لم تبرز وسائل الإعلام المحلية والعالمية تصريحات صدرت مؤخراً عن وزير الخارجية الباكستاني خواجة آصف، كان يعلق فيها على الأزمة القائمة حالياً بين بلاده وأمريكا، حيث قال رأس الدبلوماسية الباكستانية لتلفزيون «كابيتال» المحلي إن «سلوك الولايات المتحدة الأمريكية ليس سلوك حليف أو صديق.. إنها صديق دائماً ما يخون».
وجاءت تلك التصريحات القوية والمثيرة للجدل لمسؤول باكستاني كبير كرد فعل على إعلان مسؤول حكومي أمريكي كبير أن قرار الرئيس دونالد ترامب تجميد المساعدات لباكستان قد يشمل مبالغ يصل مجموعها إلى نحو ملياري دولار، وهو رقم أعلى بكثير مما كان يعتقد أن تقدم عليه واشنطن تجاه إسلام آباد، حيث اعتبرت الأخيرة الخطوة الأمريكية بأنها «ستأتي بنتائج عكسية».
وتفجرت الأزمة الأخيرة بين البلدين، على خلفية اتهام مسؤولين أمريكيين لباكستان بتجاهل الجماعات المسلحة التي تشن عمليات في أفغانستان انطلاقاً من مواقع تتمتع فيها تلك الجماعات بنفوذ وأمان على طول الحدود بين باكستان وأفغانستان، بل تجاوز الأمر لدى واشنطن تلك الخلفية إلى التأكيد على أن إسلام آباد تمارس لعبة مزدوجة في أفغانستان بمساعدة حركة «طالبان أفغانستان» وشبكة حقاني على إحداث الفوضى في الدولة الجارة. واستندت واشنطن في اتهاماتها للاستخبارات الباكستانية بتمويل حركة «طالبان» الأفغانية، لسببين، الأول، عزته واشنطن لأسباب أيديولوجية، والثاني، لمكافحة نفوذ الهند في أفغانستان، رغم أنها كانت تعول كثيراً على إسلام آباد في قدرتها على المساهمة في حسم الحرب الدائرة في أفغانستان منذ سقوط نظام «طالبان»، في عام 2001، قبل نحو 17 عاماً، ومساعدة واشنطن في إضعاف الحركة عسكرياً ولوجستياً بل وممارسة ضغوط عليها من أجل التفاوض.
ومن هذا المنطلق، تجسد تصريحات وزير الخارجية الباكستاني طبيعة العلاقات بين واشنطن وحلفائها وأصدقائها، لكن لم يذهب خواجة آصف في تصريحاته لأبعد من «خيانة الصديق»، إذ يدرك من يتمتع بحنكة دبلوماسية أن ما تمارسه أمريكا عبر إداراتها المختلفة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، أن البراغماتية، ومصالح أمريكا أولاً، هي أساس العلاقة بينها وبين حلفائها وأصدقائها على حد سواء.
وربما كان متوقعاً أن قرار ترامب تجميد المساعدات لباكستان ربما لن يتجاوز نحو 900 مليون دولار، خاصة وأن الرئيس الأمريكي استقبل عام 2018، بتغريدة عن باكستان كتب فيها «إن الولايات المتحدة وبحماقة أعطت باكستان أكثر من 33 مليار دولار من المساعدات في السنوات الـ15 الأخيرة، في حين لم يعطونا سوى الأكاذيب والخداع معتقدين أن قادتنا أغبياء، إنهم يقدمون ملاذاً آمناً للإرهابيين الذين نتعقبهم في أفغانستان. انتهى الأمر!».
