انعقدت سلسلة من اللقاءات في عاصمة الضباب «لندن» بين ثلاثة أطراف، المخابرات البريطانية، والموساد الإسرائيلي، وممثل عن حكومة «الانقلاب العاق». خلصت هذه اللقاءات إلى مباركة ما حدث في الإمارة الخليجية يوم 27 يونيو 1995 حين أقصى الولد والده عن الحكم. وكان المقابل، إنشاء قناة إخبارية تخترق السماء الخليجي خاصة والعربي عامة وتضرب في رتابة الصورة الرسمية للإعلام العربي، بحيث يكون ظاهر أدائها مهنياً وحقيقة أمرها استخباراتياً «قذراً».. تلك هي القصة الرائجة عن نشأة «الجزيرة» القطرية.
بين تاريخ «الانقلاب العاق» وبدء البث الرسمي للقناة في الأول من نوفمبر 1996، نحو سنة ونصف. كانت النسخة الأولى من القناة تتولد من الـBBC البريطانية التي شرعت في إنجاز قناة عربية موجهة إلى قلب الخليج خاصة، إلا أن المشروع توقف لصعوبات مالية، لاحت معها الفرصة للإمارة الغنية بشراء الأساسات واستكمال العمل في قالب القناة «الهجينة» التي اختير لها أن تكون «الجزيرة». وهذا ما يفسر وجود كوادر عديدة من الـBBC في طاقمها التأسيسي من أشهرهم، فيصل القاسم مقدم برنامج «الاتجاه المعاكس» المنتحل من برنامج «CROSS FIRE» لمذيع الـCNN الشهير لاري كنج.
في كتابه «الجزيرة وأسامة بن لادن وأنا» فضح المراسل السابق للقناة جمال عبدالطيف الدور المخابراتي لقناة الجزيرة المتدثرة برداء المهنية الإعلامية. جمال يُعد أول إعلامي يسجل لقاءً مع زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن، وذلك في ديسمبر 1998. الغريب رغم هذا السبق، أن القناة لم تنشر المقابلة إلا في يونيو 1999، بعد أن نقحتها من مضامين غير مرغوبة، وذلك بمعية المخابرات القطرية والباكستانية، بحسب المراسل نفسه، الذي يبين أن أجزاءً من المقابلة لم تنشر لكنها بيعت إلى أجهزة مخابرات غربية بآلاف الدولارات لم تدخل في ميزانية القناة حتى. يؤكد جمال أن إدارة القناة كانت تطلب منه القيام بأعمال أقرب إلى الاستخباراتية منها إلى المهنية الإعلامية، فمثلاً طُلب منه مقابلة أيمن الظواهري من أجل إحراج النظام المصري بحيث يمكن وسمه بـ«مفرخة الإرهاب».
إذا كانت قصة جمال تثير شيئاً من الشك في التدليل على «مخابراتية» القناة، فإن شريط الجزيرة لمقابلة بن لادن بعد أحداث 11 سبتمبر المبث عبر الـCNN فضح قصةً مخابراتيةً كاملةً. باختصار شديد، في 21 أكتوبر 2001 قابل بن لادن مراسل الجزيرة تيسير علوني وسجل معه لقاءً تجاوز الساعة. انتقل اللقاء من إدارة الجزيرة إلى النظام القطري ثم من هذا الأخير إلى الرئيس بوش شخصياً، الذي انتشر أن لقاءً جرى بينه وأمير قطر السابق لتسليمه هذا الملف على ألا ينشر لكي لا يُفتضح الدور الذي قامت به «الجزيرة». بوش الصغير وبعد نشوة الانتصار على طالبان رأى أن ربقته قد انحلت من الالتزام مع الأمير القطري، فأعطى الـCNN التسجيل الذي نشرته.. ثم دوت الفضيحة التي لم تدحضها تبريرات إدارة الجزيرة المتناقضة.
يحلو للصحافي الأردني جورج حداد وصف قناة الجزيرة بـ»المحطة الناطقة بالعربية»، مدللاً على ذلك بأنها القناة العربية الأولى في ابتداع استضافة المتحدثين الصهاينة بذريعة «الرأي والرأي الآخر»، ما أرسى قواعد التطبيع الإعلامي الذي كان قبل اقتحام الجزيرة أثير الفضاء العربي، من أحد المحرمات المكونة للعقلية الجماهيرية الرافضة لمجرد التواصل مع المحتل. إذن، يبدو أن دخول الموساد في «صفقة التأسيس» كان غرضه تعبيد أحد طرق التطبيع من خلال منصة إعلامية يدعي القائمون عليها أنها ما وجدت إلا للنضال والمناضلين العرب، بالإضافة إلى إرساء معالم الشعار الشهير «الرأي والرأي الآخر»، وهو شعار دلل على تهافت ممارسته وسقوط مدلولاته، ما أدلى به الصحافي عبدالحليم قنديل من أنه عندما أرادت قناة الجزيرة من خلال برنامج الاتجاه المعاكس إلقاء الضوء على أحداث 30 يونيو، اتصل به مكتب القناة في القاهرة ليكون الضيف المقابل لطرح الرأي «الإخواني»، فوافق دون تردد كعادته، إلا أنه بعد بضع دقائق عاود المتصل ذاته الاتصال معتذراً عن استضافته لرفضه بالاسم. والنتيجة، أذيع البرنامج في وقته بضيف يمثل حراك 30 يونيو لم يـعرف قبل ذلك الظهور ولم يـُعرف بعده أيضاً!
