الأغلبية منا تؤمن مبدأ، أنه لا بد من أن تحترم وجهة نظر كل منا حتى وإن كنت لا تتفق معها طالما أنها لا تخالف الأسس العقائدية والإنسانية ولا تمس بحرية الآخرين. إلا أن ما نواجهه في وقتنا الحاضر أزمات تتعدى مسألة وجهات النظر وإنما تصل إلى اكتساب أو ابتداع مفاهيم بعيدة عن المنطق ولكن للأسف يوماً بعد يوم يتم التمسك بها لتتغلغل بيننا رويداً رويداً إلى أن باتت هي الأصل في كثير من الأحيان.أنا لن أتكلم عن المفاهيم الخاطئة من ناحية الموروثات والتقاليد، والأمور العقائدية والدين، ولن أتطرق إلى الفلسفة والسياسة والتاريخ، فهذا كله لا يهمني الآن، بقدر ما يشغل بالي وتفكيري المفاهيم الخاطئة من ناحية الثقافة الفردية والمجتمعية، التي باتت تنتشر في مجتمعنا بشكل عشوائي. ومن دون مقدمات طويلة، فسوف أدخل مباشرة في صلب الموضوع وأهم الأمثلة على ما ذكرت، أزمة الانفتاح والانفلات والصراع ما بين ما هو شرقي وغربي.أكثر من مرة، سمعت من أكثر من فتاة، أنه لا بد من تطبيق مبدأ الانفتاح، وأنهن سيقصدن إكمال دراستهن الجامعية في الخارج ليس بغاية التعليم أبداً وإنما من أجل تبني فكرة أن البنت في الغرب تأخذ حريتها بمجرد أن تصل إلى سن 18 عاماً.ودائماً ما أسمع من بعض الأهالي هداهم الله، أن الولد هو الماسك بزمام الأمور في البيت، ولا يعتبر رجلاً في نظر أهله إلا إذا كان في حالة عصبية دائمة ولا يتعامل مع إخواته البنات إلا بقسوة وديكتاتورية.من المفاهيم الخاطئة الشائعة أيضاً اعتبار التزام الزوجة بطاعة زوجها بما يرضي الله ويرضي الإنسانية هو نوع من أنواع المهانة في حين أنه العصب الأساس لعمار البيت والاستقرار الأسري.ومن المفاهيم المجتمعية الخاطئة اعتبار مهنة المدرس هي مهنة الفاشلين، ومهنة من لا مهنة له وأنها شيء أفضل من لا شيء، في حين أنها أهم المهن وأسماها على وجه الأرض، وأن رقي أمة وتحضرها أو جهلها وغفلتها كله بسبب العلم الصحيح والتدريس.وأضف على ذلك المعتقد في شرعنة سرقة المال الحكومي وانتهاكه، فيجوز من وجهة نظر البعض استنزاف الموارد الحكومية واستخدامها كما تهوى أنفسهم لمعتقدهم أن «الدولة عندها كثير ولا توجد مشكلة إن أخذنا منها الشيء البسيط».ومنهم من يعتقد أن طلبة المدارس الحكومية أو الجامعات هم أقل درجة اجتماعية، غافلين أن أكبر الأطباء وأعظم المهندسين والمخترعين كانت انطلاقتهم من صف صغير كالقبو.وتصل قائمة المفاهيم إلى الدعوة إلى العصيان المدني وعدم احترام القوانين الداخلية للبلد باعتبار أن ذلك نوع من أنواع الحرية، وعندما تسأل أحدهم، ماذا تعرف عن قانون الحريات الذي تدعيه؟ فانه ينظر إليك نظرة المتفاجئ.لا شك في أننا يوماً بعد سوف نستدرك أن قائمة المفاهيم المجتمعية والثقافية الخاطئة في تزايد مستمر والأصوات ستكون بين مؤيد ومعارض كالعادة، ويبقى وعي الفرد ورجاحة العقل والمنطق السيد الحكم بين الأفكار المتباينة، كي لا يتم اتهامنا بالسذاجة والسطحية الفكرية.. كما يتم اتهامنا.. والسلام ختام.