بسبب طبيعة عمله، كان والدي في بداية سبعينات القرن الماضي يزور كردستان مرة في الأسبوع وربما تزيد على ذلك، يقطع خلالها بسيارته مسافة تزيد على 500 كم من بغداد إلى شمال العراق ومثلها إياباً ليقضي ليلة أو ليلتين وربما لا يبيت في بعض الأحيان، والحقيقة أنها وإن بدت مرهقة لكنها كانت تروق له، فشمال العراق له طبيعة ساحرة وأهله طيبون، في إحدى رحلاته وتحديداً بعد اتفاق مارس 1970 التاريخي الذي منح الأكراد الحكم الذاتي واعترفت فيه الحكومة العراقية بالحقوق القومية للأكراد وقدمت لهم ضمانات بالمشاركة في الحكومة العراقية وضمّنت اللغة الكردية في مناهج التعليم، في ذلك التوقيت وفي عز هذا الإنجاز للطرفين الكردي والحكومة العراقية، نزل والدي في أحد فنادق كردستان فابتسم موظف الفندق بوجهه قائلاً له: «كاكا -أي أخي- إن شاء الله المرة القادمة تزورنا بجواز سفر»، وأثناء الحديث لمح الموظف طرف المسدس الشخصي الذي كان يحمله والدي -وهو أمر ليس بالمستغرب فكثير من المدنيين يحملون أسلحتهم الشخصية- فسأله: «لماذا تحمل السلاح معك؟»، فأجابه ممازحاً: «هذا السلاح لمواجهة اللصوص»، فقال الموظف: «لا أحد يسرق هنا، فمن يسرق الملا مصطفى البارزاني يقطع يده».
هذا يعني أن حلم الدولة الكردية القومية في وجدان أغلب الأكراد، وهو ليس حدثاً عارضاً، وأن عائلة البارزاني تتمتع بسطوة وزعامة سياسية وروحية على قسم كبير من الأكراد حتى لو اختلفوا معهم، فمن أين جاء حلم إقامة الدولة؟
الواقع أنه قبل 100 سنة من الآن لم يكن للعرب دولة كما لم يكن للكرد دولة، فالكل كانوا تحت حكم الدولة العثمانية، وقد ظهرت هذه المشكلة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ووقوع أراضيها تحت الاحتلال الأوروبي، ومن المعلوم أن أي احتلال يصاحبه حق تقرير المصير للمشتركين بقومية أو ثقافة واحدة، وفعلاً بدأت الدول الأوروبية المحتلة تقسم المنطقة المحتلة إلى دول صغيرة على أساس القومية فكانت القومية العربية هي الأساس الذي تنضوي تحته الإثنيات والمذاهب والفرق والعرقيات والقوميات الصغيرة، ولأن الأكراد لم يكونوا أقلية فقد وردت قضيتهم بشكل واضح في معاهدة سيفر «1920» والتي كانت المسمار الأخير في نعش تفكك الدولة العثمانية وانهيارها، لكن سرعان ما أهملت هذه المعاهدة واعتمدت معاهدة لوزان «1923» التي تجاهلت القومية الكردية وجعلتها مشتتة بين تركيا وسوريا والعراق وإيران، ولذلك ينادي الأكراد بحقهم في إقامة دولتهم ولا يتركون فرصة للمطالبة بدولة إلا واغتنموها، بل أكثر من ذلك فهم يصنعون الفرص ويتمحورون حول قضيتهم.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عمل الأكراد على صناعة فرصة إقامة الدولة بدءاً من كتابة الدستور الذي كتبوه مع الشيعة بعيداً عن العرب السنة وأصر الأكراد على أن تكون المادة الأولى فيه تنص على أن العراق «اتحادي» أي أنه مكون من أقاليم متحدة وليس أصله واحداً، ثم بعد ذلك علاقة الأكراد بالائتلاف الشيعي الحاكم الذي لم يفكر في شيء سوى كيف يبقى في الحكم فحصل تبادل المصالح بينه وبين الطرف الكردي بعيداً عن مصالح البلد.