ربما تندفع الأسئلة استفهاماً أو حتى استنكاراً، لماذا وكيف ومتى.. إلخ، لكن القصة باختصار موجزة على لسان الشاعر عبدالرحمن بن مساعد حين قال في قصيدة مشهورة له «... الجزيرة دولة مغمورة صغيرة كبرت وصارت قناة».
{{ article.visit_count }}
بين تاريخ «الانقلاب العاق» وبدء البث الرسمي للقناة في الأول من نوفمبر 1996، نحو سنة ونصف. كانت النسخة الأولى من القناة تتولد من الـBBC البريطانية التي شرعت في إنجاز قناة عربية موجهة إلى قلب الخليج خاصة، إلا أن المشروع توقف لصعوبات مالية، لاحت معها الفرصة للإمارة الغنية بشراء الأساسات واستكمال العمل في قالب القناة «الهجينة» التي اختير لها أن تكون «الجزيرة». وهذا ما يفسر وجود كوادر عديدة من الـBBC في طاقمها التأسيسي من أشهرهم، فيصل القاسم مقدم برنامج «الاتجاه المعاكس» المنتحل من برنامج «CROSS FIRE» لمذيع الـCNN الشهير لاري كنج.
في كتابه «الجزيرة وأسامة بن لادن وأنا» فضح المراسل السابق للقناة جمال عبدالطيف الدور المخابراتي لقناة الجزيرة المتدثرة برداء المهنية الإعلامية. جمال يُعد أول إعلامي يسجل لقاءً مع زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن، وذلك في ديسمبر 1998. الغريب رغم هذا السبق، أن القناة لم تنشر المقابلة إلا في يونيو 1999، بعد أن نقحتها من مضامين غير مرغوبة، وذلك بمعية المخابرات القطرية والباكستانية، بحسب المراسل نفسه، الذي يبين أن أجزاءً من المقابلة لم تنشر لكنها بيعت إلى أجهزة مخابرات غربية بآلاف الدولارات لم تدخل في ميزانية القناة حتى. يؤكد جمال أن إدارة القناة كانت تطلب منه القيام بأعمال أقرب إلى الاستخباراتية منها إلى المهنية الإعلامية، فمثلاً طُلب منه مقابلة أيمن الظواهري من أجل إحراج النظام المصري بحيث يمكن وسمه بـ«مفرخة الإرهاب».
إذا كانت قصة جمال تثير شيئاً من الشك في التدليل على «مخابراتية» القناة، فإن شريط الجزيرة لمقابلة بن لادن بعد أحداث 11 سبتمبر المبث عبر الـCNN فضح قصةً مخابراتيةً كاملةً. باختصار شديد، في 21 أكتوبر 2001 قابل بن لادن مراسل الجزيرة تيسير علوني وسجل معه لقاءً تجاوز الساعة. انتقل اللقاء من إدارة الجزيرة إلى النظام القطري ثم من هذا الأخير إلى الرئيس بوش شخصياً، الذي انتشر أن لقاءً جرى بينه وأمير قطر السابق لتسليمه هذا الملف على ألا ينشر لكي لا يُفتضح الدور الذي قامت به «الجزيرة». بوش الصغير وبعد نشوة الانتصار على طالبان رأى أن ربقته قد انحلت من الالتزام مع الأمير القطري، فأعطى الـCNN التسجيل الذي نشرته.. ثم دوت الفضيحة التي لم تدحضها تبريرات إدارة الجزيرة المتناقضة.
يحلو للصحافي الأردني جورج حداد وصف قناة الجزيرة بـ»المحطة الناطقة بالعربية»، مدللاً على ذلك بأنها القناة العربية الأولى في ابتداع استضافة المتحدثين الصهاينة بذريعة «الرأي والرأي الآخر»، ما أرسى قواعد التطبيع الإعلامي الذي كان قبل اقتحام الجزيرة أثير الفضاء العربي، من أحد المحرمات المكونة للعقلية الجماهيرية الرافضة لمجرد التواصل مع المحتل. إذن، يبدو أن دخول الموساد في «صفقة التأسيس» كان غرضه تعبيد أحد طرق التطبيع من خلال منصة إعلامية يدعي القائمون عليها أنها ما وجدت إلا للنضال والمناضلين العرب، بالإضافة إلى إرساء معالم الشعار الشهير «الرأي والرأي الآخر»، وهو شعار دلل على تهافت ممارسته وسقوط مدلولاته، ما أدلى به الصحافي عبدالحليم قنديل من أنه عندما أرادت قناة الجزيرة من خلال برنامج الاتجاه المعاكس إلقاء الضوء على أحداث 30 يونيو، اتصل به مكتب القناة في القاهرة ليكون الضيف المقابل لطرح الرأي «الإخواني»، فوافق دون تردد كعادته، إلا أنه بعد بضع دقائق عاود المتصل ذاته الاتصال معتذراً عن استضافته لرفضه بالاسم. والنتيجة، أذيع البرنامج في وقته بضيف يمثل حراك 30 يونيو لم يـعرف قبل ذلك الظهور ولم يـُعرف بعده أيضاً!
ربما تندفع الأسئلة استفهاماً أو حتى استنكاراً، لماذا وكيف ومتى.. إلخ، لكن القصة باختصار موجزة على لسان الشاعر عبدالرحمن بن مساعد حين قال في قصيدة مشهورة له «... الجزيرة دولة مغمورة صغيرة كبرت وصارت قناة».