكم في عمل النظام، وهو مبدأ التناغم بين القيادة الثلاثية، هذا التناغم غير موجود في نظم خليجية أخرى بهذه الصورة. وطرح سمو ولي العهد وثيقة رؤية البحرين الاقتصادية 2030، عام 2008. وفي مجال السياسة الخارجية والأمن والدفاع كانت مبادرة سمو ولي العهد بدعوة المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية لعقد مؤتمر سنوي باسم حوار المنامة حيث يتبادل فيه المفكرون والممارسون في السياسة والاقتصاد والأمن أفكارهم وخبراتهم ويتفاعلون مع بعضهم البعض، من هنا نجد دور سمو ولي العهد دوراً متميزاً ومهماً وخطيراً في تطور النظام فهو قائد المستقبل. «يتبع».
* خبير في الدراسات الاستراتيجية