لكن التدهور الأخير للعلاقات الأمريكية الباكستانية يبرز براغماتية واشنطن في التعامل مع الحلفاء قبل الأصدقاء، وإن كانت القناعات تزداد شيئاً فشيئاً أن حلفاء أمريكا قبل أصدقائها لم يدركوا حتى الآن طريقة الإدارات الأمريكية المختلفة في التعامل معهم، حيث لا يزال بينهم من يتعامل مع واشنطن بمنطق العاطفة، والأخلاق الحميدة، والقيم الفاضلة، وليس بمنطق «المصالح الاستراتيجية فقط»، ولذلك دائماً ما يصاب الحلفاء قبل الأصدقاء بخيبة أمل جراء تصريحات أمريكية، على شاكلة ما مرت به باكستان مؤخراً، وهي الحليف الأمريكي الأبرز في الحرب ضد التنظيمات المتطرفة المختلفة، سواء، تنظيم القاعدة منذ وقت مضى، أو حالياً ضد تنظيم الدولة «داعش».
وهذا ما يجعل بعض الدول التي تعتبر نفسها حليفة لواشنطن، والتي ربما تفهم طبيعة البراغماتية الأمريكية، أن تتحرك بهامش مناورة، مثلما يمكن أن تفعل باكستان، حيث تؤدي العلاقات المتدهورة بينها وبين أمريكا إلى اقتراب إسلام آباد أكثر من الصين، خاصة بعدما سارعت الأخيرة إلى تقديم الدعم لباكستان إثر تغريدات ترامب، وهذا ما ذهب إليه مراقبون ومحللون حيث اعتبروا أن دعم بكين الدبلوماسي والمالي يعزز موقف باكستان بمواجهة انقلاب واشنطن عليها.
ورغم أن واشنطن تمنح باكستان معدات عسكرية بقيمة مليار دولار من أجل الحصول على أحدث التقنيات القتالية، بالإضافة لتمويلات أخرى مقابل إدخال معدات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى أفغانستان، إلا أن أمريكا لم تتردد في طرح «كل الخيارات على الطاولة» من أجل تأديب إسلام آباد بما فيها تجريدها من وضعها «كحليف أساس خارج حلف الأطلسي» أو تعطيل قروض في صندوق النقد الدولي كانت ستحصل عليها باكستان في المستقبل القريب.
وبالفعل، علقت وزارة الخارجية الأمريكية قبل أشهر، مساعدات مالية أخرى بقيمة 255 مليون دولار، تسمح لباكستان بالتزود بأسلحة عالية التقنية من شركات أمريكية، قبل أن توقف وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» تسديد الدفعات من «صندوق دعم التحالف» المخصص لتمويل نفقات باكستان لعمليات مكافحة الإرهاب، فيما اتخذت واشنطن إجراء قاسياً بحق إسلام آباد عندما وضعت الأخيرة على لائحة مراقبة خاصة لانتهاك الحريات الدينية. وإذا كانت واشنطن تتعامل بهذا الواقع مع حليف استراتيجي مثل باكستان، وترتبط معها بمصالح سياسية واقتصادية، فما بالنا بتعاملها مع أصدقاء آخرين في المنطقة ربما لا يشكلون ضغوطاً عليها!!
تلك الإجراءات دفعت وزير دفاع باكستان، خرم دستجير خان، إلى رفض تقديم بلاده مثل «كبش فداء»، مستشهداً بالإحصائيات الأخيرة التي أثبتت أن أمريكا فشلت فى حربها على أفغانستان ولم تستطع السيطرة سوى على 40 % فقط من الأراضى الأفغانية بعدما أنفقت تريليون دولار ونشرت آلاف الجنود هناك.
* وقفة:
تلك طبيعة براغماتية واشنطن في التعامل مع مصالحها تجاه الحلفاء أو الأصدقاء على حد سواء، ولا يتردد الساسة الأمريكيون في الانقلاب على حلفائهم، إذا ما شعروا أن ثمة ضرر قد يلحق ببلادهم، وليس الأمر يتعلق بالضرر فقط، بل ربما، تأتي التصريحات الأمريكية «المستفزة»، التي تحمل في طياتها، تهديدات مبطنة، في بعض الأحيان، للحلفاء والأصدقاء، بشكل مقصود، كنوع من الإجراء العقابي على موقف سياسي معين لم يعجب «ماما أمريكا»، فسرعان ما ترد إدارة البيت الابيض بتصريح أقرب إلى التهديد، لمن يفكر في كسر عصا الطاعة عند «أيقونة الديمقراطية»!
{{ article.visit_count }}
وجاءت تلك التصريحات القوية والمثيرة للجدل لمسؤول باكستاني كبير كرد فعل على إعلان مسؤول حكومي أمريكي كبير أن قرار الرئيس دونالد ترامب تجميد المساعدات لباكستان قد يشمل مبالغ يصل مجموعها إلى نحو ملياري دولار، وهو رقم أعلى بكثير مما كان يعتقد أن تقدم عليه واشنطن تجاه إسلام آباد، حيث اعتبرت الأخيرة الخطوة الأمريكية بأنها «ستأتي بنتائج عكسية».
وتفجرت الأزمة الأخيرة بين البلدين، على خلفية اتهام مسؤولين أمريكيين لباكستان بتجاهل الجماعات المسلحة التي تشن عمليات في أفغانستان انطلاقاً من مواقع تتمتع فيها تلك الجماعات بنفوذ وأمان على طول الحدود بين باكستان وأفغانستان، بل تجاوز الأمر لدى واشنطن تلك الخلفية إلى التأكيد على أن إسلام آباد تمارس لعبة مزدوجة في أفغانستان بمساعدة حركة «طالبان أفغانستان» وشبكة حقاني على إحداث الفوضى في الدولة الجارة. واستندت واشنطن في اتهاماتها للاستخبارات الباكستانية بتمويل حركة «طالبان» الأفغانية، لسببين، الأول، عزته واشنطن لأسباب أيديولوجية، والثاني، لمكافحة نفوذ الهند في أفغانستان، رغم أنها كانت تعول كثيراً على إسلام آباد في قدرتها على المساهمة في حسم الحرب الدائرة في أفغانستان منذ سقوط نظام «طالبان»، في عام 2001، قبل نحو 17 عاماً، ومساعدة واشنطن في إضعاف الحركة عسكرياً ولوجستياً بل وممارسة ضغوط عليها من أجل التفاوض.
ومن هذا المنطلق، تجسد تصريحات وزير الخارجية الباكستاني طبيعة العلاقات بين واشنطن وحلفائها وأصدقائها، لكن لم يذهب خواجة آصف في تصريحاته لأبعد من «خيانة الصديق»، إذ يدرك من يتمتع بحنكة دبلوماسية أن ما تمارسه أمريكا عبر إداراتها المختلفة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، أن البراغماتية، ومصالح أمريكا أولاً، هي أساس العلاقة بينها وبين حلفائها وأصدقائها على حد سواء.
وربما كان متوقعاً أن قرار ترامب تجميد المساعدات لباكستان ربما لن يتجاوز نحو 900 مليون دولار، خاصة وأن الرئيس الأمريكي استقبل عام 2018، بتغريدة عن باكستان كتب فيها «إن الولايات المتحدة وبحماقة أعطت باكستان أكثر من 33 مليار دولار من المساعدات في السنوات الـ15 الأخيرة، في حين لم يعطونا سوى الأكاذيب والخداع معتقدين أن قادتنا أغبياء، إنهم يقدمون ملاذاً آمناً للإرهابيين الذين نتعقبهم في أفغانستان. انتهى الأمر!».
لكن التدهور الأخير للعلاقات الأمريكية الباكستانية يبرز براغماتية واشنطن في التعامل مع الحلفاء قبل الأصدقاء، وإن كانت القناعات تزداد شيئاً فشيئاً أن حلفاء أمريكا قبل أصدقائها لم يدركوا حتى الآن طريقة الإدارات الأمريكية المختلفة في التعامل معهم، حيث لا يزال بينهم من يتعامل مع واشنطن بمنطق العاطفة، والأخلاق الحميدة، والقيم الفاضلة، وليس بمنطق «المصالح الاستراتيجية فقط»، ولذلك دائماً ما يصاب الحلفاء قبل الأصدقاء بخيبة أمل جراء تصريحات أمريكية، على شاكلة ما مرت به باكستان مؤخراً، وهي الحليف الأمريكي الأبرز في الحرب ضد التنظيمات المتطرفة المختلفة، سواء، تنظيم القاعدة منذ وقت مضى، أو حالياً ضد تنظيم الدولة «داعش».
وهذا ما يجعل بعض الدول التي تعتبر نفسها حليفة لواشنطن، والتي ربما تفهم طبيعة البراغماتية الأمريكية، أن تتحرك بهامش مناورة، مثلما يمكن أن تفعل باكستان، حيث تؤدي العلاقات المتدهورة بينها وبين أمريكا إلى اقتراب إسلام آباد أكثر من الصين، خاصة بعدما سارعت الأخيرة إلى تقديم الدعم لباكستان إثر تغريدات ترامب، وهذا ما ذهب إليه مراقبون ومحللون حيث اعتبروا أن دعم بكين الدبلوماسي والمالي يعزز موقف باكستان بمواجهة انقلاب واشنطن عليها.
ورغم أن واشنطن تمنح باكستان معدات عسكرية بقيمة مليار دولار من أجل الحصول على أحدث التقنيات القتالية، بالإضافة لتمويلات أخرى مقابل إدخال معدات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى أفغانستان، إلا أن أمريكا لم تتردد في طرح «كل الخيارات على الطاولة» من أجل تأديب إسلام آباد بما فيها تجريدها من وضعها «كحليف أساس خارج حلف الأطلسي» أو تعطيل قروض في صندوق النقد الدولي كانت ستحصل عليها باكستان في المستقبل القريب.
وبالفعل، علقت وزارة الخارجية الأمريكية قبل أشهر، مساعدات مالية أخرى بقيمة 255 مليون دولار، تسمح لباكستان بالتزود بأسلحة عالية التقنية من شركات أمريكية، قبل أن توقف وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» تسديد الدفعات من «صندوق دعم التحالف» المخصص لتمويل نفقات باكستان لعمليات مكافحة الإرهاب، فيما اتخذت واشنطن إجراء قاسياً بحق إسلام آباد عندما وضعت الأخيرة على لائحة مراقبة خاصة لانتهاك الحريات الدينية. وإذا كانت واشنطن تتعامل بهذا الواقع مع حليف استراتيجي مثل باكستان، وترتبط معها بمصالح سياسية واقتصادية، فما بالنا بتعاملها مع أصدقاء آخرين في المنطقة ربما لا يشكلون ضغوطاً عليها!!
تلك الإجراءات دفعت وزير دفاع باكستان، خرم دستجير خان، إلى رفض تقديم بلاده مثل «كبش فداء»، مستشهداً بالإحصائيات الأخيرة التي أثبتت أن أمريكا فشلت فى حربها على أفغانستان ولم تستطع السيطرة سوى على 40 % فقط من الأراضى الأفغانية بعدما أنفقت تريليون دولار ونشرت آلاف الجنود هناك.
* وقفة:
تلك طبيعة براغماتية واشنطن في التعامل مع مصالحها تجاه الحلفاء أو الأصدقاء على حد سواء، ولا يتردد الساسة الأمريكيون في الانقلاب على حلفائهم، إذا ما شعروا أن ثمة ضرر قد يلحق ببلادهم، وليس الأمر يتعلق بالضرر فقط، بل ربما، تأتي التصريحات الأمريكية «المستفزة»، التي تحمل في طياتها، تهديدات مبطنة، في بعض الأحيان، للحلفاء والأصدقاء، بشكل مقصود، كنوع من الإجراء العقابي على موقف سياسي معين لم يعجب «ماما أمريكا»، فسرعان ما ترد إدارة البيت الابيض بتصريح أقرب إلى التهديد، لمن يفكر في كسر عصا الطاعة عند «أيقونة الديمقراطية»!