هي قاعدة ثابتة، إذ الحكم بالأرقام الصريحة أدق وأقوى من الحكم بالأقوال والكلام المرسل.

لتبسيط الموضوع، فإن نتائج الدراسة الدقيقة هي تلك التي تعرض بالأرقام، لا بالوصف الكلامي، وحال ذلك أيضاً يرتبط بالاقتصاد إن كنا نريد معرفة كيف يكون الأداء، وما هي الأرباح والخسائر.

كل شيء يمكن قياسه بالأرقام، لابد وأن يعطي نتائج دقيقة، خاصة إن كانت عمليات بسيطة تستدعي الرصد فقط.

أقول ذلك، على خلفية ما نشر يوم أمس عن النواب في البرلمان، بما يتعلق بعملية «التزامهم» بحضور الجلسات، وكيف أن أرقام الغيابات بإمكانها تشكيل «صدمة» فعلية لكثير من الناخبين، خاصة الذين قد لا يتوقعون أن يكون بعض النواب بهذا المستوى غير المسؤول من الالتزام بالحضور.

نعم، هناك مشاركات خارجية وسفرات ومهمات، وغيرها من الأمور التي تجعل النائب غير قادر على حضور الجلسات، لكن حتى هذه المسألة لو جئنا لقياسها بمقدار أهميتها، ومدى إلزامية التواجد والحضور، أشك بأننا سنجد أن كل المشاركات لازمة وضرورية، بل أشك بأننا سنخلص إلى أن العدد المشارك، وفي حالات كثيرة نواب عدة، لا يستوجب هذا الكم.

أتخيل نائباً يغيب عن جلسات تفوق نصف عدد جلسات دور الانعقاد الواحد، كيف سيعمل إذا على تنفيذ وعوده والتزاماته التي قدمها للناخبين، خاصة وأن لهذه الوعود دوراً كبيراً في التأثير عليهم -أي الناخبين- خلال فترة الحملات الانتخابية ومساعي الحصول على الأصوات.

لا أريد التعميم هنا والقول إن هناك «عدم التزام» بالمسؤولية لدى النواب، وهو الأمر الذي يترجم على أنه «عدم احترام» للناخبين، فالتعميم سيجحف حق نواب ملتزمين، لكن الحديث عمن يتكرر غيابه، ومن بات ناخبيهم يعرفونهم بعدم الاهتمام والتفاعل معهم.

المشكلة كما نراها تتمثل بأنه لا توجد إجراءات «صارمة جداً» تجعل النواب غير المهتمين وغير الملتزمين يصححون مساراتهم.

آلية الخصم من المكافأة النيابية على النواب الذين لا يحضرون الجلسات أو يتأخرون أو يخرجون منها طبقت، وهذا أمر لا يمكن نكرانه، لكنها طبقت بعد مضي أدوار انعقاد عديدة بل فصول تشريعية كان بعض النواب بسبب إهمالهم وتسيبهم يمثلون أهمية أقل حتى من كراسيهم التي يجلسون عليها.

في الأعمال الرسمية والتي تدفع الحكومة لأصحابها رواتب، هناك أنظمة ولوائح تنظم العمل الإداري وتضع ضوابط للالتزام والإهمال، فتتدرج من الإنذارات إلى الخصم من الراتب إلى التوقيف وحتى الفصل.

وأقول ذلك لأن النواب رواتبهم تدفعها الحكومة بالتالي إن كانوا هم لا يقدرون «وضعيتهم الخاصة» كسلطة تشريعية هي أصلاً مسؤولة عن عمليات الرقابة والمحاسبة، فإن المطالبة الشعبية تتركز في ضرورة مساواتهم في المحاسبة مع المواطنين.

يحصل هذا في وقت يتحصل فيه النواب على تقاعد إلزامي يصل إلى نسبة 80 ٪ لثمان سنوات عمل فقط، نسبة تتساوى مع نسبة الموظف لو خدم أكثر من 35 عاماً، في انعدام للعدالة، خاصة لو وضعنا في الاعتبار «طبيعة» العمل والدوام بين وظيفة النائب والموظف، رغم أن الأول يثبت لنا بأنه حتى الجلسة النيابية مخل بها ولا يحضرها.

صندوق تقاعد النواب أحد العوامل المؤثرة بقوة في العجز الاكتواري، ومع حالة الإهمال التي رأيناها وسجلت بالأرقام ونشرت للناس، بات الحديث عن مراجعة جادة لوضع النواب أمراً مطلوباً.

أموال التقاعد النيابي قد توفر الكثير من المصروفات، والحل في مقابل ذلك، أن يعود النائب بعد انتهاء عضويته وعدم نجاحه في الانتخابات مجدداً، يعود إلى عمله السابق سواء أكان في القطاع العام أو الخاص أو الحر، يعود مواطناً حاله حال الآخرين.

هناك قراءات عديدة، لكن المسألة الأهم هنا تتمثل بأن ما تابعناه من إحصائيات وأرقام مسألة مزعجة، تسيء للنواب الملتزمين وتكشف الآخرين المتسيبين، وكل هذا يأتي في إطار خذلان المواطن الناخب، والغريب أنهم ينزعجون منه لو انتقدهم.

يا جماعة التزموا بأعمالكم أولاً، بعدها لوموا الناس إن لامتكم.