أمسِ كان شاهد عيان على تبعات غياب المهنية في نقل المعلومة، وما يترتب عليها من نشر حالة من السخط العام، فمن يتحمل مسؤولية هذا الغياب وتبعاته؟

حيث «التقيد» بأصول النقل واجب مهني ومفروض، وحيث «الحرية» للرأي بالمقابل.

إذ حين تبدي رأيك، لك أن تقول ما تشاء ما دمت ملتزماً بأدب الحوار «و جادلهم بالتي هي أحسن»، أما حين تنقل خبراً أو معلومة أو نبأً فلا بد أن تتقيد بحذافيره من باب الأمانة.

وقد سبق وأن كتبت مقالاً حول آدابنا الإسلامية في عمليات النقل والتلقي والفارق في التعامل بين الرأي والمعلومة في قرآننا الكريم، فآدابنا الإسلامية غلظت من جرم ناقل الأخبار دون تبيان صحتها فوسمته بالفسق «إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» بل إن قرآننا الكريم ألقى بمسؤولية على المتلقي في ظل غياب جهة رقابية تدقق على أمانة النقل. سبحان الله حتى تلقي المعلومة حسب ما علمنا وأدّبنا القرآن مسؤولية لا تقف عند سماع أو قراءة النبأ، بل تتواصل بأنّ عليه دوراً في «التبيّن» حتى لا يصيب قوماً بجهالة وحتى لا يندم.

أحد الحسابات الإلكترونية استخرج قصاصة من الأرشيف لخبر قديم نشرته الصحافة عام 2016 لوكيل وزارة المالية المتقاعد منذ سنتين، وأعاد نشره أول أمس على حسابه مع تعليق مستفز دون أن يشير إلى تاريخ النشر ومناسبته وقائله، ولأننا قوم لا نتبين صب الناس غضبهم ودعاءهم على وكيل الوزارة الحالي متكلين على (أمانة) الناقل!! ثم تناقلت بقية الحسابات الخبر دون الإشارة إلى تاريخه معتمدين هم أيضاً على أمانة الناقل!! وهكذا تولدت حالة من السخط، وتوالت مما يفتح المجال للسؤال عن هوية ناقل النبأ بهذا الشكل وأغراضه؟ وعن وعينا ودرجة تحملنا مسؤولية التلقي كما أوصانا قرآننا العظيم؟!!

وعلى حساب لإحدى الصحف المحلية جاء خبرٌ آخر مبتسراً حول مجلس الشورى بعنوان هو الآخر أثار حالة من السخط لأنه نقل الخبر بصياغة ناقصة غير واضحة تركت المتلقي في حالة استفزاز، فجاء العنوان: «الشورى يرفض اشتراط خلو العامل الأجنبي من الجرائم الجنائية في بلده لاستقدامه للبحرين»

ولأننا لا نقرأ التفاصيل، ومن نقل النبأ يعلم أننا لا نقرأ التفاصيل فلم يحرص على نقل الصورة كاملة! حفلت المواقع بتعليقات السب والشتم والدعاء و(التحسب) على الشورى الذي لا يهمه مصلحة الناس والذي لم يتأثر بمقتل إمام المسجد والذي لا يعترف بوجود عمالة سائبة خطرة على المجتمع، كل تلك التعقيبات تمت دون تبيان تفاصيل وحقيقة النبأ.

مما يدفعنا للسؤال: هل هناك استهداف لوجود هذا المجلس كجزء من العملية الديمقراطية؟ فما ولدته عناوين صحافية مبتسرة من هذا القبيل مؤسسة لا تهمها مصلحة الناس!

ولم يتبين للذين علقوا على الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي أو في (جروبات) الواتس آب أن هناك نقاشاً دار في جلسة مجلس الشورى بين الأعضاء والأجهزة الحكومية ذكر الخبر جانباً منها في طياته يدل على أن أعضاء المجلس استفسروا من الأجهزة الحكومية حول أسباب توصيتهم برفض المقترح فكانت الأسباب التالية أولاً لصعوبة تطبيق القانون، ولعدم وجود آلية التأكد من صحة الشهادات، ولعدم وجود سفارات في بعض الدول، ولأن دولاً خليجية أخرى طبقته وألغته بعد شهر، ولأن لدينا إجراءات بديلة لمنع دخول من صدر بحقه حكم وتسفير وووو.. لهذه الأسباب أوصت الأجهزة الحكومية بعدم قبوله بشكله الذي قدم به وما شابه من قصور. وبعد مناقشة الأعضاء ممثلي الحكومة وسؤالهم عن كيفية تعاملها مع مشكلة العمالة وإقرارهم بخطورة بعض الجنسيات وتعدد جرائمها واستعراض البدائل صوت المجلس على عدم قبول المقترح المقدم من المجلس النيابي السابق لقصور في الصياغة ولعدم وجود آليات التطبيق ولتأثيره السلبي على جوانب أخرى.

سؤال، هل ستكون ردة فعلنا هي ذاتها لو قرأنا بقية الخبرين وعلمنا تلك التفاصيل، أي لو تبينا النبأ؟

وهل يدرك ناقل الأخبار تبعات الإخلال بأمانة النقل وما تغرسه من حالة سخط خطيرة وعن معلومات مغلوطة؟

فهل يدرك ناقل النبأ والمتلقي تبعات إخلالهما بمسؤوليتهما؟

أترك لأمانتكم الحكم.