«اسألوا الفسدة»، بهذا التعليق، حاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تبرير مسألة الدعوة لاستفتاء انفصال إقليم كردستان العراق عن الدولة العراقية، وهو كان يغمز من قناة سوء الإدارة في اتهام مبطن وضمني لمسؤولي الإقليم الشمالي، حول أين تذهب أموال النفط وعائدات نحو 900 ألف برميل يومياً أي ما يعادل نحو ربع النفط العراقي؟!
وقد رأى العبادي أن مشاكل الإقليم الشمالي داخلية وليست خارجية، ومبرره أنه «لماذا لا يرفع مسؤولو الإقليم رواتب الموظفين؟!، خاصة أن الحكومة المركزية في بغداد لم تخفض الرواتب ولم توقفها».
ولذلك حاول العبادي توصيل رسالة خاصة للشعب الكردي، وعامة إلى المجتمع الدولي، تؤكد أن «حجة استقلالية الإقليم، هدفها الأساس التغطية على الفساد وسوء الإدارة».
لكن يبدو أن رئيس الوزراء العراقي وهو يحاول أن يلقي باللائمة على رئيس الإقليم مسعود بارزاني تناسى ما فعلته الحكومات المركزية المتعاقبة في بغداد وتنصلها من التزاماتها بحق الإقليم الشمالي أمام المجتمع الدولي، خاصة حكومة منافسه وغريمه التقليدي في ائتلاف «دولة القانون» رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي لم تتوقف جرائمه عند الطائفية والتهميش وسحق السنة، بل تعدت ذلك لتتجاوز الفساد والمحسوبية والرشوة، ما أدى إلى انهيار الجيش العراقي وهروب جند البلاد أمام متطرفي تنظيم الدولة «داعش» في الموصل شمال البلاد في يونيو 2014.
وإذا كان من أحد يجب أن يسأل عن الفساد في العراق، فإنه بطبيعة الحال نوري المالكي وأعوانه، فهم من أوصلوا البلاد إلى تلك الهاوية بعد نحو 14 عاماً من الغزو الأمريكي وسقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.
وإذا كانت النكبات تتوالى على العراق، فليس أشد على تلك البلاد من نكبة «داعش»، وانفصال إقليم كردستان العراق، ولذلك لم يجد بارزاني بداً من المضي قدماً في استفتاء الانفصال. وهذا ما يفسر نبرة التحدي في تصريحاته عندما قال إن «الشراكة مع بغداد فشلت ولن نكررها. لقد توصلنا إلى اقتناع بأن الاستقلال سيتيح عدم تكرار مآسي الماضي»، مضيفاً «توصلنا إلى قناعة بأنه أياً كان ثمن الاستفتاء، فهو أهون من انتظار مصير أسود».
ما من شك في أن تصويت الأكراد على الاستقلال في ذلك «الاستفتاء التاريخي» يهدد باندلاع صراع ليس في العراق وحده بل في المنطقة بأسرها، وإن كان بعض المحللين ذهبوا إلى أن الأكراد ربما يناورون للحصول على مكاسب إضافية من حكومة بغداد، دون التمسك بإقامة دولة، ظل أجدادهم في 4 دول هي «العراق وسوريا وإيران وتركيا»، منذ نحو قرن تقريباً يناضلون من أجل الحصول عليها، حيث يتوزّع الأكراد الذين يقدر عددهم بين 25 و35 مليون نسمة بشكل أساسي في الدول الأربع المذكورة «تركيا وإيران والعراق وسوريا».
وما يعزز فرضية الصراع في المنطقة رد الفعل العنيف من الدول الأربع المحيطة بالإقليم والمتضررة من ذلك الانفصال.
وليس غريباً أن يلقى الاستفتاء رفضاً دولياً باستثناء دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتزام موسكو الصمت حيال نتيجة الاستفتاء، لكن ترحيب تل أبيب باستفتاء الانفصال يقود إلى رغبة الكيان المحتل في دعم أي حراك يؤدي إلى زعزعة استقرار العرب بوجه خاص والمنطقة بوجه عام، ولم يكن رفع علم الإقليم الشمالي بجانب علم كيان دولة الاحتلال في كردستان مجرد خطأ استراتيجي فحسب، بل عزز فرضية زعزعة «دولة الشمال» لدول الجوار بوجه خاص وللمنطقة بوجه عام.
