نواصل في الجزء الثاني من المقال، رصد ملاحظاتنا حول كتاب «في بازار الآيات كانت لنا أيام»، حيث مؤلف هذا الكتاب القيم هو السفير حسين راشد الصباغ، وقد استعرضنا في الجزء الأول من المقال 4 ملاحظات ونتابع في الجزء الثاني بقية الملاحظات:الخامسة: كما أشرت إلى كون السفير الصباغ مثقفاً من نوع فريد فإنه اعتمد في كثير من صفحات كتابه على قراءاته وثقافته في عرض قضايا التاريخ والآثار والفلسفة وغيرها وكذلك في دحض حجج إيران ضد البحرين وفي دحض تصريحات آية الله صادق روحاني ضد البحرين بعد وصول الخميني للسلطة رغم مضي زهاء عشر سنوات على استقلال البحرين واعتراف إيران بذلك، ويظهر المؤلف تشدد صادق روحاني ورضاء الخميني عن ذلك فقد عبر عن هذا التشدد في خطبة له في أحد مساجد قم بحضور الخميني وتحدث أيضاً عن تصدير الثورة للخليج وخاصة للبحرين.السادسة: من اللافت للنظر ما ذكره حسين الصباغ عن الدور الأمريكي في الإطاحة بالشاه والإتيان بنظام الإمام الخميني «ص 94»، ورغم ذلك فإن الثوار حاصروا السفارة الأمريكية وكان ذلك من سمات نظام الخميني عدم الوفاء لمن ساعدوهم، وأوضح المؤلف تحت عنوان «استقلال البحرين الناجز وبطلان المطالب الإيرانية» وربط بين ذلك وبين التاريخ الفارسي المليء بالحقد والكراهية للعرب والمسلمين لتدميرهم الحضارة الفارسية وعملوا ضد الدولة الأموية ودمروا الدولة العباسية، بعد أن ساعدوا في إنشائها بالدعاة السريين ثم جاء النظام الصفوي ليدخل الكثير من الممارسات الفارسية القديمة في المذهب الشيعي.السابعة: يوضح المؤلف العلاقة السورية الإيرانية وخاصة تحت عنوان سوريا الأسد حاضنة نظام الخميني ويشير لدور إيران في لبنان وخروج النظام الإيراني عن قواعد العمل الدبلوماسي ليس فقط بحصار سفارة الولايات المتحدة بل أيضاً حصار سفارة البحرين في طهران في مرحلة لاحقة. كما يشير لموقف إيران من الوحدة لدول الخليج وضغوطها وضغوط بريطانيا للحيلولة دون ذلك والاكتفاء بالاتحاد السياسي لدول الإمارات السبع.كما يشير إلى جعل قم هي قبلة الشيعة وجعل الأئمة حتى الذين في العراق من إيران ومنهم السيستاني.الثامنة: كان السفير حسين الصباغ بارعاً في متابعة أحداث إيران في عهد الشاه ثم في عهد الخميني والصراع بين دعاة التحديث والتقليديين واهتمام الشاه محمد رضا بعملية التحديث وما فيها من تقدم لتطوير المجتمع الإيراني، وأحدث ذلك رد فعل عكسياً من بعض طوائف المجتمع وخاصة رجال الدين التقليديين، وذلك كله مع وجود نخبة من رجال الدين الليبراليين فضلاً عن الليبراليين الأقرب للعلمانية والذين وصفهم رجال الدين بأنهم من الكفرة وكانوا أول من دارت عليهم مقاصل الثورة الخمينية.التاسعة: إن مسألة محاولة سيطرة إيران على دول الخليج لم تكن وليدة ثورة الخميني بل كانت أيضاً منذ العصر الإمبراطوري، وكذلك التراث الصفوي الذي ركز على الصراع السياسي المتأثر بالمفهوم الديني بين الإمام الحسين ويزيد بن معاوية، واستمر ذلك الفهم عبر العصور وعمق سوء الفهم ليس فقط لدى إيران الصفوية، بل وكل الحكام الإيرانيين مروراً بعهد الشاه والخميني.العاشرة: يرى السفير الصباغ أنه رغم كراهية الفرس للعرب والمسلمين إلا أن فريقاً منهم كانوا دائماً يتمسحون في الإمام الحسين وأن السفير الصباغ كلما التقى بعدد من رجال الدين الإيرانيين أثناء وجوده كانوا يقولون له إن الدم الذي يجري في عروق علي بن الحسين وأولاده دم إيراني من قبل أمه شهربانو ابنة الملك يزدجر وبذلك فهو من السلالة الساسانية المقدسة، إذ عندما فتح العرب بلاد فارس تزوج الحسين من ابنة يزدجر، ويصر بعض علماء الدين والقوميين الإيرانيين أن مدينة النجف وكربلاء وما تضمانه من مقدسات هي مدن إيرانية وليست عراقية أو عربية، وأن ذلك سر الدعم القوي من الفرس للإمام الحسين بن علي وأولاده وأحفاده. «ص 83 - 93 بعنوان «دماء فارسية بعروق أبناء الإمام الحسين وأحفاده».الحادية عشرة: إن السفير حسين الصباغ يمكن اعتباره كاتب رواية أو سيرة تاريخية فكان حريصاً على التحدث عن أكثر التفاصيل في مهمته كسفير للبحرين في إيران ولقاءاته وأحاديثه وتحليل ذلك كله.الثانية عشرة: إن من يقرأ أحداث اليوم في إيران من تظاهرات وإضرابات واحتجاجات على الفقر والبطالة والأزمة الاقتصادية وتدهور العملة والفساد ثم يستعيد للذاكرة أيام شاه إيران السابق يجد تشابهاً كبيراً. وكما يقال ما أشبه الليلة بالبارحة والعبرة هي ضرورة إدراك جيل اليوم ما حدث لجيل الأمس. وختاماً؛ لا يسعني إلا الإشادة بهذا الكتاب المهم وشبه الموسوعي عن إيران ودورها في إطار ما أسماه لعبة الأمم سواء في عصر الشاه أو الثورة الإسلامية ومحاولتها إدخال الكثير من المفاهيم والأفكار الفارسية في التراث الإسلامي وعبر عن ذلك شخصيات كثيرة منها السيستاني رغم رفضه لنظرية ولاية الفقيه. وفي الختامة تحية للسفير حسين الصباغ.* خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية