تعرضنا في المقال السابق لما قامت به الفضائيات وشبكات التواصل والمنظمات الحقوقية من رفض وانتقاد لقرار حجب بعض المواقع المسيئة والمضرة بالأمن القومي لعدد من الدول العربية وكشفنا حجم التحيز في المعالجة الإعلامية لهذا الخبر الأمر الذي يؤكد وجود خطة ممنهجة للإضرار بمجتمعاتنا إذا ما سعت لاتخاذ تدابير تحافظ بها علي أمنها الوطني وتساءلت فيه متعجباً من رد فعل هذه المنظمات والقنوات الإعلامية الخارجية ولماذا لا تحجب هذه المواقع المضرة بالأمن القومي؟.إنه حق قانوني واجتماعي وسياسي لهذه الدول أن تحجب المواقع طالما ارتأت أنها تضر بأمنها الوطني وهذا منصوص عليه في قوانين الأمم المتحدة ذاتها التي تعطي الحق للدولة في الدفاع عما يمثل تهديداً لها أياً كان شكل هذه التهديد إلا أن هذه الفضائيات والمواقع الإلكترونية اعتبرت أنها تتمتع بحق مكتسب وهو أنها تنهش كما تريد في البناء الاجتماعي لهذه الدول بهدف إثارة الفوضي خاصة في الدول الناهضة التي أحرزت نجاحات غير مسبوقة في الإصلاح والتنمية وصاحبة الموقف والقرار والتي بينها تعاونا في القضايا العربية والدولية والتي أنجاها الله من هذه المخططات بفضله وحكمة قادتها ووعي شعوبها وبالتالي لم تستطع عوامل الوهن والتفكك أن تتسلل إليها رغم الأطماع المعلنة من قوي إقليمية ودولية.إن نظرية الحرية التي يدعيها الإعلام الغربي قد فشلت في دولهم ذاتها حيث ثار عليها المصلحون لأنها أفضت إلى الفوضي والإضرار بالمجتمعات، ومهنياً أوجدت الاختلاق والتلفيق وعدم الموضوعية من أجل تحقيق المصالح الشخصية فيما عرف بالصحافة الصفراء وعملت هذه المجتمعات نفسها علي إنتاج نظرية بديلة عرفت بنظرية المسؤولية الاجتماعية والتي نادت « بالإعلام الحر والمسؤول» أي يكون لديه مسؤولية أخلاقية واجتماعية نحو المجتمع وان يعلي الصالح العام علي المصالح الشخصية، وهذا ما نتبناه نحن في عالمنا العربي إذ نعلم طلابنا في صفوف الدراسة في الصحافة والإعلام ضرورة تفضيل الصالح العام علي الصالح الخاص، وأن تحري دقة الخبر يسبق إحراز السبق الصحافي حتي لو اضطر أن يضحي بالخبر مهما كانت أهميته فالصالح العام له الأولوية علي الانفراد المهني، وأن قيمة فائدة المجتمع من نشر الخبر والحرص علي توافر صفات الصحة والدقة والموضوعية وعدم التحيز تسبق قيم الإثارة والصراع والخروج عن المألوف لأننا نؤمن أن تماسك المجتمع ووحدة أبنائه وتحقيق أهدافه القومية تسبق المكاسب الصحفية الشخصية التي تجد من الإثارة في الأخبار ناراً تشعل هذه الأهداف وفقاً لما نادت به نظرية الحرية في شكلها الكلاسيكي علي لسان اللورد نورث كليف «من رواد صحافة نظرية الحرية) بأن « الخبر الصحافي هو الإثارة والخروج عن المألوف فليس الخبر- من وجهة نظرهم - أن يعض الكلب رجلاً ولكن الخبر أن يعض الرجل كلباً» فالبعد الاجتماعي ومصالح المجتمع لا مجال لهما في تعريفه للخبر الصحافي.والآن نجد ازدواجية النظرة نحو مفهوم الحرية حيث يريدون حرية الفوضي في دولنا والحرية المسئولة في دولهم، لذا فإن الإعلام الغربي قد أيد كل الإجراءات التي اتخذتها حكوماته من أجل حماية أمنهم الوطني سواء في شكل تصنت علي المكالمات أو متابعة المواقع وفرض الإجراءات المشددة بل ومنع هجرة بعض الجنسيات الى هذه الدول وترحيل بعضها رغم أنها تعد انتهاكات للحرية وحقوق الإنسان. وحين نتبع المنهج نفسه تتعالي الأصوات وتندد وترفض وتتهم.إن هذه الازدواجية ليست وليدة اليوم فقد اهتم الإعلام الغربي بتصدير مفاهيم براقة للعالم الثالث منذ السبعينات والتي بدأت بتصدير مفهوم التنمية ولم يذكر التاريخ أن هناك دولة غربية تبنت مشروعاً تنموياً تعميرياً في واحدة من دول العالم الثالث طوال الخمسين عاماً الماضية مثلما تبنوا مشروع مارشال لإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ثم صدروا لنا مفهوم البيئة وحمايتها في التسعينات وأثبت الواقع أنهم الأكثر إساءة للبيئة العالمية عبر دفن النفايات والمخلفات السامة والتجارب النوية وعدم تصديق بعضهم اتفاقية البيئة، ثم صدروا قضية المرأة وحقوقها وأثبت الواقع انتشار مفاهيم وسلوكيات وقيم دخيلة علي المجتمعات العربية والإسلامية من أجل نسف الأسرة وتماسكها، الأمر الذي ميز الأسرة في العالمين العربي والإسلامي لأنهم يعلمون أن المرأة هي أساس هذا التماسك والنتيجة من يقارن نسبة الطلاق في مجتمعاتنا الآن بالوضع قبل ثلاثين عاماً سيجد أن النسبة زادت بمعدل يتعدى الخمسة والثلاثين ضعفاً، وأخيرا تصدير مفاهيم حقوق الإنسان والأقليات عبر منظمات المجتمع المدني وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الفضائي وبات الهدف واضحاً وجلياً وهو تنفيذ مخططات الهيمنة الخارجية وضرب الأمن القومي لهذه الدول تمهيداً لتفككها وانهيارها.إن الإعلام الغربي والمنظمات الدولية ترفع شعارات براقة كحقوق الإنسان والحريات وتمارس عكسها وتبيح لدولها إجراءات لحماية أمنها القومي وتمنعها عنا، مستخدمة الإعلام الفضائي وشبكات التواصل الاجتماعي اللذين باتا أدوات هدم المجتمعات وإثارة الفوضي وضرب وحدتها الوطنية وتهييج الرأي العام عبر قضايا مختلقة أو مبالغ فيها بدعوى حقوق الإنسان.نجد ازدواجية النظرة نحو مفهوم الحرية حيث يريدون حرية الفوضي في دولنا والحرية المسؤولة في دولهم