لا مانع أن نتعلّم ونبدأ الآن بوضع آلية مهنية احترافية راقية أخلاقياً لتغيير المناصب.
التغيير سُنّة الحياة، وطبيعيٌّ جداً جداً أن تنتهي فترة عمل الإنسان أو يتبدّل موقعه، أياً كان منصبه، وزيراً كان أو مديراً أو غيره، ولكن ما ينقصنا رغم ما نملك من خبرات إدارية طويلة الباع تمتد إلى أكثر من قرن في تاريخ الإدارة في البحرين هو كيفية نقل الإدارات الحكومية من يد إلى يد.
التعيين والتغيير وإنهاء الخدمة، كُلُّها آليات طبيعية موجودة في كلِّ مؤسسات الدول في العالم، وبالرغم من أنها آلية داخلية تُنجِز من خلالها الحكومات برامجها إلا أنه من خلالها تُرسِل الدول رسائلها وترسم من خلالها رؤيتها وبرامجها لشعوبها وللعالم أيضاً، فتلك التحرّكات الإدارية تُرصَد من قِبل أيِّ مراقب يريد أن يعرف كيف تفكّر الحكومات وتقرأ قراءة سياسية.
وأقرب مثال لنا على تلك المقاربات بين التعيينات ورؤية الإدارة السياسية، ما يدور من تحليلات تتناول تعيينات الرئيس الأمريكي الجديد، فمستقبل السياسة الأمريكية في الأعوام الأربعة القادمة مرهون بطبيعة التعيينات واختيارات الرئيس التي تكشف عن توجّهاته، وهكذا يتمّ رسم السياسة والتوجّهات المستقبلية عن طريق اختيار الأسماء لتولّي المناصب القيادية، وهكذا أيضاً يُنظر للتغييرات والاستبدالات والإعفاءات في تلك المناصب، فهي أيضاً أداةٌ لإيصال رسائل.
إنما مع الأسف، إننا في البحرين «ندّوده» أي نرتبك حين نريد تغيير أو استبدال أو إعفاء مسؤول من مكانه رغم أنه قرار طبيعي، فيصدر القرار دون أن يعرف الناس لماذا، والأدهى حتى المتغيِّر لا يعرف لماذا، وتبدأ السرديات تُشرّق وتُغرّب وأحياناً تنال من سمعة الناس، فلا يُشكر الإنسان على جهوده إن كان مجتهداً ولا يُعاقب إن كان مقصّراً أو فاسداً، فيتساوى الاثنان وينالان حظهما من الإشاعات والتكهّنات فيخسر سمعته، وتخسر الدولة كذلك فرصتها لتوضح سياستها من خلال شفافية إجراءاتها.
فكم من مسؤول وصله خبر تعيين بدلائه وهو قائم على عمله داخل أو خارج البحرين، وكم من مسؤول خرج دون أن يجد حتى فرصة لتوديع زملائه، وكم مسؤولٍ كان يرى في عين موظفيه تساؤلات تشوبها الشبهات أو الاستنقاص، ما ذلك إلا لأننا لا نملك آلية مهنيّة احترافية بهذا الخصوص، قانونية تحدّد من خلال أسباب التغيير إن كانت إعفاءً أو إقالةً أو نقلاً أو انتهاءَ فترة عمل، ويتمّ التوجيه بالاسترشاد بها وتجري كعُرف يُتّبع على جميع المستويات من الوزراء ومن يليهم، تُحترم فيها الإنسانية والتاريخ لمن أجدى بعمله، وتكون حسماً وعزماً لمن سوّلت له نفسه أن يمدَّ يده، إنما يُترك قرار الاستبدال لاجتهادات ترتبك غالباً، وغالباً ما تنتهي بكوارث!