لقد أثبتت الأزمات السياسية والاقتصادية الخليجية إخلاص الشعوب وولاءها لقيادتها، وكشفت النقاب عن المتلونين والمتمردين والخونة، فكانت الغربلة المناسبة للدول الخليجية التي تدعونا لتأكيد المثل القائل «الضربة التي لا تقتل تقوي»، فقد منحت تلك الأزمات السياسية دول المنطقة قوة أكبر بعزل المناوئين والمنافقين بعدما أبرزت بجلاء قبح المفسدين في الأرض، وجعل ذلك من السهل تمييز المخلصين والأكفاء وتقريبهم من مراكز القرار أو دائرته كقيادات يعتمد عليها وبطانات صالحة.

ومع التطورات التي يشهدها المجال الدبلوماسي مؤخراً، ومواكبته اللافتة للتطورات ومتطلبات المرحلة، بدت الدبلوماسية أكثر تفاعلاً مع الجمهور أو جاذبة إليه من خلال مفاهيم عدة في المجال الدبلوماسي، وإننا إذ تعرضنا أمس الأول لمفهوم الدبلوماسية الإلكترونية الرسمية وما تبذله الدول وقياداتها من جهود في هذا السياق، فإن أدواراً أخرى بات يضطلع بها المواطن ويحمل على عاتقه مسؤولية وطنه، وإن تطلبت قليلاً من الرفد الرسمي، ويدفعنا لقول ذلك أنه ومن منطلق الدبلوماسية الشعبية، فإن الدبلوماسية الإلكترونية لم تعد حكراً على العاملين في الجهاز الدبلوماسي وحسب، بل أصبحت مهمة المثقفين وعموم المسؤولين والقيادات المؤثرة تجاه بلدانهم، بل إنها متاحة لممارسة مسؤولة من قبل كل مواطن حمل على عاتقه مسؤولية صورة بلاده أمام العالم ليس من خلال المشاركة في المحافل الدولية أو من خلال الممارسات الإعلامية الرسمية أو الزيارات السياحية والدراسية للخارج، بل حتى من خلف شاشات أجهزته الإلكترونية التي تحدد بطريقة أو بأخرى موقعه الجغرافي وهويته.

ولكون التجربة السعودية الرسمية قد حملت على عاتقها استخدام 18 لغة عالمية لتوصيل أجندة وفكر وثقافة المملكة للعالم، كان من الأجدى أن يتبوأ أدواراً مماثلة بعض من الشعب من المختصين في مجالات معينة، للإفصاح عن ثراء التجربة المحلية في مجاله، ولا أعني بذلك السعودية وحدها، بل كل الدول والشعوب معنية بهذا، ولربما تأتي مهمة الدولة هنا في تمكين الباحثين والمختصين في «مجالات المستقبل» الرائدة، والنخب الثقافية والفكرية والسياسية من تعلم لغات دول وشعوب أخرى، دون الاكتفاء باللغات الأساسية المتداولة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والفارسية من بعد العربية طبعاً، وتوسيع أفق تعلم اللغات نحو الدول الصاعدة والدول التي يفرض المستقبل بناء علاقات أعمق معها كالدول الأفريقية مثلاً ودول شرق آسيا، ولا تلغي هذه الدعوة الجهود الخليجية في ابتعاث بعض الطلبة إلى دول مثل الصين وروسيا لتعلم لغتهم، ولكن العالم أغنى من ذلك بكثير.

* اختلاج النبض:

إن تكاتف الجهود الرسمية والشعبية معاً، سيسهم في تبليغ الرسالة للمدى الأقصى المأمول وما بعده، وسيتيح للدول تحقيق مستوى عالٍ من الانتشار وتقديم صورة إيجابية عنها من أطراف متعددة داخل الدولة بما يكفل تبنيها من قبل أطراف خارجية لاحقاً.