شكل انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وسطاً جديداً لبث ومناقشة الأحداث والأخبار والآراء السياسية بطريقة سهلة وجامعة لعدد لا منتهٍ من المصادر والأطراف، على عكس ما قبل عصر الإنترنت الذي كانت الأحاديث والآراء السياسية تدور فيه غالباً وجهاً لوجه داخل إطار مغلق ومبني على ما يبث عبر الشاشات وصحف الورق. بيد أن هذا التطور المشهود لم يضمن معه مصداقية وموضوعية ما ينشر عبر الوسائل الجديدة، مما فرض تشكل ساحة غير محكومة بقواعد قانونية ومفتوحة لجميع أطراف الوسط السياسي والإعلامي لطرح الأحداث والتعبير وإبداء الآراء بناء على ما تراه من أسلوب يتماشى مع ولاءاتها السياسية وانتماءاتها ورؤيتها بشكل مباشر أو غير مباشر.
كان من المتوقع في بداية «الألفينات» أن ستكون وسائل التواصل الاجتماعي داعمة لحق حرية التعبير والرأي، وأنها ستعزز من الديمقراطية من خلال استخدامها في تمكين إشراك المواطن في مراقبة عمل وحركة الأجهزة الحكومية بشكل أكبر وفي إيجاد منافذ مباشرة للتواصل والتعرف على مشكلاته واحتياجاته حسب ما جاء في دراسة 2018 «Joshua A. Tucke» وآخرين، إلا أن في الوقت الراهن تحول تفكير بعض الباحثين نحوها من الإيجاب إلى السلب حيث يرون أن سوء استخدامها وتفشي استقطاب الآراء السياسية وتضليل المعلومات فيها، مؤثرات تؤدي بشكل مشترك إلى ضعضعة أو إضعاف جودة الديمقراطية في الدول.
ويعتقد عدة باحثون سياسيين أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أسهم في زيادة الانقسام والاستقطاب وتراجع حيادية الآراء فيما يتعلق بالأوضاع السياسية، وذلك أولاً لتحولها إلى أداة تنافس بيد الأطراف والأحزاب السياسية المتناقضة لحشد التأثير ودعم الحضور والاستقطاب السياسي، من خلال صياغة الأحداث وطرح الوقائع والآراء عبرها بأسلوب معين يصب في خدمة مصالحها أو أيديولوجياتها. ثانياً، لقدرتها على خلق «غرف صدى» بانتقائها وعرضها الدائم لمحتوى أخبار ذات طابع مشابه لنوعية ما يتابعه المتصفح استناداً لتحليل خوارزميات التغذية الإخبارية «News feed algorithms» وذلك بدلاً من الحياد والتوسع في عرض تشكيلة متنوعة وغير متماثلة من الأخبار والأحداث، الأمر الذي لا يجدد من نمط التفكير والرأي السياسي المسبق لدى المتصفح. ثالثاً، لقدرتها على ربط الحسابات ذات النوع المتشابه وخلق تكتلات متجانسة تُسهل على المتصفح الوصول للحسابات المتماثلة مع آرائه وولاءاتها، مما يسهم في تشكل آراء سياسية موحدة ضمن هذه التكتلات وإضعاف فرص تفهم الرأي الآخر.
وتستعين الأطراف المتنافسة بوسائل متعددة لممارسة التأثير أو التدخل السياسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها تمويل وإطلاق حملات التغريد الممنهجة دعماً لهدف معين كتضليل معلومات أو تحقير شأن ما أو تلميع فكر أو تيار معين على حساب آخر، مثل ما تم نشره في «رويترز» عن عملية التأثير الإيرانية التي تضم شبكة مترامية الأطراف من مواقع إلكترونية وحسابات مجهولة الهوية على الشبكات الاجتماعية تستهدف التلاعب بالمستخدمين والتأثير سراً على الرأي العام بـ11 لغة مختلفة في البلدان الأخرى، وكذلك إغلاق فيسبوك لـ30 ألف حساب قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا لنشرها أخباراً مزيفة للتأثير على النتائج. وكما يستخدم أيضاً لمثل هذا الغرض برمجيات آلية «Bots» تعمل من دون التدخل البشري على إعادة التغريد بكم كبير من المرات وبشكل متواصل ضمن وسوم مستهدفة، بالإضافة إلى إسكات تغريد الحسابات الناشطة وذات الشعبية الكبيرة عبر قرصنتها وسرقتها بصورة مفاجئة. ويرى كذلك «Muddiman & Stroud, 2017» في بحثهم أنه يتم استخدام التعليقات غير المهذبة والساخرة بشكل عنيف دون مراعاة الذوق العام كوسيلة لتقوية الصدى والانتشار في وسائل التواصل.
ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، فبمجرد دخولها تجدها مليئة بأصوات المبررين والداعمين للمواقف والقرارات وما يحدث في الأوضاع الراهنة، كما تكشف الإحصائيات خلال السنوات الأخيرة عن ازدياد موجة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي فيها، ويبدو هذا أمراً طبيعياً كونها وسيلة سريعة لتلقي الأخبار وتتبع الأوضاع السياسية والمحلية وأداة فعالة في عملية الاتصال بالجماهير واستقطابهم أثناء الأزمات السياسية التي لحقت ببعض الدول، فبحسب تقرير صادر عن كلية دبي للإدارة الحكومية، ارتفع العدد الإجمالي لمستخدمي فيسبوك في المنطقة العربية من 45 مليوناً عام 2012 إلى 156 مليوناً بنهاية عام 2017، وجاءت مصر في الصدارة من حيث الأكثر استخداماً باستحواذها تقريباً على ربع العدد الإجمالي بنسبة «23%» وما يعادل 35 مليون مستخدم، تليها السعودية بنسبة «13%»، ثم الجزائر «12%»، والعراق «10%»، أما موقع «تويتر» فقد وصل عدد مستخدميه الإجمالي إلى 11 مليون مستخدم في المنطقة العربية بحلول عام 2017، وجاءت السعودية على رأس القائمة بنسبة «29%» من العدد الأجمالي، تليها مصر بنسبة «18%» ثم والجزائر والإمارات بنسبة «9%»، ويشير التقرير نفسه كذلك إلى حصول البحرين على المرتبة الأولى في المنطقة العربية من حيث معدل استخدام تويتر بنسبة «13%» من السكان تليها الكويت بفارق بسيط.
وأمام الانتشار العالمي المتصاعد والانتقادات المتزايدة تجاه التأثير السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي قامت الشركات المالكة بحظر مئات من المحتويات والحسابات، وتحديث برمجة الخوارزميات لزيادة المصداقية والتصدي لما يحدث على منصاتها من تشويه للحقائق وعبث بالوعي الجماعي، ولكن لم تنجح إلى الآن في السيطرة بشكل كبير نظراً لحرية المستخدم في النشر ومتابعة المحتوى الذي يفضله، وصعوبة السيطرة على المصادر الإعلامية والإخبارية التي تدار من قبل جهات تدفع مبالغ ضخمة مقابل الترويج لمحتوياتها، لذلك كله يجب ألا يغيب عن ذهن المتصفح تحري مصداقية المعلومات التي يصادفها في مواقع التواصل وإعادة النظر والتدبر بشأن مصدرها وغايتها.
* باحث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
كان من المتوقع في بداية «الألفينات» أن ستكون وسائل التواصل الاجتماعي داعمة لحق حرية التعبير والرأي، وأنها ستعزز من الديمقراطية من خلال استخدامها في تمكين إشراك المواطن في مراقبة عمل وحركة الأجهزة الحكومية بشكل أكبر وفي إيجاد منافذ مباشرة للتواصل والتعرف على مشكلاته واحتياجاته حسب ما جاء في دراسة 2018 «Joshua A. Tucke» وآخرين، إلا أن في الوقت الراهن تحول تفكير بعض الباحثين نحوها من الإيجاب إلى السلب حيث يرون أن سوء استخدامها وتفشي استقطاب الآراء السياسية وتضليل المعلومات فيها، مؤثرات تؤدي بشكل مشترك إلى ضعضعة أو إضعاف جودة الديمقراطية في الدول.
ويعتقد عدة باحثون سياسيين أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أسهم في زيادة الانقسام والاستقطاب وتراجع حيادية الآراء فيما يتعلق بالأوضاع السياسية، وذلك أولاً لتحولها إلى أداة تنافس بيد الأطراف والأحزاب السياسية المتناقضة لحشد التأثير ودعم الحضور والاستقطاب السياسي، من خلال صياغة الأحداث وطرح الوقائع والآراء عبرها بأسلوب معين يصب في خدمة مصالحها أو أيديولوجياتها. ثانياً، لقدرتها على خلق «غرف صدى» بانتقائها وعرضها الدائم لمحتوى أخبار ذات طابع مشابه لنوعية ما يتابعه المتصفح استناداً لتحليل خوارزميات التغذية الإخبارية «News feed algorithms» وذلك بدلاً من الحياد والتوسع في عرض تشكيلة متنوعة وغير متماثلة من الأخبار والأحداث، الأمر الذي لا يجدد من نمط التفكير والرأي السياسي المسبق لدى المتصفح. ثالثاً، لقدرتها على ربط الحسابات ذات النوع المتشابه وخلق تكتلات متجانسة تُسهل على المتصفح الوصول للحسابات المتماثلة مع آرائه وولاءاتها، مما يسهم في تشكل آراء سياسية موحدة ضمن هذه التكتلات وإضعاف فرص تفهم الرأي الآخر.
وتستعين الأطراف المتنافسة بوسائل متعددة لممارسة التأثير أو التدخل السياسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها تمويل وإطلاق حملات التغريد الممنهجة دعماً لهدف معين كتضليل معلومات أو تحقير شأن ما أو تلميع فكر أو تيار معين على حساب آخر، مثل ما تم نشره في «رويترز» عن عملية التأثير الإيرانية التي تضم شبكة مترامية الأطراف من مواقع إلكترونية وحسابات مجهولة الهوية على الشبكات الاجتماعية تستهدف التلاعب بالمستخدمين والتأثير سراً على الرأي العام بـ11 لغة مختلفة في البلدان الأخرى، وكذلك إغلاق فيسبوك لـ30 ألف حساب قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا لنشرها أخباراً مزيفة للتأثير على النتائج. وكما يستخدم أيضاً لمثل هذا الغرض برمجيات آلية «Bots» تعمل من دون التدخل البشري على إعادة التغريد بكم كبير من المرات وبشكل متواصل ضمن وسوم مستهدفة، بالإضافة إلى إسكات تغريد الحسابات الناشطة وذات الشعبية الكبيرة عبر قرصنتها وسرقتها بصورة مفاجئة. ويرى كذلك «Muddiman & Stroud, 2017» في بحثهم أنه يتم استخدام التعليقات غير المهذبة والساخرة بشكل عنيف دون مراعاة الذوق العام كوسيلة لتقوية الصدى والانتشار في وسائل التواصل.
ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، فبمجرد دخولها تجدها مليئة بأصوات المبررين والداعمين للمواقف والقرارات وما يحدث في الأوضاع الراهنة، كما تكشف الإحصائيات خلال السنوات الأخيرة عن ازدياد موجة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي فيها، ويبدو هذا أمراً طبيعياً كونها وسيلة سريعة لتلقي الأخبار وتتبع الأوضاع السياسية والمحلية وأداة فعالة في عملية الاتصال بالجماهير واستقطابهم أثناء الأزمات السياسية التي لحقت ببعض الدول، فبحسب تقرير صادر عن كلية دبي للإدارة الحكومية، ارتفع العدد الإجمالي لمستخدمي فيسبوك في المنطقة العربية من 45 مليوناً عام 2012 إلى 156 مليوناً بنهاية عام 2017، وجاءت مصر في الصدارة من حيث الأكثر استخداماً باستحواذها تقريباً على ربع العدد الإجمالي بنسبة «23%» وما يعادل 35 مليون مستخدم، تليها السعودية بنسبة «13%»، ثم الجزائر «12%»، والعراق «10%»، أما موقع «تويتر» فقد وصل عدد مستخدميه الإجمالي إلى 11 مليون مستخدم في المنطقة العربية بحلول عام 2017، وجاءت السعودية على رأس القائمة بنسبة «29%» من العدد الأجمالي، تليها مصر بنسبة «18%» ثم والجزائر والإمارات بنسبة «9%»، ويشير التقرير نفسه كذلك إلى حصول البحرين على المرتبة الأولى في المنطقة العربية من حيث معدل استخدام تويتر بنسبة «13%» من السكان تليها الكويت بفارق بسيط.
وأمام الانتشار العالمي المتصاعد والانتقادات المتزايدة تجاه التأثير السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي قامت الشركات المالكة بحظر مئات من المحتويات والحسابات، وتحديث برمجة الخوارزميات لزيادة المصداقية والتصدي لما يحدث على منصاتها من تشويه للحقائق وعبث بالوعي الجماعي، ولكن لم تنجح إلى الآن في السيطرة بشكل كبير نظراً لحرية المستخدم في النشر ومتابعة المحتوى الذي يفضله، وصعوبة السيطرة على المصادر الإعلامية والإخبارية التي تدار من قبل جهات تدفع مبالغ ضخمة مقابل الترويج لمحتوياتها، لذلك كله يجب ألا يغيب عن ذهن المتصفح تحري مصداقية المعلومات التي يصادفها في مواقع التواصل وإعادة النظر والتدبر بشأن مصدرها وغايتها.
* باحث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»