«انت شنو ناقصك علشان اتيب علامات نفس اخوك؟»، «يعني بنت الجيران تفهم احسن منج علشان تنجح وانتي ترسبين؟»، «جوف ولد عمك طلع الاول وانت يا حظي زين منك نجحت!» كم منا تعرض إلى هذه الجمل، كم منا عاش طفولة كان يقارن فيها بأحد ما، قد يكون هذا الشخص أخاه أو أخته أو ابن خالته أو حتى ابن الجيران، حتى باتت هذه الثقافة جزءاً من شخصيتنا وسلوكياتنا كأفراد تعكس معتقداتنا التي تتمركز حول استخدام أسلوب المقارنة للتحفيز.
استخدام أسلوب المقارنة كان ولايزال جزءاً من ثقافتنا، يستخدمه أولياء أمورنا بشكل دائم لتشجيعنا على الإنجاز والتحصيل العلمي ظناً منهم أن هذا الأسلوب علاوة على التحذير والتخويف والتقليل من الشأن له تأثير إيجابي ومحفز. إنصافاً، لا ألوم بذلك أحد، فآباؤنا وأمهاتنا وكل الأشخاص الذين يهتمون لأمرنا يعنيهم تفوقنا وتميزنا، فهم وبلا شك كانوا ولايزالون حريصين كل الحرص على بلوغنا الأفضل في كل مجالات الحياة. لكن من المهم تحليل تصرفاتهم، وفهم السبب الذي يجعلهم يستخدمون هذا الأسلوب السلبي. إن الدراسات العلمية والبحوث التي قام بها الكثير من العلماء مثل غويدانو وكيلي وبيجيه ترجع ذلك إلى سبب بسيط جداً، ومعروف في علم النفس، وهو أن عقل الإنسان دائماً يلجأ إلى وضع أنظمة تساعده على فهم البيئة المحيطة به عن طريق الاستعانة بمعرفة مكتسبة وخبرة سابقة، إن هذه الأنظمة تعمل على بناء مفهوم مقبول يستطيع العقل استيعابه، فيسترجع كل المعطيات والمعلومات المخزنة ويقارنها بوضعه الحالي، سواء كان هذا الوضع جديداً أو تعرض له سابقاً، ومن ثم يستحدث وضعاً افتراضياً لكي يتعايش معه.
لإضفاء مزيد من التوضيح يمكن تطبيق مثال واقعي يعيشه الكثير منا بشكل يومي ولايزال يتكرر في مجموعة كبيرة من بيوتنا. فها هي البنت تدخل مترددة على أمها وفي يدها شهادة نهاية العام الدراسي، لا تستطيع أن تسلم الورقة، تخشى من التوبيخ. ليست هي المرة الأولى التي تحصل على درجات متدنية في مادة من المواد العلمية، تعلم وكلها يقين أن أمها ستقارنها بأختها التي تصغر عنها بأعوام، لكن تتميز أكاديمياً في كل المواد. يبدأ الخوف يدب في نفسها وتدخل في حالة من الرعب بعد استرجاعها لكل الجمل والكلمات السلبية التي وقع عليها سمعها سابقاً من قبل أمها. وبالفعل سحبت الأم الشهادة وقالت لها بصوت عالٍ وصارم ورنان «عمرج ما بتصيرين نفس اختك!؟». فلنتوقف هنا ولنحلل هذا الموقف بالنسبة للأم وسنرجع للبنت لاحقاً. على حسب ما ذكرت سابقاً فإن تصرف الأم كان متوقعاً، حيث قامت باسترجاع كل المعلومات المرتبطة بوضع مماثل للوضع الحالي، وهو وضع البنت الصغرى، وعلى حسب معلوماتها وجدت أن كل العوامل البيئية المحيطة بالصغرى ساعدتها على الإنجاز، وهي نفسها العوامل التي لم تساعد البنت الكبرى. بالنسبة للأم الموضوع واضح لذلك كان تصرفها منطقياً بالنسبة لها ويتماشى مع الوضع الحالي. لكن للأسف لم تتطرق الأم لعامل مهم جداً وهو عامل الفروقات الفردية التي تتميز بها بناتها، وقد يؤثر هذا العامل تأثيراً لا يمكن التغاضي عنه على التحصيل العلمي الذي يختلف من شخص لآخر. عدم اعتبار هذا المبدأ من قبل الأم قد يكون ناتجاً عن عدم علمها بالمبدأ نفسه وعدم وعيها بأهميته. أما بالنسبة للبنت فقد يؤثر تكرار المقارنة واستخدام الجمل القوية سلباً عليها في حياتها اليومية والدراسية وخاصة على المادة العلمية التي لم تحرز فيها درجات ترضي بها الأم مما يؤدي إلى أضرار نفسية قد تفقدها الثقة بنفسها وترسخ مبدأ المقارنة حتى في غياب أمها.
وهذا يفسر الكثير من السلوكيات التي ينتهجها بعض الطلبة في صروح التعليم، كغياب روح العمل الجماعي وعدم المبادرة والغيرة والأخذ بما يقال من غير تدبر أو حتى مساءلة وغيرها من السلوكيات غير المرحب بها لتهيئة مواطنين لهم القدرة على القيادة وصنع المستقبل.
لذلك يجب علينا جميعاً الانتباه لهذه السلوكيات واحترام الفروقات الشخصية ومراعاتها وعدم تصنيف الأشخاص في قوالب ثابتة ومحدودة. لكلٍ منا إمكانياته وقدراته الفردية التي تميزه عن غيره. لا يمكننا جميعاً أن نصب في قالب واحد، والتنوع مهم لإنعاش مجتمع يصبو للإبداع والريادة، لأنه بالتنوع نكمل بعضنا البعض لنحيا حياة أجمل.
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين
استخدام أسلوب المقارنة كان ولايزال جزءاً من ثقافتنا، يستخدمه أولياء أمورنا بشكل دائم لتشجيعنا على الإنجاز والتحصيل العلمي ظناً منهم أن هذا الأسلوب علاوة على التحذير والتخويف والتقليل من الشأن له تأثير إيجابي ومحفز. إنصافاً، لا ألوم بذلك أحد، فآباؤنا وأمهاتنا وكل الأشخاص الذين يهتمون لأمرنا يعنيهم تفوقنا وتميزنا، فهم وبلا شك كانوا ولايزالون حريصين كل الحرص على بلوغنا الأفضل في كل مجالات الحياة. لكن من المهم تحليل تصرفاتهم، وفهم السبب الذي يجعلهم يستخدمون هذا الأسلوب السلبي. إن الدراسات العلمية والبحوث التي قام بها الكثير من العلماء مثل غويدانو وكيلي وبيجيه ترجع ذلك إلى سبب بسيط جداً، ومعروف في علم النفس، وهو أن عقل الإنسان دائماً يلجأ إلى وضع أنظمة تساعده على فهم البيئة المحيطة به عن طريق الاستعانة بمعرفة مكتسبة وخبرة سابقة، إن هذه الأنظمة تعمل على بناء مفهوم مقبول يستطيع العقل استيعابه، فيسترجع كل المعطيات والمعلومات المخزنة ويقارنها بوضعه الحالي، سواء كان هذا الوضع جديداً أو تعرض له سابقاً، ومن ثم يستحدث وضعاً افتراضياً لكي يتعايش معه.
لإضفاء مزيد من التوضيح يمكن تطبيق مثال واقعي يعيشه الكثير منا بشكل يومي ولايزال يتكرر في مجموعة كبيرة من بيوتنا. فها هي البنت تدخل مترددة على أمها وفي يدها شهادة نهاية العام الدراسي، لا تستطيع أن تسلم الورقة، تخشى من التوبيخ. ليست هي المرة الأولى التي تحصل على درجات متدنية في مادة من المواد العلمية، تعلم وكلها يقين أن أمها ستقارنها بأختها التي تصغر عنها بأعوام، لكن تتميز أكاديمياً في كل المواد. يبدأ الخوف يدب في نفسها وتدخل في حالة من الرعب بعد استرجاعها لكل الجمل والكلمات السلبية التي وقع عليها سمعها سابقاً من قبل أمها. وبالفعل سحبت الأم الشهادة وقالت لها بصوت عالٍ وصارم ورنان «عمرج ما بتصيرين نفس اختك!؟». فلنتوقف هنا ولنحلل هذا الموقف بالنسبة للأم وسنرجع للبنت لاحقاً. على حسب ما ذكرت سابقاً فإن تصرف الأم كان متوقعاً، حيث قامت باسترجاع كل المعلومات المرتبطة بوضع مماثل للوضع الحالي، وهو وضع البنت الصغرى، وعلى حسب معلوماتها وجدت أن كل العوامل البيئية المحيطة بالصغرى ساعدتها على الإنجاز، وهي نفسها العوامل التي لم تساعد البنت الكبرى. بالنسبة للأم الموضوع واضح لذلك كان تصرفها منطقياً بالنسبة لها ويتماشى مع الوضع الحالي. لكن للأسف لم تتطرق الأم لعامل مهم جداً وهو عامل الفروقات الفردية التي تتميز بها بناتها، وقد يؤثر هذا العامل تأثيراً لا يمكن التغاضي عنه على التحصيل العلمي الذي يختلف من شخص لآخر. عدم اعتبار هذا المبدأ من قبل الأم قد يكون ناتجاً عن عدم علمها بالمبدأ نفسه وعدم وعيها بأهميته. أما بالنسبة للبنت فقد يؤثر تكرار المقارنة واستخدام الجمل القوية سلباً عليها في حياتها اليومية والدراسية وخاصة على المادة العلمية التي لم تحرز فيها درجات ترضي بها الأم مما يؤدي إلى أضرار نفسية قد تفقدها الثقة بنفسها وترسخ مبدأ المقارنة حتى في غياب أمها.
وهذا يفسر الكثير من السلوكيات التي ينتهجها بعض الطلبة في صروح التعليم، كغياب روح العمل الجماعي وعدم المبادرة والغيرة والأخذ بما يقال من غير تدبر أو حتى مساءلة وغيرها من السلوكيات غير المرحب بها لتهيئة مواطنين لهم القدرة على القيادة وصنع المستقبل.
لذلك يجب علينا جميعاً الانتباه لهذه السلوكيات واحترام الفروقات الشخصية ومراعاتها وعدم تصنيف الأشخاص في قوالب ثابتة ومحدودة. لكلٍ منا إمكانياته وقدراته الفردية التي تميزه عن غيره. لا يمكننا جميعاً أن نصب في قالب واحد، والتنوع مهم لإنعاش مجتمع يصبو للإبداع والريادة، لأنه بالتنوع نكمل بعضنا البعض لنحيا حياة أجمل.
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين