مرت الصحافة البحرينية في رحلتها العابرة للزمن بعدة منعطفات وأجواء أثرت في تشكيل المشهد الصحافي البحريني، ولعل الريح الأشد التي تعصف بمهنية الصحافة وشرفها هي ريح السوق الإعلاني، التي اخترقت البيئة الصحفية وفرضت قوانينها الخاصة على المهنة.

التمويل يضرب المهنية: يمكن للمتتبع لسيرة العمل الصحافي البحريني أن يلامس التحديات التي مرت بها الصحافة، ومهما كانت القائمة طويلة فالعنوان الأبرز هو التمويل، وهذا التحدي ليس حصراً على مهنة الصحافة، إنما هو تحدٍ رئيس يواجهه أي مشروع إعلامي.

لماذا نتحدث عن التمويل في العمل الصحفي تحديداً؟ وكيف ينعكس التمويل على أداء المؤسسة مهنياً؟ الإجابة بالطبع تكمن في الدور الأساسي والوجودي للصحافة، باعتبارها ركناً أساسياً في بناء الرأي العام وتشكيل الوعي للمجتمعات، نقل الحقائق، ونقد الواقع المعوج لتصويب مساره.

التشريعات تؤكد على فصل الإعلانات عن المواد التحريرية: تنص المادة 42 من قانون الصحافة البحريني على وجوب الفصل بصورة كاملة وبارزة بين المواد التحريرية والإعلانية، وإنّ حاجة الصحف للتمويل جعلتها تمد يدها للمعلنين الذين يتحكمون بشكل غير مباشر في مصداقية الصحف وتوجهاتها، والأدهى من ذلك حقن المواد الإعلانية في جسم المواد الصحفية، والذي يخل بشكل فاضح بنزاهة العمل الصحفي.

لابد من الفصل بشكل واضح وصريح بين المواد الإعلانية والصحفية - لكن العرف السائد حالياً هو الذكاء الإعلاني بتضمين الإعلانات في المواد الصحفية المختلفة - لأن عدم الفصل بين المواد الصحفية والإعلانية سيؤدي لوعي ناقص وصورة مجتزئة للحقيقة، والذي يمس بشكل مباشر بالواجب التنويري للمهنة.

مؤثرو السوشيل ميديا يستحوذون على الإعلانات: ما سبق ليس حديثاً تنظيرياً، إنما معايشة لواقع المهنة، التي تأثرت بشكل كبير بظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وسحب جزء كبير من أموال المعلنين من الصحف إلى المؤثرين ومنصات التواصل المختلفة، مما دفع واقعاً لفراغ تمويلي نسبي تعانيه الصحف، ونضال للاستمرار والوجود رغم كل التحديات.

تنازل غير مبرر: كل ذلك لا يبرر للصحافة التنازل عن مبادئها وقيمها، إنما يدفع بها للبحث عن مصادر تمويلية غير الإعلانات، كالاستثمار في مجالات أخرى باسم المؤسسة والتفكير بطرق إبداعية للخروج من عنق الأزمة.ختاماً، يحجم الإعلان دور الصحافة كمنارة تقود الرأي العام وتشكل الوعي والمعرفة لدى المجتمع، ويشكل تداخل الإعلان والعمل الإعلامي ظاهرة معقدة تتطلب التفكير النقدي الجاد، والمراجعة المهنية.