الأمر الجلي الواضح للجميع، أن حكام البحرين من آل خليفة الكرام منذ الفتح العربي الإسلامي بقيادة القائد المظفر أحمد الفاتح، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، كانوا جميعاً أصحاب نظرة ثاقبة ومتقدمة لما ينتظر هذه الدولة من سباق مع جيرانها، سباق صحي وحضاري وثقافي واجتماعي، وقانوني يحفظ الحقوق للجميع، مع المحافظة على نقاء الدين الإسلامي من أي شائبة، أو انحراف يحرم حلالاً أو يحلل حراماً، نهجهم التآلف والتسامح والحلم والعطف، والعمل الجاد لخير البلاد والعباد، بدعم من جميع شرائح الشعب البحريني، بغض النظر عن دينه أو طائفته أو عرقه، بفلسفة مفادها «المصلحة العامة فوق الجميع دون المساس بحدود الله»، في كتاب ضم بين دفتيه بداية النهضة الحديثة، تناول معده وجامعه ومخرجه الأستاذ عبدالعزيز يوسف أحمد السيد، بعنوان مسيرة وطن، وهو كتاب يؤرخ بالوثائق والصور، الغوص والنفط والمستشفيات والاتصالات والبلديات والتعليم والكهرباء والماء والشرطة والجوازات والقضاء والسينما و الجمعيات والأندية وإنشاء أول جسر في البحرين وهو أول جسر في الخليج، وإحصاء النفوس والمطابع والصحف والمجلات والجريدة الرسمية وإذاعة البحرين والطيران والموانئ والمعارض، وبداية مصانع الثلج، وهو كتاب يحتاجه كل من يعشق تاريخ البحرين الغنية الحبيبة.
وعودة إلى عنوان الموضوع، «صراع بين جيلين، والسبب السينما»، الحديث الذي أعنيه، ليس جيل من سبقنا والذين عاصروا أول توجه إلى إدخال السينما إلى البحرين، يقول السيد عبدالعزيز: «أول من تقدم لطلب ترخيص لفتح دار للسينما في البحرين هو علي بن أحمد يتيم وشركاؤه في 29-8-1927، وتم منحهم الترخيص في 20-9-1927 بشروط، وأثار هذا الترخيص جدلاً واحتجاجاً من قبل رجال الدين والمواطنين، وعلى رأسهم القاضي الرئيس قاسم المهزع، والقاضي عبداللطيف بن محمد آل سعد «رحمهما الله تعالى»، وأكتفي بهذا القدر، ولمن أراد الازدياد، فليراجع هذا الكتاب القيم.
الذي أريد نقله لكم، حدث في جيلنا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي في فريق الشيوخ بالمنامة «فريق بوصرة».
أما أشهر المساجد في فريق الشيوخ «بوصرة» مسجد خليل بوقبابة، ومؤسسه الجد الأكبر لفضيلة القاضي حمد بن سامي بن حسين بن راشد بن فضل الدوسري، وإمامه كان فضيلة الشيخ عيسى الشنو ثم الشيخ عبدالرحمن عيسى ثم عبدالله عبدالرحمن الشنو رحمهم الله تعالى، ومسجد بوصرة – إسمه كان مسجد الدواسر – وإمامه فضيلة المرحوم محمد بن جمعان «بوخليفة» رحمه الله تعالى، ومسجد سوق اللحم الغربي - وإمامه الحباب المهزع -، ومسجد الشيخ محمد بن أحمد الخليفة، ومسجد الحار الذي أسسته عائلة آل نشابة، ومسجد قاسم المهزع إلى الشرق من بلدية المنامة القديمة، أما أشهر وأكبر المساجد فهو جامع الشيخ علي بن خليفة آل خليفة الأكبر – حكم من عام 1867-1869 – قصره بلدية المنامة القديمة، والد الحاكم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بادئ النهضة الحديثة في البحرين.
