في تعليقها على أحد مقالاتي حول بعض الأفكار السلبية التي تهيمن على حياة الإنسان، أرسلت لي إحدى الصديقات القديمات تعليقاً قالت فيه: «تأخر المقال كثيراً، أضعت من عمري عشرين عاماً غارقة في تلك الأفكار التي تحكمت بي طويلاً».

فهمت قصدها.. وحاولت التخفيف عنها، فأجبتها بضحكة، وقلت لها: أنا كنت مثلك، وللتوّ نضجت، وفهمت الحياة، وختمت بضحكة.

وفي مجادلة صاخبة بيني وبين إحدى الصديقات التي تعمل في المحاماة وتترافع في قضايا معقدة، وكان الجدال يدور حول المثليين وقضايا التحول الجنسي، سألتني سؤالاً مازال عالقاً في ذاكرتي: هل أنت امرأة لأن لك جسد امرأة أم لأن عقلك مؤنث؟ سكت برهة وأجبتها: عقلي هو المؤنث. قالت لي: وكذلك هي الحياة، فالإنسان يعيش بعقله وليس بشيء آخر.

ومنذ ذلك اليوم وأنا أتأمل كيف تحركنا عقولنا، وإلى أين تقودنا، وكيف نغفر لعقولنا ما تقترفه في حقنا ونلقي باللائمة على الحلقات الأضعف في حياتنا التي بإمكاننا عقابها والنيل منها انتقاماً لما حصل لنا. أو نلقي باللائمة على ما لا يمكن لأحد محاسبته ومساءلته وتصحيح مساره مثل: القدر.

يقضي الإنسان حياته مثل الراعي الإسباني سنتياغو في رواية الخيميائي لباولو كويلو، يبحث عن سر ما ويبحث عن أسطورته. وحين يصل إلى الطريق الذي يتوقع أنه نهاية الهدف، يقوده الطريق إلى مكان آخر. سنتياغو كان يعي تماماً أنه في رحلة «حقيقية» للبحث عن الأسطورة.

ولكننا في رحلة الحياة لا نعي في كثير من أمور حياتنا إلى أين نسير؟ ولماذا نحن في هذا الطريق؟ ومن هنا ولدت أسئلة القضاء والقدر.

هل نحن مخيرون أو مسيرون فيما جرت عليه مقاديرنا؟ وإن كنا مسيرين فكيف انقادت حياتنا باختيارنا إلى ما لم نختره؟ وكيف نحاسب على ما لم نختره؟ وإن كنا مخيرين فهل يعني هذا أن نُترك وشأننا نواجه مصيرنا في الحياة لوحدنا؟ وهذا باب من الفلسفة ومن اللاهوت لا نهاية للنقاشات التي دارت بشأنه.

وبعيداً عن الغيبيات والماورائيات فإن ما بإمكان الإنسان فهمه والتحكم به بصفته إنساناً محدود الإدراك والقدرات هو أن ثمة مساحة متاحة وبشكل مريح للإنسان كي يصنع قدره بنفسه. وأنه ما دامت الخيارات متوفرة أمام الإنسان فهو المسؤول عما اختاره هو.

وأن أي نتيجة سلبية يتأثر بها الإنسان هي نتاج اختياراته هو، حتى لو تدخل فيه الآخرون، أو تداخلت قضايا شائكة أخرى، فإن مسؤولية من نوع ما تقع على عاتق الإنسان واختياراته.

فإذا ضبط الإنسان عقله وتفكيره في هذا الاتجاه، فإنه لا محالة سيكون أكثر تخطيطاً لحياته وأكثر وعياً في اختياراته وأكثر تفهما لأخطائه، وأكثر تسامحاً مع نفسه.