مملكة البحرين من قديم الزمان، هي ملاذ كل مضطهد أو مظلوم يريد أمناً، وفي زمن مضى، خاصة بعد القرن الأول من ظهور الإسلام وانتهاء عصر الخلفاء الراشدين، ومن ثم قيام الدولة الأموية، وما جرى في عصرها من صراع على السلطة، وسقوطها، وبروز الدولة العباسية وأفولها، وكثرة الفتن من بعدها، فإن أغلب الناس استهدافاً هم علماء المسلمين الأفاضل على اختلاف مذاهبهم، هؤلاء غادروا بغداد وما حولها وما جاورها من قرى ومدن، وحملتهم أقدامهم إلى عدة بلدان حاشا العراق والشام، فكان الكثير منهم وصلوا إلى البحرين، وعاشوا فيها مطمئنين على أرواحهم وأموالهم وأهاليهم.
لذلك تجد في البحرين الكثير من الأضرحة يقال إنها جثامين علماء دين، أذكر منهم تحديداً لا حصراً، أضرحة الأمير زيد، صعصعة، الشيخ ميثم، الشيخ إبراهيم، الشيخ عبدالعزيز، النبيه صالح، ومزار الخضر، واتخذت هذه الأضرحة مزارات، يشد الرحال إليها للتبرك بها والنذور والطلب من أصحاب هذه الأضرحة تحقيق أمانيهم، مع أن «الخير كله بيد الله والشر ليس إليه»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلاً امرأة لا تحمل من بعد زواج دام سنيناً، أومريض عُدم شفاؤه فترة طويلة، أو زوجان رزقهما الله ذكوراً ويتمنيان بنتاً، أو العكس، أو مظلوم لم يجد من ينصفه، ويكتم اسم من ظلمه عن أهله ومعارفه، ويحفظ في سريرته من اعتدى على جسده أو ماله أو رماه أو طعن في شرفه، والعياذ بالله العظيم، لعل وعسى أن يتوب الظالم ويرجع إلى رشده، مع أن المظلوم في هذه الحالة يصاب بمرض نفسي قد يتحول إلى عضوي أو جسدي، كما أن المظلوم يكابد صراعاً داخلياً، بين أن يبوح أو يكتم، لا خوف على نفسه، فالله يعلم أنه مظلوم، وإنما الخوف على من ظلمه وأهله؟!
وقد تجد في مستشفى الطب النفسي كثيراً من هؤلاء الكاظمين الغيض والعافين عن الناس، لأن الله تعالى وعدهم بمحبته، فاستجابوا لأمره.
بعد انتقال صاحب العظمه حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة إلى جوار ربه، امتلأت مقبرة الحنينية بالثكالى والمحبين لعظمته، ومن حزنهم على فراقه عام 1961، وكنت أنا من بين هؤلاء المكلومين على فراقه، لما له من أيدٍ على البحرين والبحرينيين قاطبة.
مقبرة الحنينية من الشرق تحدها سفوح التلال الشرقية من هضبة الرفاع الشرقي، ومن الشمال تحدها تلال الرفاع الغربي، ومن الغرب أرض منبسطة إلى سفوح تلال الرفاع الغربي، أما من الجنوب فإن أرض هذه المقبرة مفتوحة وتلتقي مع روضة الرفاعين إلى بئر الحنينية الذي حُفر في عهد المغفور له الحاكم سلمان بن أحمد آل خليفة الفاتح المتوفى عام 1821، أي أن الحد الجنوبي والحد الغربي بلا سور، واقترحت حينها تسوير المقبرة من الجهتين، الغربية والجنوبية، وتم ذلك لأن هذه المقبرة تضم في تربتها الطاهرة الكثير من جثامين العائلة المالكة وأهالي الرفاعين وغيرهم رحمهم الله تعالى جميعاً.