في شهر رمضان من كل عام، تكون المنافسة على أشدها في استقطاب عباد الرحمن، خاصة في صلاة العشاء والتراويح، وسنة التراويح 20 ركعة، والشفع والوتر، إذ إن مسجدي الشيخ عبدالرحمن الشنو والشيخ محمد جمعان، يغصان بالمصلين خاصة من الشباب والصغار – لم يكن في ذلك الزمان مكان مخصص للنساء في المساجد، وهن يصلين في بيوتهن-.
لاحظ المرحوم الشيخ محمد جمعان أن عدد الشباب قل عن السنوات الماضيات، وسأل ابنه البكر خليفة – وهو أصغر مني سناً – عن السبب، فرد عليه، إنهم يسارعون إلى سينما الزياني البرية – قبل الزحف السكاني إلى القضيبية – حتى لا يفوتهم شريط النشرة الإخبارية التي يقدمها الإعلامي منير شما، وفقرات من الأغاني والرقص، مختارة من بعض الأفلام العربية المصرية، قبل عرض الفيلم الرئيس «سَنبل».
الشيخ محمد جمعان طلب إلى ابنه خليفة وآخرين وكنت منهم، بدعوة الشباب لحضور صلاة العشاء والتراويح الليلة القابلة.
وفعلاً حضرنا وتجمعنا عند باب المسجد الجنوبي، وأطل علينا وهو واقف عند الباب، شيوخ الفريق والذين اكبر منا سناً، سألوا الشيخ محمد جمعان: «إيش صاير؟»، أجاب: «سمعوا يا شباب، الساعة كم يبدأ الفيلم؟» رد عليه أحدنا الساعة كذا، قال للجميع تعالوا وصلوا معي العشاء والتراويح، وأضمن لكم أنكم ستدخلون السينما قبل بدء العرض، وقاطعه رجل وقور وملتزم: «يا شيخ محمد، تريد تساعدهم على هواهم؟»، رد عليه: «لا اريد لأبنائكم إلا المحافظة والمواظبة على الصلاة في أوقاتها وفي المساجد، أتريدونهم يتعودون على ترك الصلاة؟، أنا سأقدم الصلاة عشر دقائق فقط عن الوقت المعتاد للتراويح». وأصر الآباء على عدم تقديم صلاة التراويح عشر دقائق رأفة بكبار السن والعجزة، لكن نظرة الشيخ محمد جمعان تغلبت على المعارضين، ثم وجه كلامه إلى الشباب: «تعوذوا من الشيطان الرجيم واستعدوا لصلاتكم»، وفعلاً استجاب الشباب ودخلوا المسجد وأدوا فرضهم والتراويح، ومن ثم توجهوا إلى سينما الزياني وحجزوا كراسيهم قبل العرض، والذي أحب أن أقوله، إن الشيخين عبدالرحمن الشنو ومحمد جمعان معروف عنهما عدم التشدد وهاجسهم الوسطية دون إفراط ولا تفريط، رحمهما الله تعالى وأسكنهما فسيح جناته.
* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي
{{ article.visit_count }}
وعودة إلى عنوان الموضوع، «صراع بين جيلين، والسبب السينما»، الحديث الذي أعنيه، ليس جيل من سبقنا والذين عاصروا أول توجه إلى إدخال السينما إلى البحرين، يقول السيد عبدالعزيز: «أول من تقدم لطلب ترخيص لفتح دار للسينما في البحرين هو علي بن أحمد يتيم وشركاؤه في 29-8-1927، وتم منحهم الترخيص في 20-9-1927 بشروط، وأثار هذا الترخيص جدلاً واحتجاجاً من قبل رجال الدين والمواطنين، وعلى رأسهم القاضي الرئيس قاسم المهزع، والقاضي عبداللطيف بن محمد آل سعد «رحمهما الله تعالى»، وأكتفي بهذا القدر، ولمن أراد الازدياد، فليراجع هذا الكتاب القيم.
الذي أريد نقله لكم، حدث في جيلنا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي في فريق الشيوخ بالمنامة «فريق بوصرة».
