نجد تلك الإرادة الإيرانية لتوسيع رقعة نفوذها معتمدة على العنصر الشيعي في الشرق الأوسط وحتى في أفريقيا. نشهد هذه الظاهرة في شرق المملكة العربية السعودية وفي البحرين وفي أفغانستان وفي باكستان وفي مصر وباقي إفريقيا الشمالية. على نفس المنوال تلجأ إيران إلى الخلطة ذاتها: العقيدة الشيعية والعمل الإحساني والثورة الإسلامية.
بيد أن الشيعة غالبا ما يكونون أقليات، ولكي تؤمن إيران سيطرتها على بلد ما، تعمد إلى تجنيد عناصر سنية، في لبنان مثلاً، حفزت إنشاء «سرايا المقاومة» التي تتألف من عناصر سنية للقتال إلى جانب «حزب الله». في أفغانستان شاهدتها شخصياً تذهب إلى أبعد من ذلك.
نسبة الشيعة في أفغانستان تصل إلى 20 % معظمهم من الهزارة. بعامل العصبية استطاعت إيران كسب موالاتهم. في عام 2008 كنت قد أجريت مقابلة مع أحمد شاه أحمد زاي. لم يكن غريباً علي إذ كنت قد صادفته خلال تغطيتي لحرب المقاومة ضد الاجتياح السوفيتي لأفغانستان. أحمد زاي سني من الباشتون، تقلد عدة مناصب وزارية إلى أن تولى رئاسة الوزراء من 1995 إلى 1996.
في بداية سنوات الـ 2000، جنده الإيرانيون لتكوين شبكة ملالي سنة تكن الولاء لإيران، علمنا ذلك من مصادر أخرى وقتذاك. كان كل من انضم للشبكة يحصل على سيارة وهاتف «ثريا» وراتب شهري. كانت تقام للمنضوين دورات تدريبية في إيران. من خلال اطلاعنا على وثائقهم الدعائية «البروباغندا» التي كانت توزعها هذه الشبكة، وجدنا أن أيديولوجيتها تدور على الثورة الإسلامية بنسختها الإيرانية، وعلى شيطنة الولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب مصدر قال لي، فان هذه الشبكة ما زالت ناشطة حتى اليوم.
كما نعلم إن الشيعة ينقسمون إلى عدة مذاهب وفرق. الاثنا عشرية هي الأكثر شيوعاً، هم من يتبعون سلالة الأئمة وصولاً إلى الإمام الثاني عشر، آيات الله الإيرانيون هم من هذا المذهب. في الماضي كانوا يقفون على مسافة بعيدة من الفرق الشيعية الثانوية ولكن منذ الثورة الخمينية في 1979 سعى الإيرانيون لاختراقها وتجنيدها. المثل الأبرز نجده في الحوثيين في اليمن، حيث اتباع الفرقة الزيدية والتي استمالتهم إيران لمحاربة القوى السنّية والتحالف العربي. الدعم العسكري الذي تقدمه لهم إيران لا يخفى على احد. المخابرات الإيرانية تذهب إلى أبعد من ذلك. يتقربون من السنة في بلاد كانت فيما مضى محكومة من الشيعة بهدف تحويلهم إلى المذهب الشيعي.
أسست في القرن العاشر ومركزها مصر، الدولة الفاطمية «أو الخلافة الفاطمية»، تمددت من المغرب العربي حتى الشام. فيما كانت الطبقة الحاكمة تنتسب إلى الفرقة الشيعية السبعية، وبقيت الشعوب على المذهب السني. عند انهيار الفاطميين في القرن الثاني عشر لم تبق على هذه العقيدة سوى عائلات قليلة في الشرق الأوسط.
في الثمانينيات وفيما كنت أجري تحقيقات صحافية في الأوساط المناضلة للإسلام الراديكالي في باريس، وقعت على توانسة يصنفون أنفسهم شيعة ليس كمتحولين إلى هذا المذهب إنما كشيعة أصليين. في الواقع كانوا يديرون مكتبة ممولة من طهران. أقنعتهم هذه الأخيرة بأن أجدادهم شيعة.
هذا النوع من الدعوة آخذ في التوسع. السلطات الرسمية المصرية تقر بظهور حديث للشيعة، نحو 1 % من مسلمي البلد لكنها حائرة لا تدري منبعهم. المغاربة وقعوا على نفس الظاهرة. في الربيع الماضي، منعت الحكومة جمعية شيعية تدعى «الخط الرسالي» حديثة النشأة في طنجة.
الإيرانيون وجدوا مدخلاً من ذهب لنشر دعايتهم في هذه البقعة من الأرض: إدريس الأول، مؤسس المملكة المغربية الشريفية هو حفيد الإمام علي بن أبي طالب -أول إمام لدى الشيعة- ابن عم وصهر النبي محمد. إدريس الأول إذ نجا من معركة «الفخ» في سنة 786 في شبه الجزيرة العربية، هرب إلى المغرب حيث رحبت به القبائل وقبلته ملك عليها. في تلك الحقبة، العقيدة والممارسات الشيعية لم تكن لتختلف سوى بقليل عن تلك المتبعة لدى أهل السنة. مثلاً في المغرب، الجميع على المذهب السني. كان لابد من تدخل الإيرانيين لنشر الشك.
اليوم، هذه الظاهرة تطال أفريقيا السوداء. كنت قد التقيت محمد علي حيدر في السنغال حيث بنى مؤسسة شيعية. يدعي أنه من أصول مغاربية وينحدر من عائلة أول إمام. حسب قوله «السنغاليون شيعة لكنهم لا يعلمون». يحلم بأن يعيدهم إلى دين «أجداده». في نيجيريا، وقعت صدامات عنيفة بين السلطات ومتحولين جدد إلى المذهب الشيعي. يخشى أن تتفاقم هذه الظاهرة لتعم سائر البلدان الأخرى مثل النيجر حيث نجد في العاصمة نيامي أحياء مأهولة من أناس تحولوا إلى المذهب الشيعي بفضل المال الإيراني.
الهلال الشيعي يبعث الخوف. إيران تستند إلى بلدان حليفة مثل العراق أو سوريا أو تعمد إلى اختراقات على المستوى الحكومي كما هو الحال في لبنان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أليس التلاعب سنة تلو الأخرى بالشعوب، سنة كانوا أم شيعة، الخطر الأكبر؟ ذلك يؤدي بالنهاية إلى الطائفية والعنف. لا شك في أن مسائلة إيران حول أنشطتها الدينية أهم من النووي لأن هذه القنبلة اخطر بكثير!
* صحافي وكاتب فرنسي - مستشار مركز البحوث حول الإرهاب - باريس
بيد أن الشيعة غالبا ما يكونون أقليات، ولكي تؤمن إيران سيطرتها على بلد ما، تعمد إلى تجنيد عناصر سنية، في لبنان مثلاً، حفزت إنشاء «سرايا المقاومة» التي تتألف من عناصر سنية للقتال إلى جانب «حزب الله». في أفغانستان شاهدتها شخصياً تذهب إلى أبعد من ذلك.
نسبة الشيعة في أفغانستان تصل إلى 20 % معظمهم من الهزارة. بعامل العصبية استطاعت إيران كسب موالاتهم. في عام 2008 كنت قد أجريت مقابلة مع أحمد شاه أحمد زاي. لم يكن غريباً علي إذ كنت قد صادفته خلال تغطيتي لحرب المقاومة ضد الاجتياح السوفيتي لأفغانستان. أحمد زاي سني من الباشتون، تقلد عدة مناصب وزارية إلى أن تولى رئاسة الوزراء من 1995 إلى 1996.
في بداية سنوات الـ 2000، جنده الإيرانيون لتكوين شبكة ملالي سنة تكن الولاء لإيران، علمنا ذلك من مصادر أخرى وقتذاك. كان كل من انضم للشبكة يحصل على سيارة وهاتف «ثريا» وراتب شهري. كانت تقام للمنضوين دورات تدريبية في إيران. من خلال اطلاعنا على وثائقهم الدعائية «البروباغندا» التي كانت توزعها هذه الشبكة، وجدنا أن أيديولوجيتها تدور على الثورة الإسلامية بنسختها الإيرانية، وعلى شيطنة الولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب مصدر قال لي، فان هذه الشبكة ما زالت ناشطة حتى اليوم.
كما نعلم إن الشيعة ينقسمون إلى عدة مذاهب وفرق. الاثنا عشرية هي الأكثر شيوعاً، هم من يتبعون سلالة الأئمة وصولاً إلى الإمام الثاني عشر، آيات الله الإيرانيون هم من هذا المذهب. في الماضي كانوا يقفون على مسافة بعيدة من الفرق الشيعية الثانوية ولكن منذ الثورة الخمينية في 1979 سعى الإيرانيون لاختراقها وتجنيدها. المثل الأبرز نجده في الحوثيين في اليمن، حيث اتباع الفرقة الزيدية والتي استمالتهم إيران لمحاربة القوى السنّية والتحالف العربي. الدعم العسكري الذي تقدمه لهم إيران لا يخفى على احد. المخابرات الإيرانية تذهب إلى أبعد من ذلك. يتقربون من السنة في بلاد كانت فيما مضى محكومة من الشيعة بهدف تحويلهم إلى المذهب الشيعي.
أسست في القرن العاشر ومركزها مصر، الدولة الفاطمية «أو الخلافة الفاطمية»، تمددت من المغرب العربي حتى الشام. فيما كانت الطبقة الحاكمة تنتسب إلى الفرقة الشيعية السبعية، وبقيت الشعوب على المذهب السني. عند انهيار الفاطميين في القرن الثاني عشر لم تبق على هذه العقيدة سوى عائلات قليلة في الشرق الأوسط.
في الثمانينيات وفيما كنت أجري تحقيقات صحافية في الأوساط المناضلة للإسلام الراديكالي في باريس، وقعت على توانسة يصنفون أنفسهم شيعة ليس كمتحولين إلى هذا المذهب إنما كشيعة أصليين. في الواقع كانوا يديرون مكتبة ممولة من طهران. أقنعتهم هذه الأخيرة بأن أجدادهم شيعة.
هذا النوع من الدعوة آخذ في التوسع. السلطات الرسمية المصرية تقر بظهور حديث للشيعة، نحو 1 % من مسلمي البلد لكنها حائرة لا تدري منبعهم. المغاربة وقعوا على نفس الظاهرة. في الربيع الماضي، منعت الحكومة جمعية شيعية تدعى «الخط الرسالي» حديثة النشأة في طنجة.
الإيرانيون وجدوا مدخلاً من ذهب لنشر دعايتهم في هذه البقعة من الأرض: إدريس الأول، مؤسس المملكة المغربية الشريفية هو حفيد الإمام علي بن أبي طالب -أول إمام لدى الشيعة- ابن عم وصهر النبي محمد. إدريس الأول إذ نجا من معركة «الفخ» في سنة 786 في شبه الجزيرة العربية، هرب إلى المغرب حيث رحبت به القبائل وقبلته ملك عليها. في تلك الحقبة، العقيدة والممارسات الشيعية لم تكن لتختلف سوى بقليل عن تلك المتبعة لدى أهل السنة. مثلاً في المغرب، الجميع على المذهب السني. كان لابد من تدخل الإيرانيين لنشر الشك.
اليوم، هذه الظاهرة تطال أفريقيا السوداء. كنت قد التقيت محمد علي حيدر في السنغال حيث بنى مؤسسة شيعية. يدعي أنه من أصول مغاربية وينحدر من عائلة أول إمام. حسب قوله «السنغاليون شيعة لكنهم لا يعلمون». يحلم بأن يعيدهم إلى دين «أجداده». في نيجيريا، وقعت صدامات عنيفة بين السلطات ومتحولين جدد إلى المذهب الشيعي. يخشى أن تتفاقم هذه الظاهرة لتعم سائر البلدان الأخرى مثل النيجر حيث نجد في العاصمة نيامي أحياء مأهولة من أناس تحولوا إلى المذهب الشيعي بفضل المال الإيراني.
الهلال الشيعي يبعث الخوف. إيران تستند إلى بلدان حليفة مثل العراق أو سوريا أو تعمد إلى اختراقات على المستوى الحكومي كما هو الحال في لبنان. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أليس التلاعب سنة تلو الأخرى بالشعوب، سنة كانوا أم شيعة، الخطر الأكبر؟ ذلك يؤدي بالنهاية إلى الطائفية والعنف. لا شك في أن مسائلة إيران حول أنشطتها الدينية أهم من النووي لأن هذه القنبلة اخطر بكثير!
* صحافي وكاتب فرنسي - مستشار مركز البحوث حول الإرهاب - باريس