في الستينيات، مَّن الله تعالى على البحرين بابن بار بها، هو الأستاذ الصحفي خليفة حسن قاسم التميمي، وتطرق في أحد مقالاته يسأل، أين مثوى أحمد الفاتح؟ هذا القائد العربي الذي أسس الحكم لآل خليفة بمساندة من الأوفياء من أهل البحرين والحلفاء من العتوب، هل من المعقول أن يظل مثواه مجهولاً مع رمزيته الإسلامية والعربية، وإلى متى؟
وللتذكير، فإن المرحوم الأستاذ الأديب خليفة التميمي، اشتهر بمقالاته التي كان يكتبها في الجرائد بعنوان طاش ما طاش، إذا صادك الراش فاعلم إنك خاش باش، وهي مقالات تتسم بالنقد البناء، ثم أنشأ مطبعة خاصة به وأصدر جريدة المسيرة، التي أعطتها الحكومة مساحة من الحرية. مزار الخضر، والخضر هذا قيل إنه الرجل الجليل الذي التقى به سيدنا موسى عليه السلام عند مجمع البحرين، وقيل في الموروث الشعبي البحريني إنه مر بالبحرين في مكان المزار المسمى بالخضر، وترك أثراً من قدميه، وأُتخذ هذا الأثر مزاراً للتبرك بكرامات هذا الرجل الصالح. لكن الحقيقة، التي كُشف عنها من بعد تساؤل الأستاذ خليفة أين ضريح أحمد الفاتح، رُفعت الستائر والحجب، من قبل آل خليفة أهله وعشيرته لأول مرة، وكشف السر المدفون وأن القبر الموجود في هذه البقعة من القضيبية هو قبر جثمان ذلك القائد المتوفى عام 1795، كما يوجد غرب ذلك القبر، قبر الشيخ راشد بن محمد بن خليفة بن سلمان بن احمد آل خليفة - تغمدهما الله بواسع رحمته وأسكنهما فسيح جناته، وانقشعت الغمة، وبانت الحقيقة، وزال المعتقد المتعارف عليه سابقاً بأن هذه التربة مطبوع فيها أثر قدمي الخضر رضي الله عنه واستقرت الحقيقة، وموقع هذا الضريح الى الغرب من سينما أوال بالمنامة، ويجاوره مسجد صغير، وسورت تلك المقبرة الصغيرة الكبيرة في وجدان أهل البحرين، وكتب على ذلك السور من جميع الجهات أحمد، وتوج صاحب السمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة أميرنا الراحل تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، ذكرى القائد الفاتح ببناء صرح إسلامي شامخ سُمي مركز أحمد الفاتح الإسلامي، وأشهر معالم هذا المركز المسجد الأكبر في المملكة، والذي أُحب أن أُنبه عليه أن هذه المقبرة جداً مُهملة من الداخل وتغطيها الحشائش وسعف النخيل الميت، ويجب الاعتناء بهذه الأرض الطاهرة وزراعتها بالورود والأشجار.
قال الشاعر:
نحن أمة إذا مات منا سيد
قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول
* ناشط اجتماعي، ومؤسس نادي اللؤلؤ سابقاً، وعضو مجلس بلدي سابق
لذلك تجد في البحرين الكثير من الأضرحة يقال إنها جثامين علماء دين، أذكر منهم تحديداً لا حصراً، أضرحة الأمير زيد، صعصعة، الشيخ ميثم، الشيخ إبراهيم، الشيخ عبدالعزيز، النبيه صالح، ومزار الخضر، واتخذت هذه الأضرحة مزارات، يشد الرحال إليها للتبرك بها والنذور والطلب من أصحاب هذه الأضرحة تحقيق أمانيهم، مع أن «الخير كله بيد الله والشر ليس إليه»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلاً امرأة لا تحمل من بعد زواج دام سنيناً، أومريض عُدم شفاؤه فترة طويلة، أو زوجان رزقهما الله ذكوراً ويتمنيان بنتاً، أو العكس، أو مظلوم لم يجد من ينصفه، ويكتم اسم من ظلمه عن أهله ومعارفه، ويحفظ في سريرته من اعتدى على جسده أو ماله أو رماه أو طعن في شرفه، والعياذ بالله العظيم، لعل وعسى أن يتوب الظالم ويرجع إلى رشده، مع أن المظلوم في هذه الحالة يصاب بمرض نفسي قد يتحول إلى عضوي أو جسدي، كما أن المظلوم يكابد صراعاً داخلياً، بين أن يبوح أو يكتم، لا خوف على نفسه، فالله يعلم أنه مظلوم، وإنما الخوف على من ظلمه وأهله؟!
وقد تجد في مستشفى الطب النفسي كثيراً من هؤلاء الكاظمين الغيض والعافين عن الناس، لأن الله تعالى وعدهم بمحبته، فاستجابوا لأمره.
بعد انتقال صاحب العظمه حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة إلى جوار ربه، امتلأت مقبرة الحنينية بالثكالى والمحبين لعظمته، ومن حزنهم على فراقه عام 1961، وكنت أنا من بين هؤلاء المكلومين على فراقه، لما له من أيدٍ على البحرين والبحرينيين قاطبة.
مقبرة الحنينية من الشرق تحدها سفوح التلال الشرقية من هضبة الرفاع الشرقي، ومن الشمال تحدها تلال الرفاع الغربي، ومن الغرب أرض منبسطة إلى سفوح تلال الرفاع الغربي، أما من الجنوب فإن أرض هذه المقبرة مفتوحة وتلتقي مع روضة الرفاعين إلى بئر الحنينية الذي حُفر في عهد المغفور له الحاكم سلمان بن أحمد آل خليفة الفاتح المتوفى عام 1821، أي أن الحد الجنوبي والحد الغربي بلا سور، واقترحت حينها تسوير المقبرة من الجهتين، الغربية والجنوبية، وتم ذلك لأن هذه المقبرة تضم في تربتها الطاهرة الكثير من جثامين العائلة المالكة وأهالي الرفاعين وغيرهم رحمهم الله تعالى جميعاً.
في الستينيات، مَّن الله تعالى على البحرين بابن بار بها، هو الأستاذ الصحفي خليفة حسن قاسم التميمي، وتطرق في أحد مقالاته يسأل، أين مثوى أحمد الفاتح؟ هذا القائد العربي الذي أسس الحكم لآل خليفة بمساندة من الأوفياء من أهل البحرين والحلفاء من العتوب، هل من المعقول أن يظل مثواه مجهولاً مع رمزيته الإسلامية والعربية، وإلى متى؟
وللتذكير، فإن المرحوم الأستاذ الأديب خليفة التميمي، اشتهر بمقالاته التي كان يكتبها في الجرائد بعنوان طاش ما طاش، إذا صادك الراش فاعلم إنك خاش باش، وهي مقالات تتسم بالنقد البناء، ثم أنشأ مطبعة خاصة به وأصدر جريدة المسيرة، التي أعطتها الحكومة مساحة من الحرية. مزار الخضر، والخضر هذا قيل إنه الرجل الجليل الذي التقى به سيدنا موسى عليه السلام عند مجمع البحرين، وقيل في الموروث الشعبي البحريني إنه مر بالبحرين في مكان المزار المسمى بالخضر، وترك أثراً من قدميه، وأُتخذ هذا الأثر مزاراً للتبرك بكرامات هذا الرجل الصالح. لكن الحقيقة، التي كُشف عنها من بعد تساؤل الأستاذ خليفة أين ضريح أحمد الفاتح، رُفعت الستائر والحجب، من قبل آل خليفة أهله وعشيرته لأول مرة، وكشف السر المدفون وأن القبر الموجود في هذه البقعة من القضيبية هو قبر جثمان ذلك القائد المتوفى عام 1795، كما يوجد غرب ذلك القبر، قبر الشيخ راشد بن محمد بن خليفة بن سلمان بن احمد آل خليفة - تغمدهما الله بواسع رحمته وأسكنهما فسيح جناته، وانقشعت الغمة، وبانت الحقيقة، وزال المعتقد المتعارف عليه سابقاً بأن هذه التربة مطبوع فيها أثر قدمي الخضر رضي الله عنه واستقرت الحقيقة، وموقع هذا الضريح الى الغرب من سينما أوال بالمنامة، ويجاوره مسجد صغير، وسورت تلك المقبرة الصغيرة الكبيرة في وجدان أهل البحرين، وكتب على ذلك السور من جميع الجهات أحمد، وتوج صاحب السمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة أميرنا الراحل تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، ذكرى القائد الفاتح ببناء صرح إسلامي شامخ سُمي مركز أحمد الفاتح الإسلامي، وأشهر معالم هذا المركز المسجد الأكبر في المملكة، والذي أُحب أن أُنبه عليه أن هذه المقبرة جداً مُهملة من الداخل وتغطيها الحشائش وسعف النخيل الميت، ويجب الاعتناء بهذه الأرض الطاهرة وزراعتها بالورود والأشجار.
قال الشاعر:
نحن أمة إذا مات منا سيد
قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول
* ناشط اجتماعي، ومؤسس نادي اللؤلؤ سابقاً، وعضو مجلس بلدي سابق