وقد حافظت إسرائيل على علاقات عسكرية ومخابراتية وتجارية غير معلنة مع الأكراد منذ الستينات، ومن هنا تعتبر الأقلية العرقية، التي ينقسم أبناؤها بين العراق وتركيا وسوريا وإيران، بالنسبة لتل أبيب خطاً فاصلاً في مواجهة خصوم مشتركين بين الطرفين، إضافة إلى أن بإسرائيل جالية كبيرة من الأكراد اليهود المهاجرين. وساندت دولة الاحتلال استقلال الأكراد في الماضي وتمثل آخر دعم في بيان أصدره نتنياهو منتصف الشهر الجاري، قبل أن يعلن يائير لابيد، المشرع الإسرائيلي المنتمي لتيار الوسط ووزير المالية السابق في ائتلاف نتنياهو، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن «الشعب اليهودي يدرك معنى أن تناضل من أجل وطن. الأكراد لهم حق أخلاقي في أن تكون لهم دولة. أتمنى لهم حظاً سعيداً اليوم»!!
لذلك يبدو جلياً أن مسألة الانفصال محفوفة بالمخاطر وهو ما حذرت من الأمم المتحدة، خاصة وأن الدول الثلاث المتضررة من ذلك الاستفتاء، خاصة تركيا، تخشى أن تحذو الأقليات الكردية على أراضيها حذو أكراد العراق. ولذلك سارع رئيس الوزراء العراقي إلى إمهال سلطات الإقليم 72 ساعة تنتهي الجمعة، لتسليم المطارات والمنافذ الحدودية إلى حكومة بغداد، بعد 24 ساعة من الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، ولم يعبأ بنسبة المشاركة التي وصلت إلى نحو 72 % ولا بالتقارير التي تحدثت عن أن نسبة التصويت لصالح الانفصال بلغت أكثر من 90 %. ويرى خبراء أن وقف عمليات تصدير النفط من الإقليم الشمالي الذي طالبت به بغداد كإجراء انتقامي رداً على الاستفتاء حول الاستقلال، سوف يعتمد بصورة رئيسة على الجار التركي.
وقبل ذلك الإجراء أتت تصريحات قيادات «الحشد الشعبي» لتصب الزيت على النار، عندما هدد كريم النوري القيادي في منظمة «بدر»، أبرز فصائل «الحشد الشعبي»، بأن «وجهتنا القادمة ستكون كركوك والمناطق المتنازع عليها المحتلة من قبل عصابات مسلحة خارجة عن القانون ولا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة» في إشارة إلى قوات البشمركة الكردية.
من هذا المنطلق، شكل الاستفتاء الذي دعا إليه بارزاني رهاناً محفوفاً بالمخاطر، لأنه في الوقت ذاته، كشف عن الانقسامات السياسية داخل القوى الكردية في الإقليم خاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني، إضافة إلى التناقض الحاد بين الهدوء والاحتفالات التي شهدتها مدينة كبرى مثل أربيل عاصمة الإقليم ما يدل على الانقسامات بين الأحزاب السياسية الرئيسة الأمر الذي ينذر بمشاكل تنتظر الإدارة التي ستتولى شؤون الدولة التي قد تنشأ عن الاستفتاء مستقبلاً، ولا يمكن تجاهل مصير كركوك المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة المركزية.
ولذلك فإنه ما من شك في أن مستقبل دولة كردستان المقبلة محفوف بالمخاطر ويواجه المجهول أي أنه على كف عفريت، ويمكن وصف مشروع تلك الدولة الوليدة بـ «الدولة المبتسرة»، خاصة أن حلم كردستان يبدو كابوساً لدول المنطقة.
* وقفة:
حلم إقامة دولة للأكراد شمال العراق يبدو كابوساً، وتحقيقه أمر صعب المنال، لأن «الدولة المبتسرة»، لن تجد من يعترف بها، وربما يتجاوز الموقف حدود عدم الاعتراف إلى تدخل عسكري من تركيا وإيران والعراق وسوريا!
{{ article.visit_count }}
وقد رأى العبادي أن مشاكل الإقليم الشمالي داخلية وليست خارجية، ومبرره أنه «لماذا لا يرفع مسؤولو الإقليم رواتب الموظفين؟!، خاصة أن الحكومة المركزية في بغداد لم تخفض الرواتب ولم توقفها».
ولذلك حاول العبادي توصيل رسالة خاصة للشعب الكردي، وعامة إلى المجتمع الدولي، تؤكد أن «حجة استقلالية الإقليم، هدفها الأساس التغطية على الفساد وسوء الإدارة».
لكن يبدو أن رئيس الوزراء العراقي وهو يحاول أن يلقي باللائمة على رئيس الإقليم مسعود بارزاني تناسى ما فعلته الحكومات المركزية المتعاقبة في بغداد وتنصلها من التزاماتها بحق الإقليم الشمالي أمام المجتمع الدولي، خاصة حكومة منافسه وغريمه التقليدي في ائتلاف «دولة القانون» رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي لم تتوقف جرائمه عند الطائفية والتهميش وسحق السنة، بل تعدت ذلك لتتجاوز الفساد والمحسوبية والرشوة، ما أدى إلى انهيار الجيش العراقي وهروب جند البلاد أمام متطرفي تنظيم الدولة «داعش» في الموصل شمال البلاد في يونيو 2014.
وإذا كان من أحد يجب أن يسأل عن الفساد في العراق، فإنه بطبيعة الحال نوري المالكي وأعوانه، فهم من أوصلوا البلاد إلى تلك الهاوية بعد نحو 14 عاماً من الغزو الأمريكي وسقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين.
وإذا كانت النكبات تتوالى على العراق، فليس أشد على تلك البلاد من نكبة «داعش»، وانفصال إقليم كردستان العراق، ولذلك لم يجد بارزاني بداً من المضي قدماً في استفتاء الانفصال. وهذا ما يفسر نبرة التحدي في تصريحاته عندما قال إن «الشراكة مع بغداد فشلت ولن نكررها. لقد توصلنا إلى اقتناع بأن الاستقلال سيتيح عدم تكرار مآسي الماضي»، مضيفاً «توصلنا إلى قناعة بأنه أياً كان ثمن الاستفتاء، فهو أهون من انتظار مصير أسود».
ما من شك في أن تصويت الأكراد على الاستقلال في ذلك «الاستفتاء التاريخي» يهدد باندلاع صراع ليس في العراق وحده بل في المنطقة بأسرها، وإن كان بعض المحللين ذهبوا إلى أن الأكراد ربما يناورون للحصول على مكاسب إضافية من حكومة بغداد، دون التمسك بإقامة دولة، ظل أجدادهم في 4 دول هي «العراق وسوريا وإيران وتركيا»، منذ نحو قرن تقريباً يناضلون من أجل الحصول عليها، حيث يتوزّع الأكراد الذين يقدر عددهم بين 25 و35 مليون نسمة بشكل أساسي في الدول الأربع المذكورة «تركيا وإيران والعراق وسوريا».
وما يعزز فرضية الصراع في المنطقة رد الفعل العنيف من الدول الأربع المحيطة بالإقليم والمتضررة من ذلك الانفصال.
وليس غريباً أن يلقى الاستفتاء رفضاً دولياً باستثناء دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتزام موسكو الصمت حيال نتيجة الاستفتاء، لكن ترحيب تل أبيب باستفتاء الانفصال يقود إلى رغبة الكيان المحتل في دعم أي حراك يؤدي إلى زعزعة استقرار العرب بوجه خاص والمنطقة بوجه عام، ولم يكن رفع علم الإقليم الشمالي بجانب علم كيان دولة الاحتلال في كردستان مجرد خطأ استراتيجي فحسب، بل عزز فرضية زعزعة «دولة الشمال» لدول الجوار بوجه خاص وللمنطقة بوجه عام.
وقد حافظت إسرائيل على علاقات عسكرية ومخابراتية وتجارية غير معلنة مع الأكراد منذ الستينات، ومن هنا تعتبر الأقلية العرقية، التي ينقسم أبناؤها بين العراق وتركيا وسوريا وإيران، بالنسبة لتل أبيب خطاً فاصلاً في مواجهة خصوم مشتركين بين الطرفين، إضافة إلى أن بإسرائيل جالية كبيرة من الأكراد اليهود المهاجرين. وساندت دولة الاحتلال استقلال الأكراد في الماضي وتمثل آخر دعم في بيان أصدره نتنياهو منتصف الشهر الجاري، قبل أن يعلن يائير لابيد، المشرع الإسرائيلي المنتمي لتيار الوسط ووزير المالية السابق في ائتلاف نتنياهو، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن «الشعب اليهودي يدرك معنى أن تناضل من أجل وطن. الأكراد لهم حق أخلاقي في أن تكون لهم دولة. أتمنى لهم حظاً سعيداً اليوم»!!
لذلك يبدو جلياً أن مسألة الانفصال محفوفة بالمخاطر وهو ما حذرت من الأمم المتحدة، خاصة وأن الدول الثلاث المتضررة من ذلك الاستفتاء، خاصة تركيا، تخشى أن تحذو الأقليات الكردية على أراضيها حذو أكراد العراق. ولذلك سارع رئيس الوزراء العراقي إلى إمهال سلطات الإقليم 72 ساعة تنتهي الجمعة، لتسليم المطارات والمنافذ الحدودية إلى حكومة بغداد، بعد 24 ساعة من الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق، ولم يعبأ بنسبة المشاركة التي وصلت إلى نحو 72 % ولا بالتقارير التي تحدثت عن أن نسبة التصويت لصالح الانفصال بلغت أكثر من 90 %. ويرى خبراء أن وقف عمليات تصدير النفط من الإقليم الشمالي الذي طالبت به بغداد كإجراء انتقامي رداً على الاستفتاء حول الاستقلال، سوف يعتمد بصورة رئيسة على الجار التركي.
وقبل ذلك الإجراء أتت تصريحات قيادات «الحشد الشعبي» لتصب الزيت على النار، عندما هدد كريم النوري القيادي في منظمة «بدر»، أبرز فصائل «الحشد الشعبي»، بأن «وجهتنا القادمة ستكون كركوك والمناطق المتنازع عليها المحتلة من قبل عصابات مسلحة خارجة عن القانون ولا تلتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة» في إشارة إلى قوات البشمركة الكردية.
من هذا المنطلق، شكل الاستفتاء الذي دعا إليه بارزاني رهاناً محفوفاً بالمخاطر، لأنه في الوقت ذاته، كشف عن الانقسامات السياسية داخل القوى الكردية في الإقليم خاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني، إضافة إلى التناقض الحاد بين الهدوء والاحتفالات التي شهدتها مدينة كبرى مثل أربيل عاصمة الإقليم ما يدل على الانقسامات بين الأحزاب السياسية الرئيسة الأمر الذي ينذر بمشاكل تنتظر الإدارة التي ستتولى شؤون الدولة التي قد تنشأ عن الاستفتاء مستقبلاً، ولا يمكن تجاهل مصير كركوك المتنازع عليها بين الإقليم والحكومة المركزية.
ولذلك فإنه ما من شك في أن مستقبل دولة كردستان المقبلة محفوف بالمخاطر ويواجه المجهول أي أنه على كف عفريت، ويمكن وصف مشروع تلك الدولة الوليدة بـ «الدولة المبتسرة»، خاصة أن حلم كردستان يبدو كابوساً لدول المنطقة.
* وقفة:
حلم إقامة دولة للأكراد شمال العراق يبدو كابوساً، وتحقيقه أمر صعب المنال، لأن «الدولة المبتسرة»، لن تجد من يعترف بها، وربما يتجاوز الموقف حدود عدم الاعتراف إلى تدخل عسكري من تركيا وإيران والعراق وسوريا!