مع بدايات العام الدراسي الجديد، وتوجه ما يقارب من 150 ألف طالب إلى مورد العلم والمعرفة، لا بد من الإشادة بالمجهودات المقدرة التي دأبت وزارتا التربية والتعليم والداخلية على بذلها من أجل تأمين عام دراسي مثمر وآمن لفلذات أكبادنا كي يتمكنوا من تحصيل العلم النافع، والتسلح بالأخلاق والقيم الحميدة قبل التعليم الأكاديمي، فالتربية تأتي قبل التعليم، والمدرسة هي العمود الفقري لتشكيل الشخصية البشرية بالإضافة إلى المنزل والبيئة المحيطة، والطالب يقضي تقريباً ثلث يومه في المدرسة، لذا لا غرو بأن تكون وزارة التربية والتعليم هي رأس الرمح لصياغة حاضر الدولة ومستقبلها.إن العام الدراسي الحالي سوف يشهد تجربة جديرة بالمتابعة والتقييم في مجال التعليم في وطننا العربي، ألا وهي تجربة تطبيق المدارس اليابانية في جمهورية مصر الشقيقة، من خلال تطبيق أنشطة «التوكاتسو اليابانية» التي تهدف لبناء شخصية متكاملة للطلاب من خلال تعليمهم أسلوب الحياة، الذي من شأنه إكساب الطلاب مبادئ السلوكيات السليمة والمهارات والعادات الإيجابية.إن تجربة المدارس اليابانية في جمهورية مصر العربية، كانت ثمرة زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لجمهورية اليابان في مارس 2016، ورغبة سيادته في الاستفادة من الخبرة اليابانية في التعليم وبناء السلوك المجتمعي منذ مراحل التعليم المبكرة، في إحداث نقلة نوعية في التعليم والمجتمع المصري، وذلك من خلال إنشاء 45 مدرسة، كمرحلة أولى، مماثلة للمدارس اليابانية، ليس فقط في بناء الفصول الدراسية وتأثيثها وتوزيع الطلاب داخلها، وإنما تبني أنشطة «التوكاتسو اليابانية» وتأهيل المعلمين المنوط بهم تطبيق النموذج الياباني.إن «التوكاتسو»، هي مجموعة أنشطة تعليمية ضرورية لنمو الطلاب وتشكيل شخصيتهم الإنسانية، وذلك من خلال أنشطة خاصة بحيث يقوم الطلاب بوضع أهداف لهم، وبذل الجهود بصورة اختيارية ذاتية تطبيقية، ويقومون بالتفكير من تلقاء أنفسهم وتبادل الحوار والمناقشة والبحث عن حل للمشكلات وتوافق الآراء، وهي أنشطة لا يتم إدراجها في إطار المواد الدراسية. ولا تتمثل أهداف أنشطة «التوكاتسو» في تغيير سلوكيات الطلاب داخل المدرسة فحسب، بل تمتد إلى المنزل والمجتمع، وذلك من خلال أنشطة متنوعة تشمل أنشطة داخل الفصل للتفاعل مع الحياة اليومية والدراسة والتنمية الذاتية، وأنشطة مجلس التلاميذ لتعزيز التبادل الثقافي بين الفئات العمرية المختلفة داخل المدرسة، وأنشطة المناسبات المدرسية التي تعمل على تنمية الشعور بالانتماء والتكافل تجاه الآخرين بالإضافة لشعور العمل للمصلحة العامة.إن أنشطة «التوكاتسو» تقوم على خلق مدرسة تحقق السعادة والفخر ومتعة التعلم بالإضافة إلى تكوين الشخصية والمشاعر والعلاقات الاجتماعية، وتوسّع دور المعلم ليشمل تدريس التعلم الاجتماعي والسلوك التربوي من خلال التجربة والخطأ في بيئة الفرد أو المجموعة الصغيرة أو الفصل بالكامل. كذلك البناء على أن الفصل والمدرسة هي المجتمع المصغر، وعليه يمكن غرس القيم والأخلاق الحميدة للتلاميذ من خلال هذا المجتمع المصغر، وتعزيز ثقافة التقييم الذاتي في نفوس التلاميذ لمناقشة السلوكيات الناتجة عن المشاركة في الأنشطة.إن تجربة المدارس اليابانية في جمهورية مصر العربية تحتاج إلى متابعة ومراقبة من المعنيين في وزارة التربية والتعليم في المملكة وذلك للوقوف على التجربة وتقييم إيجابياتها وسلبياتها، حيث إن الثقافة المجتمعية والقيم في وطننا العربي متشابهة إلى حدٍ بعيد، كما أن التحدي المتوقع أن يواجهه التلاميذ بين ما سيتم تعلمه في المدرسة والممارسات في الحياة المجتمعية، ومدى مقدرتهم على إحداث التغيير على المدى البعيد في المجتمع، لهي تجربة تستحق الاهتمام والبناء عليها من أجل غدٍ أفضل لمنطقتنا العربية.