كل دولة وجب أن تفصل قوانينها وتضعها بناء على احتياجاتها وما يقتضيه وضعها وبما يتناسب مع ظروفها وعواملها البيئية والجغرافية وغيرها، فالقانون يجب أن يعبر عن حالة المجتمع وينظمه، لذا الكثير من الدول اليوم ليست بحاجة إلى قوانين بقدر الحاجة إلى تعديلها وإعادة صياغتها بحيث تتماشى مع الوضع العام بالدولة وتتناسب مع احتياجات المواطنين والمقيمين فيها وتلبي تطلعاتهم.

نقول هذا الكلام بعد تفاقم الوضع الحالي فيما يخص الازدحامات المرورية الخانقة في مملكة البحرين، في يناير لعام 2017 كشف مدير الاتصال بوزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني فهد بوعلاي، أن الوزارة ماضية في تنفيذ حزمة من مشاريع تطوير وتوسعة شبكة الطرق والتقاطعات الرئيسة في كافة محافظات المملكة، ولكن «ركزوا هنا»، توسعة وتطوير شبكة الطرق ليس هو الحل الوحيد وإنما هناك معايير في الهندسة المرورية وممارسات عالمية تتمثل في إقرار تشريعات ووضع سياسات عامة بادرت بها كثير من الدول لحل مشكلة الازدحام المروري، منها دول الخليج المجاورة وبعض الدول عملت على تقنين رخص ملكية السيارات وبالأخص للأجانب، والبحرين تعتبر من الدول الأولى في نسبة الازدحام بسبب كثرة ملكيات السيارات والتي وصل عددها إلى 650 ألف مركبة.

في 30 مارس الماضي وافقت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب على مقترح بقانون إلزام غير البحريني بتجديد رخصة القيادة كل سنتين متصلة مع مدة الإقامة، وهو مقترح جيد لو حددت أنواع الرخص التي يلزم تجديدها إلى جانب تطلعاتنا أن يضم المقترح مضاعفة رسوم تجديد رخص السياقة ودروس تعليم السياقة والمخالفات وغيرها على الأجانب بحيث تكون مختلفة عن الرسوم التي يدفعها المواطن، وهذه من أبسط حقوق المواطنين للعلم خاصة وأن المواطن البحريني في دول الخارج أيضاً يميز عن مواطنيهم.

أحد المواطنين يقول: «إن كان هناك رفض لمقترح تجديد رخصة السياقة كل سنتين على الأقل اجعلوا مبلغ التجديد ضعف ما يدفع الآن، فزيادة منح التراخيص جعلتنا كمواطنين «نموت من الزحمة»، طالما الدولة تخطط لزيادة الرسوم وفرض الضرائب لزيادة إيراداتها، فابسط حقوقنا كمواطنين أن تجعلنا نشعر أننا مميزون في المواطنة عن البقية، شخصياً أفكر في رفع قضية بسبب إصابتي بالديسك في ظهري جراء الجلوس فترة طويلة في السيارة جراء الازدحامات المرورية التي تأخذ الكثير من الوقت!».

النائب جلال كاظم في تصريح لـ«الوطن» بتاريخ 13 أغسطس 2017، ذكر أن الوضع القانوني القائم أثبت عدم قدرته على ردع الأجانب الذين أساؤوا استغلال قانون المرور إذ أصبح العديد منهم يمارس مهنة سائق سيارة الأجرة وبيع التجزئة للسلع والمواد الغذائية والإنشاءات والخدمات التي تؤثر على التاجر البحريني دون حسيب أو رقيب، وقد تعالت أصوات المواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة بوقف التجاوزات الصادرة عنهم، إلا أن المشكلة لاتزال قائمة دون وجود أية حلول.

هناك حاجة ملحة فعلاً لتغيير سياسة منح رخص السياقة بالنسبة لغير البحرينيين، وتلك ليست بدعة تقوم بها مملكة البحرين، ولننظر إلى دول الجوار كأقرب مثال في المملكة العربية السعودية حيث هناك دراسة لإعادة تقنين رخص السياقة لغير المواطنين، حيث طالب عضو مجلس الشورى د.فهد بن جمعة وزارة الداخلية السعودية بعدم استخراج رخصة قيادة لغير السعودي إذا كان راتبه الشهري أقل من أربعة آلاف ريال وفق نظام حماية الأجور على مدى ستة أشهر أو لم تكن مهنته سائقاً، وعلل مطالبته بأن هذه الخطوة ستحد من مخاطر وأنشطة العمالة السائبة والمتسترة، والتأكد من أن السائق قادر على دفع المخالفات المرورية، والحد من استغلال رخصة القيادة في استعمالات أخرى تحرم السعودي من فرصة العمل، وتخفيف ازدحام المركبات في المدن وتقليص حوادث السيارات. وكذلك في الإمارات، حيث قامت بتمييز مواطنيها من خلال إقرار اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون السير والمرور الاتحادي التي تمت فيها تعديلات جوهرية على إجراءات منح وتجديد رخص القيادة، إذ حددت صلاحية رخصة القيادة المجددة بـ10 سنوات للمواطنين وخمس سنوات للمقيمين، فيما تكون صلاحية رخصة القيادة الجديدة التي تصدر للمرة الأولى لمدة سنتين.

في الكويت الشقيقة كان هناك حسم أكثر لهذه القضية رغم عودة خروج المطالبات في عام 2017 من قبل عدد من المواطنين، حيث رفعوا دعوى إدارية من قبل أحد المحامين بوقف سريان وإصدار كافة رخص القيادة للوافدين مؤقتاً حتى تحل الأزمة المرورية، بمعنى أن تخلو الطرق من الوافدين إلا من أصحاب بعض المهن، ففي عام 2014 قام وزير الداخلية باستعمال صلاحياته وقيد منح رخص القيادة للوافدين، حيث حدد منح الرخص لغير الكويتيين بمهن معينة رفيعة كالأطباء والمهندسين، أو خدمية كالمندوبين وغيرهم وفق شروط محددة، وربط منح الرخصة بالمهنة والإقامة وتسقط بسقوط إحداهما مما حد من منح رخص القيادة إلى النصف سنوياً، كما قام بإجراء تعديلات جوهرية على بعض أحكام المرور، حيث ألزم أن يكون الراتب الشهري للوافد الراغب بالحصول على الرخصة ما قيمته 600 دينار كويتي، وأن يكون حاصلاً على شهادة جامعية، كل هذه الإجراءات الحازمة تمت في دول مجاورة تكبرنا بالمساحة، فما بالنا بدولة صغيرة المساحة كالبحرين؟

وزارة الداخلية قدمت للنواب إحصائية تؤكد وجود 307 آلاف أجنبي يحملون رخصة قيادة في مملكة البحرين من ضمنها 256 ألف رخصة لقيادة سيارة خاصة، في مقابل 383 ألف بحريني يحملون رخصة قيادة وقرابة 5 آلاف خليجي يحملون الرخصة في المملكة. كذلك هناك 12 ألف أجنبي حاصلون على رخصة قيادة دراجة آلية فضلاً عن 679 أجنبياً يملكون رخصة نقل عام، هذه الأرقام لو قننت بنظام مشابه لأنظمة دول الخليج العربي لاستطعنا حل ربع المشكلة على الأقل لحين الانتهاء من مخططات توسعة الشوارع والمشاريع المرورية.