أما أشهر المساجد في فريق الشيوخ «بوصرة» مسجد خليل بوقبابة، ومؤسسه الجد الأكبر لفضيلة القاضي حمد بن سامي بن حسين بن راشد بن فضل الدوسري، وإمامه كان فضيلة الشيخ عيسى الشنو ثم الشيخ عبدالرحمن عيسى ثم عبدالله عبدالرحمن الشنو رحمهم الله تعالى، ومسجد بوصرة – إسمه كان مسجد الدواسر – وإمامه فضيلة المرحوم محمد بن جمعان «بوخليفة» رحمه الله تعالى، ومسجد سوق اللحم الغربي - وإمامه الحباب المهزع -، ومسجد الشيخ محمد بن أحمد الخليفة، ومسجد الحار الذي أسسته عائلة آل نشابة، ومسجد قاسم المهزع إلى الشرق من بلدية المنامة القديمة، أما أشهر وأكبر المساجد فهو جامع الشيخ علي بن خليفة آل خليفة الأكبر – حكم من عام 1867-1869 – قصره بلدية المنامة القديمة، والد الحاكم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بادئ النهضة الحديثة في البحرين.
في شهر رمضان من كل عام، تكون المنافسة على أشدها في استقطاب عباد الرحمن، خاصة في صلاة العشاء والتراويح، وسنة التراويح 20 ركعة، والشفع والوتر، إذ إن مسجدي الشيخ عبدالرحمن الشنو والشيخ محمد جمعان، يغصان بالمصلين خاصة من الشباب والصغار – لم يكن في ذلك الزمان مكان مخصص للنساء في المساجد، وهن يصلين في بيوتهن-.
لاحظ المرحوم الشيخ محمد جمعان أن عدد الشباب قل عن السنوات الماضيات، وسأل ابنه البكر خليفة – وهو أصغر مني سناً – عن السبب، فرد عليه، إنهم يسارعون إلى سينما الزياني البرية – قبل الزحف السكاني إلى القضيبية – حتى لا يفوتهم شريط النشرة الإخبارية التي يقدمها الإعلامي منير شما، وفقرات من الأغاني والرقص، مختارة من بعض الأفلام العربية المصرية، قبل عرض الفيلم الرئيس «سَنبل».
الشيخ محمد جمعان طلب إلى ابنه خليفة وآخرين وكنت منهم، بدعوة الشباب لحضور صلاة العشاء والتراويح الليلة القابلة.
وفعلاً حضرنا وتجمعنا عند باب المسجد الجنوبي، وأطل علينا وهو واقف عند الباب، شيوخ الفريق والذين اكبر منا سناً، سألوا الشيخ محمد جمعان: «إيش صاير؟»، أجاب: «سمعوا يا شباب، الساعة كم يبدأ الفيلم؟» رد عليه أحدنا الساعة كذا، قال للجميع تعالوا وصلوا معي العشاء والتراويح، وأضمن لكم أنكم ستدخلون السينما قبل بدء العرض، وقاطعه رجل وقور وملتزم: «يا شيخ محمد، تريد تساعدهم على هواهم؟»، رد عليه: «لا اريد لأبنائكم إلا المحافظة والمواظبة على الصلاة في أوقاتها وفي المساجد، أتريدونهم يتعودون على ترك الصلاة؟، أنا سأقدم الصلاة عشر دقائق فقط عن الوقت المعتاد للتراويح». وأصر الآباء على عدم تقديم صلاة التراويح عشر دقائق رأفة بكبار السن والعجزة، لكن نظرة الشيخ محمد جمعان تغلبت على المعارضين، ثم وجه كلامه إلى الشباب: «تعوذوا من الشيطان الرجيم واستعدوا لصلاتكم»، وفعلاً استجاب الشباب ودخلوا المسجد وأدوا فرضهم والتراويح، ومن ثم توجهوا إلى سينما الزياني وحجزوا كراسيهم قبل العرض، والذي أحب أن أقوله، إن الشيخين عبدالرحمن الشنو ومحمد جمعان معروف عنهما عدم التشدد وهاجسهم الوسطية دون إفراط ولا تفريط، رحمهما الله تعالى وأسكنهما فسيح جناته.
* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي