منذ فترة وأنا ألاحظ مدى إلحاح ابني الصغير ورغبته الشديدة في قضاء إجازة نهاية الأسبوع في بيت جدته.. وأثناء كلامي معه عن سر ذلك فوجئت برده وذلك بأن أمي تحكي له كل مرة قبل النوم حكاية مِن التراث الشعبي التي تأخذه في رحلة جميلة من الخيال الطفولي والاستكشافي.. وما أن أنهيت حديثي معه.. إذ بشريط الذكريات يضج في مخيلتي ويرجعني إلى سنين الطفولة لأتذكر كيف كنت مولّعة بحكايات جدتي الشعبية.. وكيف كانت تلك الحكايات مليئة بالبطولات والخوارق المبالغة وأبطال الخير والشر.. وكم كان يغمرني الفرح الكبير وأنا طفلة حين يكون اسمي من ضمن أبطال هذه الحكاية.
الحكايات الشعبية هذا الناتج الفكري لوقائع خيالية أو شبه خيالية أو حقيقة أبدعها الناس في ظروف حياتية صعبة لإيجاد الحلول لمشاكلهم أو هواجسهم أو حتى مخاوفهم.. هل أصبح لهذه الحكايات المتوارثة وجود قائم مع مرور الأيام؟ وهل تأثّر وجودها مع تطور التكنولوجيا والحداثة؟ وهل الحكايات الشعبية المرتبطة بالموروث الشعبي مهددة بالانقراض والتلاشي؟
عندما نقول الجمال والبقاء لحكايات التراث فنحن نتكلم عن حكايات مستوحاة من نصوص ذات أبعاد وطنيّة مجتمعيّة قيميّة تعالج الكثير من القضايا، فتلك الحكايات مازالت تحكى وإن تراجعت بعض الشيء.. إضافة إلى أن الكثير من الناس يرددونها ويجدون متعة في هذا النوع من الأدب التاريخي العميق المحفور في ذاكرة الشعور ورغم ذلك كله يظلُّ للحكاية الشعبـية، بأنواعها، دور بارز في إثراء المعرفة الإنسانية، وستبقى مجالاً هاماً للتعبير عن الأهمية الحضارية لرسالة أية أمة من الأمم، وبالتالي تعكس الخصائص التي تشكّل هوية الإنسان، وتغذي ثقافته التراثية الوطنيّة.
ومن الأمور المحزنة التي تشعرنا بأن الحكاية الشعبية بدأت تفقد مكانتها وتأثيرها الجماهيري بحكم تعاقب الأجيال والتطورات الاجتماعية والثقافية والتقنيّة، هو تقاعس المؤسسات الثقافية عن الاهتمام بهذا النوع من الأدب الشفاهي كمشروع ثقافي وطني يهتم بجمع هذه الحكايات وتصنيفها ودراستها وفق الأساليب والمناهج العلمية المعروفة في هذا المجال وإعادة نشرها باستخدام كافة وسائل الإعلام المختلفة كي تستقر في ذاكرة الأجيال بشكل لا يهددها بالزوال وعشوائية حضورها غير المكتوب.
ومن وجهة نظري المتواضعة أشعر أن الحكاية الشعبية مازالت قادرة على التأثير والعيش في وسط ثورة التكنولوجيا السريعة إذا تم توجيهها ومنهجتها بالقالب الذي يتناسب والتحولات المتسارعة.. الى جانب أن سرد الحكايات الشعبية على الأطفال يولد عندهم الطلاقة اللغوية ويكسبهم الخيال اللامحدود.. فكل ما نحتاجه هو السعي إلى توظيف الحكاية الشعبـية للأطفال، حيث إنها مصدر مهم من المصادر الجيدة التي يمكن تقديمها كنماذج تعليمية وأخلاقية للأطفال، متى ما تم تهذيبها وإعادة صياغتها برؤية معاصرة والتي تتمثل في الكثير من الجوانب كحث أولياء الأمور بضرورة التمسك بالحكايات الشعبية وإتقان سردها من أجل تنمية قدرات الطفل لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة.. وكذلك الاهتمام بالرواة الشعبيين وإعطائهم الدور الذي يستحقونه، وتسليط الأضواء الإعلامية عليهم وتعزيز دور المؤسسات الرسمية على تصميم مناهج خاصة بالحكايات الشعبية وعدم الاقتصار على الأنشطة التراثية فقط لتعزيز القيم التربوية والأخلاقية والمعرفية إلى جانب الاعتزاز بحكاياتنا الشعبية..
فلِمَ الغرب يعتزون بحكاياتهم الشعبية كقصة الروسي ألكسندر بوشكين "الأميرة الميتة والعمالقة السبعة"، والدنماركي هانز كريستيان في "بائعة الكبريت"، والفرنسي شارل بيرو في "سندريلا.. بينما نحن لا نعتز بحكاياتنا الشعبية مثل قصة "بو درياه" و"أم الهيلان" و"بياع البيض" و"سرور" وغيرها.. والقيام بتحويل هذه القصص إلى أفلام كرتونية مترجمة للأطفال، كما فعلت شركة ديزني مع بعض من الأعمال الغربية الأدبية التراثية الشعبية؟!
من الأمور المفرحة التي تجعلني أستبشر خيراً بأن اقتراحي الذي ذكرته يمتلك القابلية الفعلية للتطبيق كوجود العديد من المشروعات الفردية المهتمة بأدب الطفل والحكايات الشعبية – وإن كانت قليلة – لكنها تشكّل بداية على الطريق الصحيح مثل حكايات إبراهيم بشمي وإبراهيم سند والدكتورة أنيسة فخرو، وما تقوم به حالياً الدكتورة منى جناحي من محاولات في إعادة صياغة بعض الحكايات الشعبية للأطفال وفق معطيات هذا العصر دون أن تفقد الحكاية نكهتها الشعبية ودلالاتها اللفظية. هذا بالإضافة إلى ما يقوم به معهد الشارقة للتراث في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة كمؤسسة رسمية من جهود كبيرة في مجال حفظ ونشر هذه الحكايات الشعبية من خلال ورش العمل والإصدارات المتخصصة من كتب ودوريات والمؤتمرات المتخصصة التي يدعو لها المختصون والرواة الشعبيون لخلق تفاعل إيجابي مثمر.. بالإضافة إلى ما تقوم به مجلة الثقافة الشعبية الصادرة من مملكة البحرين بتناول وعلاج موضوع الحكايات الشعبية.
وأختم مقالي بهذه المقولة الجميلة للدكتور هادي نعمان الهيتي المتخصص في كتابه ثقافة الأطفال حيث يقول "إن من بين الحكايات الشعبـية ما يمكن أن يصلح للأطفال، ومنه ما ينبغي إبعاده عنهم، لما يحمله من أضرار، ومنه ما يمكن إعادة كتابته، في مضمون وشكل قشيب".. ودعوة مني لكل مهتم بالأدب الشعبي من أدباء ومؤسسات أدبية وثقافية.. حافظوا على حكاياتنا الشعبية من الاندثار والنسيان.. حتى لا تصبح في يوم من الأيام في خبر كان.
الحكايات الشعبية هذا الناتج الفكري لوقائع خيالية أو شبه خيالية أو حقيقة أبدعها الناس في ظروف حياتية صعبة لإيجاد الحلول لمشاكلهم أو هواجسهم أو حتى مخاوفهم.. هل أصبح لهذه الحكايات المتوارثة وجود قائم مع مرور الأيام؟ وهل تأثّر وجودها مع تطور التكنولوجيا والحداثة؟ وهل الحكايات الشعبية المرتبطة بالموروث الشعبي مهددة بالانقراض والتلاشي؟
عندما نقول الجمال والبقاء لحكايات التراث فنحن نتكلم عن حكايات مستوحاة من نصوص ذات أبعاد وطنيّة مجتمعيّة قيميّة تعالج الكثير من القضايا، فتلك الحكايات مازالت تحكى وإن تراجعت بعض الشيء.. إضافة إلى أن الكثير من الناس يرددونها ويجدون متعة في هذا النوع من الأدب التاريخي العميق المحفور في ذاكرة الشعور ورغم ذلك كله يظلُّ للحكاية الشعبـية، بأنواعها، دور بارز في إثراء المعرفة الإنسانية، وستبقى مجالاً هاماً للتعبير عن الأهمية الحضارية لرسالة أية أمة من الأمم، وبالتالي تعكس الخصائص التي تشكّل هوية الإنسان، وتغذي ثقافته التراثية الوطنيّة.
ومن الأمور المحزنة التي تشعرنا بأن الحكاية الشعبية بدأت تفقد مكانتها وتأثيرها الجماهيري بحكم تعاقب الأجيال والتطورات الاجتماعية والثقافية والتقنيّة، هو تقاعس المؤسسات الثقافية عن الاهتمام بهذا النوع من الأدب الشفاهي كمشروع ثقافي وطني يهتم بجمع هذه الحكايات وتصنيفها ودراستها وفق الأساليب والمناهج العلمية المعروفة في هذا المجال وإعادة نشرها باستخدام كافة وسائل الإعلام المختلفة كي تستقر في ذاكرة الأجيال بشكل لا يهددها بالزوال وعشوائية حضورها غير المكتوب.
ومن وجهة نظري المتواضعة أشعر أن الحكاية الشعبية مازالت قادرة على التأثير والعيش في وسط ثورة التكنولوجيا السريعة إذا تم توجيهها ومنهجتها بالقالب الذي يتناسب والتحولات المتسارعة.. الى جانب أن سرد الحكايات الشعبية على الأطفال يولد عندهم الطلاقة اللغوية ويكسبهم الخيال اللامحدود.. فكل ما نحتاجه هو السعي إلى توظيف الحكاية الشعبـية للأطفال، حيث إنها مصدر مهم من المصادر الجيدة التي يمكن تقديمها كنماذج تعليمية وأخلاقية للأطفال، متى ما تم تهذيبها وإعادة صياغتها برؤية معاصرة والتي تتمثل في الكثير من الجوانب كحث أولياء الأمور بضرورة التمسك بالحكايات الشعبية وإتقان سردها من أجل تنمية قدرات الطفل لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة.. وكذلك الاهتمام بالرواة الشعبيين وإعطائهم الدور الذي يستحقونه، وتسليط الأضواء الإعلامية عليهم وتعزيز دور المؤسسات الرسمية على تصميم مناهج خاصة بالحكايات الشعبية وعدم الاقتصار على الأنشطة التراثية فقط لتعزيز القيم التربوية والأخلاقية والمعرفية إلى جانب الاعتزاز بحكاياتنا الشعبية..
فلِمَ الغرب يعتزون بحكاياتهم الشعبية كقصة الروسي ألكسندر بوشكين "الأميرة الميتة والعمالقة السبعة"، والدنماركي هانز كريستيان في "بائعة الكبريت"، والفرنسي شارل بيرو في "سندريلا.. بينما نحن لا نعتز بحكاياتنا الشعبية مثل قصة "بو درياه" و"أم الهيلان" و"بياع البيض" و"سرور" وغيرها.. والقيام بتحويل هذه القصص إلى أفلام كرتونية مترجمة للأطفال، كما فعلت شركة ديزني مع بعض من الأعمال الغربية الأدبية التراثية الشعبية؟!
من الأمور المفرحة التي تجعلني أستبشر خيراً بأن اقتراحي الذي ذكرته يمتلك القابلية الفعلية للتطبيق كوجود العديد من المشروعات الفردية المهتمة بأدب الطفل والحكايات الشعبية – وإن كانت قليلة – لكنها تشكّل بداية على الطريق الصحيح مثل حكايات إبراهيم بشمي وإبراهيم سند والدكتورة أنيسة فخرو، وما تقوم به حالياً الدكتورة منى جناحي من محاولات في إعادة صياغة بعض الحكايات الشعبية للأطفال وفق معطيات هذا العصر دون أن تفقد الحكاية نكهتها الشعبية ودلالاتها اللفظية. هذا بالإضافة إلى ما يقوم به معهد الشارقة للتراث في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة كمؤسسة رسمية من جهود كبيرة في مجال حفظ ونشر هذه الحكايات الشعبية من خلال ورش العمل والإصدارات المتخصصة من كتب ودوريات والمؤتمرات المتخصصة التي يدعو لها المختصون والرواة الشعبيون لخلق تفاعل إيجابي مثمر.. بالإضافة إلى ما تقوم به مجلة الثقافة الشعبية الصادرة من مملكة البحرين بتناول وعلاج موضوع الحكايات الشعبية.
وأختم مقالي بهذه المقولة الجميلة للدكتور هادي نعمان الهيتي المتخصص في كتابه ثقافة الأطفال حيث يقول "إن من بين الحكايات الشعبـية ما يمكن أن يصلح للأطفال، ومنه ما ينبغي إبعاده عنهم، لما يحمله من أضرار، ومنه ما يمكن إعادة كتابته، في مضمون وشكل قشيب".. ودعوة مني لكل مهتم بالأدب الشعبي من أدباء ومؤسسات أدبية وثقافية.. حافظوا على حكاياتنا الشعبية من الاندثار والنسيان.. حتى لا تصبح في يوم من الأيام في خبر كان.