لا شك في أن الحفاظ على وحدة أي بلد تأتي في صالح شعبه على أن تحفظ حقوق وكرامة وأمن جميع الأطراف، فالوطن ليس خارطة على ورق، إنما هو بيت يحفظ للإنسان أمنه وكرامته وحياته وفيما عدا ذلك فلا معنى لكلمة «وطن».
لقد سجل التاريخ أنه وعلى مدى 82 سنة من تأسيس العراق الحديث تمكنت كل أنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق من الحفاظ على وحدته وتعاملت مع الجميع على أساس أنهم عراقيون، بينما في 14 سنة تمكن الائتلاف الشيعي الحاكم من تمزيق العراق إلى أشلاء، وسترون أن أول من يطالب بالانفصال بعد كردستان هي البصرة وليس غيرها.. شتان بين من يدير الدولة بعقلية رجل الدولة وبين من يديرها بعقلية الحزبية المذهبية الضيقة.
{{ article.visit_count }}
هذا يعني أن حلم الدولة الكردية القومية في وجدان أغلب الأكراد، وهو ليس حدثاً عارضاً، وأن عائلة البارزاني تتمتع بسطوة وزعامة سياسية وروحية على قسم كبير من الأكراد حتى لو اختلفوا معهم، فمن أين جاء حلم إقامة الدولة؟
الواقع أنه قبل 100 سنة من الآن لم يكن للعرب دولة كما لم يكن للكرد دولة، فالكل كانوا تحت حكم الدولة العثمانية، وقد ظهرت هذه المشكلة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ووقوع أراضيها تحت الاحتلال الأوروبي، ومن المعلوم أن أي احتلال يصاحبه حق تقرير المصير للمشتركين بقومية أو ثقافة واحدة، وفعلاً بدأت الدول الأوروبية المحتلة تقسم المنطقة المحتلة إلى دول صغيرة على أساس القومية فكانت القومية العربية هي الأساس الذي تنضوي تحته الإثنيات والمذاهب والفرق والعرقيات والقوميات الصغيرة، ولأن الأكراد لم يكونوا أقلية فقد وردت قضيتهم بشكل واضح في معاهدة سيفر «1920» والتي كانت المسمار الأخير في نعش تفكك الدولة العثمانية وانهيارها، لكن سرعان ما أهملت هذه المعاهدة واعتمدت معاهدة لوزان «1923» التي تجاهلت القومية الكردية وجعلتها مشتتة بين تركيا وسوريا والعراق وإيران، ولذلك ينادي الأكراد بحقهم في إقامة دولتهم ولا يتركون فرصة للمطالبة بدولة إلا واغتنموها، بل أكثر من ذلك فهم يصنعون الفرص ويتمحورون حول قضيتهم.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عمل الأكراد على صناعة فرصة إقامة الدولة بدءاً من كتابة الدستور الذي كتبوه مع الشيعة بعيداً عن العرب السنة وأصر الأكراد على أن تكون المادة الأولى فيه تنص على أن العراق «اتحادي» أي أنه مكون من أقاليم متحدة وليس أصله واحداً، ثم بعد ذلك علاقة الأكراد بالائتلاف الشيعي الحاكم الذي لم يفكر في شيء سوى كيف يبقى في الحكم فحصل تبادل المصالح بينه وبين الطرف الكردي بعيداً عن مصالح البلد.
لا شك في أن الحفاظ على وحدة أي بلد تأتي في صالح شعبه على أن تحفظ حقوق وكرامة وأمن جميع الأطراف، فالوطن ليس خارطة على ورق، إنما هو بيت يحفظ للإنسان أمنه وكرامته وحياته وفيما عدا ذلك فلا معنى لكلمة «وطن».
لقد سجل التاريخ أنه وعلى مدى 82 سنة من تأسيس العراق الحديث تمكنت كل أنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق من الحفاظ على وحدته وتعاملت مع الجميع على أساس أنهم عراقيون، بينما في 14 سنة تمكن الائتلاف الشيعي الحاكم من تمزيق العراق إلى أشلاء، وسترون أن أول من يطالب بالانفصال بعد كردستان هي البصرة وليس غيرها.. شتان بين من يدير الدولة بعقلية رجل الدولة وبين من يديرها بعقلية الحزبية المذهبية الضيقة.