في مستهل عام 2016، كلفني أستاذي عبدالجبار تشو وي ليه بترجمة كتاب «العلاقات المصرية الصينية في ضوء المحددات الوطنية والمتغيرات الإقليمية والدولية «1956-2016»، للدكتور محمد نعمان جلال، سفير مصر الأسبق في الصين، ونظراً لأهمية هذا الكتاب، ولأنه الكتاب الأول للدكتور محمد نعمان جلال قام بترجمته للغة الصينية، البروفيسور وانغ يو يونغ، واعتبرت أن تكليفي بهذه المهمة مصدر فخر وتقدير بعد أن ترجمت كتاب «الدور الحضاري للعمانيين في الصين» للدكتور جعفر كرار أحمد، الباحث السوداني المشهور في دراسة العلاقات العربية الصينية، لذلك لبيت دعوة الترجمة بكل سرور، عندما عرضها البروفيسور تشو وعاودتني ذكريات زيارتين لمصر.
الأولى، كانت خلال مرحلة الماجستير، حيث حصلت على منحة دراسية مشتركة، وقضيت سبعة أشهر في القاهرة، كطالبة مستمعة في كلية الآدب جامعة القاهرة من نوفمبر 2007 إلى مايو 2008. وكانت هذه أول مرة أسافر فيها خارج الصين، فأعجبني كل الإعجاب الأساتذة المصريون المتميزون بالمسؤولية والجدية، والأصدقاء المصريون المتسمون بالمودة، كما أخذت انطباعاً حسناً وعميقاً عن المكتبات المملوءة بالجوّ الأكاديمي قرب ميدان التحرير والآثار الحضارية العريقة المنتشرة في أنحاء مصر. وكنت دائماً أتحدث عن تجاربي في مصر مع أصدقائي، وأحسست بالحنين والشوق لصوت أساتذتي وهم ينشدون القصائد العربية ومساعدة الأستاذة منى لي على تعلم اللغة العربية.
وعندما اجتاحت عاصفة ما تسمي بـ«الربيع العربي» مصر كلها في يناير 2011، قرأت أن ميدان التحرير الذي كنت أمر فيه كل أسبوع قبل سنوات لتدريسي اللغة الصينية في جمعية الصداقة المصرية الصينية قرب ميدان التحرير حيث تعرضت الحضارة العريقة والمدينة الساحرة لبعض التخريب أثناء «ثورة 25 يناير»، وتطلعت للذهاب لمصر تصديقاً للقول المأثور «من يشرب من نهر النيل فسيعود إليه». وهو ما حدث في أبريل 2014، بعد اختيار موضوع أطروحتي للدكتوراه بعنوان «الثقافة العربية وانتشارها في الصين خلال القرن العشرين»، وطرح علي المشرف تشو فكرة إجراء دراسة ميدانية وجمع المعلومات في إحدى الدول العربية، فاخترت مصر لسببين: أولاً، تعتبر مصر مركزاً للثقافة والعلوم في الدول العربية وأعرف المكتبات والمؤسسات الأكاديمية المصرية، ثانياً، اجتذبتني رغبة شديدة في مشاهدة مصر المضطربة عن كثب ووجدت أن الوضع الداخلي في مصر قد تحسّن كثيراً. اتصل الأستاذ تشو بالسيدة تشو هوا في ملحقية التربية والتعليم التابعة لسفارة الصين بمصر طالباً منها تقديم المساعدة وبفضل معاونة تشو هوا ورعايتها، جمعت من المعلومات القيمة ما يكفي لإكمال الأطروحة وجمعت أحدث المؤلفات الأكاديمية بالاضطرابات في المنطقة، التي مازلت أستفيد منها في تدريسي للغة العربية وبحوثي الأكاديمية.
