في الأسبوع الماضي تناول عمود «ماذا لو..؟!!» المستقبل المقلق لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، ومخاطر تطوير الروبوتات. الأمر يبدو شبيهاً بأفلام الخيال العلمي القديمة التي تصورت الكائن الآلي وهو يحتل الكرة الأرضية ويحكم البشر. ومن ثم ينخرط البشر في المقاومة والعمل على التحرر من قبضة الروبوتات. وفي كل تلك الأفلام والتصورات كان الحال ينتهي بحروب كونية مدمرة.
ثمة خيال من نوع آخر جال في ضمير البشرية، ولكن في مضامين الحكايات الشعبية والأساطير.. أن تعثر على ترياق الشباب وتتجرعه فتقفز من عمر السبعين شاباً نحو منتصف العشرينيات، أن تُنعم عصا سحرية على فتاة محدودة الجمال بجمال باهر لا علاقة له بشكلها السابق. تلك الثيمات الخيالية هي قيد البحث والتصنيع في مختبرات سرية في بعض دول العالم. والحرب على أشدها في استثمار فتح «الهندسة الوراثية» بين أمريكا والصين وبعض الدول الأخرى. بما قد يهدد مستقبل البشرية بالنتائج غير الآمنة وغير الأخلاقية، كما يصفها بعض المعترضين على تلك الأبحاث.
مفهوم الهندسة الوراثية مفهوم شاع في منتصف التسعينات مع توسع البحث في هذا المجال، الذي انتهى بفك الشفرة الوراثية «DNA « وأسس لعهد جديد من الأبحاث والتجارب العلمية. ويقصد بمصطلح «الهندسة الوراثية» هو الاسم الذي يطلق على جميع التقنيات التي تقوم بتعديل أو «إعادة صياغة» الجينات «المورّثات» التي توجد في خلايا كل الكائنات الحية، والتي هي عبارة عن شيفرات تحمل وتنقل معلومات كيميائية تحدد خصائص وصفات الكائن إنساناً كان أو حيواناً أو نباتاً. ويهدف ذلك «التعديل» أساسا إلى تحقيق منافع كثيرة للبشر. وقد تم فعلاً تطبيقها على المحاصيل الزراعية والحيوانية والصناعات الغذائية المختلفة والمعدلة وراثياً. كما تساعد تلك التقنيات على علاج بعض الأمراض الجينية والأورامية، وكشف التركيبة الصحية والتاريخ المرضي للسلالة بما يساهم في تصنيع نوع العلاج المناسب خصوصاً للأمراض الوراثية. وتفيد تلك التطبيقات كذلك في عمليات زرع الخلايا في حال فقدان عضو معين أو التعرض لحرق أو تشوهات.
وأخذت هذه الأبحاث تتطور في اتجاهات قد تبدو مقلقة وغير متوقعة. منها تجارب تعمل على زيادة الذكاء البشري بنسب غير طبيعية. بعض القراءات التحليلية تسلط الضوء على ظهور بعض الأطفال، دون الخامسة، في البرامج التلفزيونية بذكاء استثنائي، يشرحون فيه عمليات جراحية وهندسية، ويصورون الفضاء وكأنهم عادوا من رحلة حقيقية إلى هناك، ويحفظون كماً هائلاً ومعقداً من المعلومات. وتفسر تلك القراءات القدرات غير الطبيعية لأولئك الأطفال بأنهم ربما يكونون نتاج تجارب تعديل البنى الجينية لإنسان المستقبل.
من جهة أخرى، تشير بعض التسريبات للأبحاث السريرية إلى عمل الباحثين على البحث عن الجين المسبب للشيخوخة والعمل على تعديله. بالتالي سيتغير مسار العلاج الطبي بحيث لن ننشغل بعلاج «أمراض الشيخوخة»، وهي الأمراض الناتجة عن دخول أجهزة الجسم وخلاياه مرحلة الضعف واتجاهها نحو التعطل. بل ستعمل المعالجات المستقبلية على «علاج الشيخوخة» نفسها التي ستصبح مرضاً عادياً يمكن مواجهته ويمكن تطعيم الأطفال ضده، ويمكن تلقيح الحوامل لحماية الأجنة منه! وهذا يتقاطع مع تسريبات لدراسات أخرى تفصح عن سعي العلماء لتحسين صحة البشر بحيث يصلون إلى عمر المائتي عام أو أكثر! والتسريبات الأكثر صدمة هي التي تفصح عن أن الهدف النهائي لبعض هذه الأهداف هو محاربة «الموت» والقضاء على المسببات الجينية له! نحن هنا نقف على آخر مراحل الخيال البشري في تاريخه الطويل.. فكرة الخلود والتشبث بالحياة!
إحدى الدراسات المعارضة لأبحاث «تعديل الشفرات الوراثية» تشير إلى أن العبث الجيني للسلالة البشرية قد يؤدي إلى انقراضها. فالدراسات الآركيولوجية لسلالات حيوان «الماموث» المنقرض بينت أن الشفرة الوراثية له تغيرت عبر آلاف السنين مما أدى إلى ضعفه وعجزه عن الاستمرار في الحياة.
مثل هذه التسريبات والتقارير أدت إلى تداعي فاعليات كثيرة في الغرب على المستوى الديني والثقافي والاجتماعي لبحث هذا الموضوع الخطير على مستقبل البشر، وتوصيف أفق تطبيقاته توصيفاً دينياً وأخلاقياً. وسن القوانين المنظمة له واستشراف مخاطر الاستمرار «السري» للتجارب السريرية مجهولة الغايات والحيثيات. وطرحت، في العديد من المؤتمرات، مخاوف من تمكن تلك الأبحاث السريرية إلى إنتاج أعضاء بشرية بهدف المتاجرة بها. والانخراط في عمليات «تحسين النسل» وتعديل الخرائط الوراثية لكثير من البشر. والتوجسات الأكثر قلقاً هي ما يمكن الوصول إليه من إنتاج أجيال جديدة من البشر بسمات خاصة تخرج البشرية عن خصوصيتها وعن إنسانيتها. وتمكن جهات غير «أمينة» من استغلال مجاميع البشر المصنعين جينياً في أغراض تجارية وعسكرية لا إنسانية!
العلم الذي أسعد البشر طويلاً، ربما يدخل مرحلة التطرف والجنون. كان هدف عصر الأنوار، وما أنتجه من فكر الحداثة سيادة العقل والسيطرة على الطبيعة. وكانت بداية انهيار فلسفة الأنوار، عند العديد من الفلاسفة، انزلاق تلك الحداثة في الحركات الاستعمارية واستعباد شعوب المستعمرات وسرقة ثرواتهم، ثم السقوط في براثن حربين عالميتين أُنتج فيهما السلاح النووي واستخدم لإبادة آلاف البشر وتدمير عشرات المدن. فهل يودي العقل بالبشرية في نهاية المطاف؟ وهل يعيدها بعد كل هذه المنجزات العلمية إلى عصر ما قبل الحضارة؟!
{{ article.visit_count }}
ثمة خيال من نوع آخر جال في ضمير البشرية، ولكن في مضامين الحكايات الشعبية والأساطير.. أن تعثر على ترياق الشباب وتتجرعه فتقفز من عمر السبعين شاباً نحو منتصف العشرينيات، أن تُنعم عصا سحرية على فتاة محدودة الجمال بجمال باهر لا علاقة له بشكلها السابق. تلك الثيمات الخيالية هي قيد البحث والتصنيع في مختبرات سرية في بعض دول العالم. والحرب على أشدها في استثمار فتح «الهندسة الوراثية» بين أمريكا والصين وبعض الدول الأخرى. بما قد يهدد مستقبل البشرية بالنتائج غير الآمنة وغير الأخلاقية، كما يصفها بعض المعترضين على تلك الأبحاث.
مفهوم الهندسة الوراثية مفهوم شاع في منتصف التسعينات مع توسع البحث في هذا المجال، الذي انتهى بفك الشفرة الوراثية «DNA « وأسس لعهد جديد من الأبحاث والتجارب العلمية. ويقصد بمصطلح «الهندسة الوراثية» هو الاسم الذي يطلق على جميع التقنيات التي تقوم بتعديل أو «إعادة صياغة» الجينات «المورّثات» التي توجد في خلايا كل الكائنات الحية، والتي هي عبارة عن شيفرات تحمل وتنقل معلومات كيميائية تحدد خصائص وصفات الكائن إنساناً كان أو حيواناً أو نباتاً. ويهدف ذلك «التعديل» أساسا إلى تحقيق منافع كثيرة للبشر. وقد تم فعلاً تطبيقها على المحاصيل الزراعية والحيوانية والصناعات الغذائية المختلفة والمعدلة وراثياً. كما تساعد تلك التقنيات على علاج بعض الأمراض الجينية والأورامية، وكشف التركيبة الصحية والتاريخ المرضي للسلالة بما يساهم في تصنيع نوع العلاج المناسب خصوصاً للأمراض الوراثية. وتفيد تلك التطبيقات كذلك في عمليات زرع الخلايا في حال فقدان عضو معين أو التعرض لحرق أو تشوهات.
وأخذت هذه الأبحاث تتطور في اتجاهات قد تبدو مقلقة وغير متوقعة. منها تجارب تعمل على زيادة الذكاء البشري بنسب غير طبيعية. بعض القراءات التحليلية تسلط الضوء على ظهور بعض الأطفال، دون الخامسة، في البرامج التلفزيونية بذكاء استثنائي، يشرحون فيه عمليات جراحية وهندسية، ويصورون الفضاء وكأنهم عادوا من رحلة حقيقية إلى هناك، ويحفظون كماً هائلاً ومعقداً من المعلومات. وتفسر تلك القراءات القدرات غير الطبيعية لأولئك الأطفال بأنهم ربما يكونون نتاج تجارب تعديل البنى الجينية لإنسان المستقبل.
من جهة أخرى، تشير بعض التسريبات للأبحاث السريرية إلى عمل الباحثين على البحث عن الجين المسبب للشيخوخة والعمل على تعديله. بالتالي سيتغير مسار العلاج الطبي بحيث لن ننشغل بعلاج «أمراض الشيخوخة»، وهي الأمراض الناتجة عن دخول أجهزة الجسم وخلاياه مرحلة الضعف واتجاهها نحو التعطل. بل ستعمل المعالجات المستقبلية على «علاج الشيخوخة» نفسها التي ستصبح مرضاً عادياً يمكن مواجهته ويمكن تطعيم الأطفال ضده، ويمكن تلقيح الحوامل لحماية الأجنة منه! وهذا يتقاطع مع تسريبات لدراسات أخرى تفصح عن سعي العلماء لتحسين صحة البشر بحيث يصلون إلى عمر المائتي عام أو أكثر! والتسريبات الأكثر صدمة هي التي تفصح عن أن الهدف النهائي لبعض هذه الأهداف هو محاربة «الموت» والقضاء على المسببات الجينية له! نحن هنا نقف على آخر مراحل الخيال البشري في تاريخه الطويل.. فكرة الخلود والتشبث بالحياة!
إحدى الدراسات المعارضة لأبحاث «تعديل الشفرات الوراثية» تشير إلى أن العبث الجيني للسلالة البشرية قد يؤدي إلى انقراضها. فالدراسات الآركيولوجية لسلالات حيوان «الماموث» المنقرض بينت أن الشفرة الوراثية له تغيرت عبر آلاف السنين مما أدى إلى ضعفه وعجزه عن الاستمرار في الحياة.
مثل هذه التسريبات والتقارير أدت إلى تداعي فاعليات كثيرة في الغرب على المستوى الديني والثقافي والاجتماعي لبحث هذا الموضوع الخطير على مستقبل البشر، وتوصيف أفق تطبيقاته توصيفاً دينياً وأخلاقياً. وسن القوانين المنظمة له واستشراف مخاطر الاستمرار «السري» للتجارب السريرية مجهولة الغايات والحيثيات. وطرحت، في العديد من المؤتمرات، مخاوف من تمكن تلك الأبحاث السريرية إلى إنتاج أعضاء بشرية بهدف المتاجرة بها. والانخراط في عمليات «تحسين النسل» وتعديل الخرائط الوراثية لكثير من البشر. والتوجسات الأكثر قلقاً هي ما يمكن الوصول إليه من إنتاج أجيال جديدة من البشر بسمات خاصة تخرج البشرية عن خصوصيتها وعن إنسانيتها. وتمكن جهات غير «أمينة» من استغلال مجاميع البشر المصنعين جينياً في أغراض تجارية وعسكرية لا إنسانية!
العلم الذي أسعد البشر طويلاً، ربما يدخل مرحلة التطرف والجنون. كان هدف عصر الأنوار، وما أنتجه من فكر الحداثة سيادة العقل والسيطرة على الطبيعة. وكانت بداية انهيار فلسفة الأنوار، عند العديد من الفلاسفة، انزلاق تلك الحداثة في الحركات الاستعمارية واستعباد شعوب المستعمرات وسرقة ثرواتهم، ثم السقوط في براثن حربين عالميتين أُنتج فيهما السلاح النووي واستخدم لإبادة آلاف البشر وتدمير عشرات المدن. فهل يودي العقل بالبشرية في نهاية المطاف؟ وهل يعيدها بعد كل هذه المنجزات العلمية إلى عصر ما قبل الحضارة؟!