صادفت سنة 2016 الذكرى السنوية الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، ولأن مصر أول دولة عربية وأفريقية في إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين، ولمكانة مصر اختارها الرئيس الصيني شي جينبيغ كمحطة مهمة لجولته الشرق الأوسطية في مطلع 2016. وزيارته لمقر الجامعة العربية حيث ألقى كلمة مهمة بعنوان «الشراكة في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية العربية»، وشجع المزيد من التبادلات الصينية العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومما يدعو للفخر عندما كتبت هذه السطور تم افتتاح «مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية»، بشكل رسمي، في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، التي أدرّس فيها، تلبية لدعوة الرئيس الصيني شي جينبيغ في كلمته في الجامعة العربية. وبلا شك تساعد التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية في دعم التفاهم بين الشعبين، وأنا أحس أنني جزء من فريق التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية والصين ومصر خاصة، واستكمالاً لدوري فترجمتي لهذا الكتاب تعد لبنة تضاف لصرح التبادلات الثقافية العظيمة بين الجانبين. أما المؤلف د.محمد نعمان جلال الذي كان سفيراً لمصر لدى الصين، فالصين بالنسبة له ليست فقط مكاناً للعمل، بل محور أبحاثه الأكاديمية على مدى حياته. كما ذكر في كتابه أن الصين كانت ولاتزال مشروع حياته عبر السنين منذ الدراسة الجامعية وأشار للمقولة المنسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، «اطلبوا العلم ولو في الصين». ويؤكد أن هذه المقولة تعد دافعاً له كمسلم مصري وعربي ودبلوماسي للسعي لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول، التعرف على ثقافة الصين وحضارتها وحكمتها، والثاني، التخصص في دراسات الصين، والثالث، السعي للاستفادة من ذلك كله في تنمية العلاقات المصرية والعربية مع الصين. لذلك هذا المؤلف ليس فقط كاتباً أكاديمياً درس وناقش العلاقات بين الصين ومصر خاصة ومع دول الخليج والدول العربية عامة، بل يملك سجلاً حافلاً بالخبرات التي تفيد العمل الدبلوماسي المستقبلي.
أخيراً، أعبر عن شكري الجزيل للبروفيسور تشو وي ليه، والبروفيسور تشن جي، لتقديم مساعدات مختلفة بين الإرشاد والتنسيق وللدكتور محمد نعمان جلال التهنئة على هذا الكتاب القيم.
* موجز المقال:
إن مصر لدولة ذات تاريخ طويل وحضارة عريقة ويسعدني أن أتيحت لي الفرصة مرتين لزيارة هذه الدولة العظيمة خلال العقد الماضي. فأعجبني كل الإعجاب الأساتذة المصريون المتميزون بالمسؤولية والجدية والأصدقاء المصريون المتسمون بالمودة. تشرفت كثيراً بأن أقوم بترجمة الكتاب القيم للسفير الدكتور محمد نعمان جلال بعنوان «العلاقات المصرية الصينية في ضوء المحددات الوطنية والمتغيرات الإقليمية والدولية «1956-2016»، باعتباره سجلاً نفيساً وهدية نادرة للصين ومصر بمناسبة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فهذا المؤلف ليس فقط كاتباً أكاديمياً درس وناقش العلاقات بين الصين ومصر خاصة وبين الصين وبين دول الخليج والدول العربية عامة، بل يملك المؤلف مجموعة من الخبرات تفيد في العمل الدبلوماسي المستقبلي.
* الباحثة والأستاذة في قسم اللغة العربية بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية
{{ article.visit_count }}
الأولى، كانت خلال مرحلة الماجستير، حيث حصلت على منحة دراسية مشتركة، وقضيت سبعة أشهر في القاهرة، كطالبة مستمعة في كلية الآدب جامعة القاهرة من نوفمبر 2007 إلى مايو 2008. وكانت هذه أول مرة أسافر فيها خارج الصين، فأعجبني كل الإعجاب الأساتذة المصريون المتميزون بالمسؤولية والجدية، والأصدقاء المصريون المتسمون بالمودة، كما أخذت انطباعاً حسناً وعميقاً عن المكتبات المملوءة بالجوّ الأكاديمي قرب ميدان التحرير والآثار الحضارية العريقة المنتشرة في أنحاء مصر. وكنت دائماً أتحدث عن تجاربي في مصر مع أصدقائي، وأحسست بالحنين والشوق لصوت أساتذتي وهم ينشدون القصائد العربية ومساعدة الأستاذة منى لي على تعلم اللغة العربية.
وعندما اجتاحت عاصفة ما تسمي بـ«الربيع العربي» مصر كلها في يناير 2011، قرأت أن ميدان التحرير الذي كنت أمر فيه كل أسبوع قبل سنوات لتدريسي اللغة الصينية في جمعية الصداقة المصرية الصينية قرب ميدان التحرير حيث تعرضت الحضارة العريقة والمدينة الساحرة لبعض التخريب أثناء «ثورة 25 يناير»، وتطلعت للذهاب لمصر تصديقاً للقول المأثور «من يشرب من نهر النيل فسيعود إليه». وهو ما حدث في أبريل 2014، بعد اختيار موضوع أطروحتي للدكتوراه بعنوان «الثقافة العربية وانتشارها في الصين خلال القرن العشرين»، وطرح علي المشرف تشو فكرة إجراء دراسة ميدانية وجمع المعلومات في إحدى الدول العربية، فاخترت مصر لسببين: أولاً، تعتبر مصر مركزاً للثقافة والعلوم في الدول العربية وأعرف المكتبات والمؤسسات الأكاديمية المصرية، ثانياً، اجتذبتني رغبة شديدة في مشاهدة مصر المضطربة عن كثب ووجدت أن الوضع الداخلي في مصر قد تحسّن كثيراً. اتصل الأستاذ تشو بالسيدة تشو هوا في ملحقية التربية والتعليم التابعة لسفارة الصين بمصر طالباً منها تقديم المساعدة وبفضل معاونة تشو هوا ورعايتها، جمعت من المعلومات القيمة ما يكفي لإكمال الأطروحة وجمعت أحدث المؤلفات الأكاديمية بالاضطرابات في المنطقة، التي مازلت أستفيد منها في تدريسي للغة العربية وبحوثي الأكاديمية.
صادفت سنة 2016 الذكرى السنوية الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، ولأن مصر أول دولة عربية وأفريقية في إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين، ولمكانة مصر اختارها الرئيس الصيني شي جينبيغ كمحطة مهمة لجولته الشرق الأوسطية في مطلع 2016. وزيارته لمقر الجامعة العربية حيث ألقى كلمة مهمة بعنوان «الشراكة في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية العربية»، وشجع المزيد من التبادلات الصينية العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومما يدعو للفخر عندما كتبت هذه السطور تم افتتاح «مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية»، بشكل رسمي، في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، التي أدرّس فيها، تلبية لدعوة الرئيس الصيني شي جينبيغ في كلمته في الجامعة العربية. وبلا شك تساعد التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية في دعم التفاهم بين الشعبين، وأنا أحس أنني جزء من فريق التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية والصين ومصر خاصة، واستكمالاً لدوري فترجمتي لهذا الكتاب تعد لبنة تضاف لصرح التبادلات الثقافية العظيمة بين الجانبين. أما المؤلف د.محمد نعمان جلال الذي كان سفيراً لمصر لدى الصين، فالصين بالنسبة له ليست فقط مكاناً للعمل، بل محور أبحاثه الأكاديمية على مدى حياته. كما ذكر في كتابه أن الصين كانت ولاتزال مشروع حياته عبر السنين منذ الدراسة الجامعية وأشار للمقولة المنسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، «اطلبوا العلم ولو في الصين». ويؤكد أن هذه المقولة تعد دافعاً له كمسلم مصري وعربي ودبلوماسي للسعي لتحقيق ثلاثة أهداف، الأول، التعرف على ثقافة الصين وحضارتها وحكمتها، والثاني، التخصص في دراسات الصين، والثالث، السعي للاستفادة من ذلك كله في تنمية العلاقات المصرية والعربية مع الصين. لذلك هذا المؤلف ليس فقط كاتباً أكاديمياً درس وناقش العلاقات بين الصين ومصر خاصة ومع دول الخليج والدول العربية عامة، بل يملك سجلاً حافلاً بالخبرات التي تفيد العمل الدبلوماسي المستقبلي.
أخيراً، أعبر عن شكري الجزيل للبروفيسور تشو وي ليه، والبروفيسور تشن جي، لتقديم مساعدات مختلفة بين الإرشاد والتنسيق وللدكتور محمد نعمان جلال التهنئة على هذا الكتاب القيم.
* موجز المقال:
إن مصر لدولة ذات تاريخ طويل وحضارة عريقة ويسعدني أن أتيحت لي الفرصة مرتين لزيارة هذه الدولة العظيمة خلال العقد الماضي. فأعجبني كل الإعجاب الأساتذة المصريون المتميزون بالمسؤولية والجدية والأصدقاء المصريون المتسمون بالمودة. تشرفت كثيراً بأن أقوم بترجمة الكتاب القيم للسفير الدكتور محمد نعمان جلال بعنوان «العلاقات المصرية الصينية في ضوء المحددات الوطنية والمتغيرات الإقليمية والدولية «1956-2016»، باعتباره سجلاً نفيساً وهدية نادرة للصين ومصر بمناسبة الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فهذا المؤلف ليس فقط كاتباً أكاديمياً درس وناقش العلاقات بين الصين ومصر خاصة وبين الصين وبين دول الخليج والدول العربية عامة، بل يملك المؤلف مجموعة من الخبرات تفيد في العمل الدبلوماسي المستقبلي.
* الباحثة والأستاذة في قسم اللغة العربية بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية