شكلت التوقعات الاجتماعية أساساً لتحديد أدوار كل من المرأة والرجل في مجال تقنية المعلومات، فجعلت النوعين مختلفين وظيفياً، واضعة الرجل في المركز، وموضع السيادة، بينما أعطت للمرأة دوراً ثانوياً، وأقل أهمية، فبغض النظر عن مستوى الذكاء والقدرات تجد المرأة نفسها محكومة بتوقعات اجتماعية تحدد مساراتها الوظيفية والمناصب التي تشغلها، وتقيد نوعية المهام والفرص التدريبية التي تحصل عليها، وتشكل سلوكيات الآخرين معها داخل العمل، لذلك نجد النساء العاملات في مجال تقنية المعلومات تتمركز بشكل بارز في وظائف ذات مسؤوليات محدودة ونشاطات ضمن إمكانياتها المتوقعة اجتماعياً، ولم يصل منهن إلا عدد قليل جداً إلى مناصب قيادية وهامة، الأمر الذي قاد إلى ضعف انخراط المرأة وقيّد الدور الذي تلعبه في المجال، ولا ينظر إلى هذه المسألة المنتشرة في العديد من الدول بنسب متباينة على أنها «مشكلة نسائية»، بل هي مشكلة مرتبطة بالقطاع والصناعة ككل، متمثلة في عدم تنوع المهارات وغياب رؤية المرأة وإبداعها ونقص الطاقات البشرية المؤهلة في قطاع تقنية المعلومات.
وفي مملكة البحرين، نجد أن إجمالي عدد الخريجين الإناث من كليات تقنية المعلومات يفوق الذكور بنسبة تقارب 20% سنوياً على مدى العشر سنوات الماضية، إلا أن هذا التفوق لا يحتل مكانته في سوق العمل، حيث شهدت مهن تقنية المعلومات تراجعاً في نسبة الإناث من 41% في عام 2009 إلى 32% عام 2019 بناء على البيانات المعلنة، الأمر الذي يعني عدم الاستفادة بشكل كامل من المؤهلات العلمية المتاحة والطاقات البشرية المعدة للعمل في القطاع، كما يبرر سبب ارتفاع العمالة الأجنبية حيث بلغت نسبتها 71% من أصل العدد الإجمالي لموظفي تقنية المعلومات «2017».
وقد دلت الدراسات المتعمقة في موضوع المرأة ومجال تقنية المعلومات على أن المرأة تواجه تحديات ناتجة عن أمرين، أولهما، افتقار التمثيل المتوازن بين الجنسين وهيمنة الذكور في الوظائف القيادية وذات الأهمية القصوى بالمجال، يعزز التصور الذهني الشائع في المجتمع بأن الرجل هو المرشح المثالي لهذه الوظائف حتى لو كانت المرأة هي الأكفأ، ويشكل عائقاً أمام احتمالية تقدم المرأة الوظيفي لمستويات عليا في مجال تقنية المعلومات.
وعلى سبيل المثال، ترى مجموعة من نساء بحرينيات استطعن الوصول إلى مناصب قيادية في مجال تقنية المعلومات واللاتي تمت مقابلتهن خلال إجرائي دراسة دكتوراه حول موضوع المرأة وتقنية المعلومات في جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، بأن تفضيل الرجل على المرأة في شغل الوظائف الهامة والقيادية راجع إلى سهولة الوصول إلى الرجل وإمكانية تواجده بصفة دائمة في العمل، فمن الشائع جداً في المجال حدوث إشكالات طارئة تقتضي ساعات عمل طويلة أو متأخرة أو تصادف أيام عطل، في حين من المتوقع اجتماعياً عدم استطاعة المرأة العمل لساعات طويلة بشكل يومي، وصعوبة التواصل معها خارج أوقات الدوام أو إلزامها على التواجد في الأوقات المتأخرة، بالإضافة إلى توقع اضطرارها لأخذ إجازات أمومة طويلة وعدم تخليها عن ساعتي الرعاية اليومية.
وفي المقابل نجد أن دور المرأة يقتصر على شغل وظائف مساندة وذات متطلبات لا تخالف التوقعات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة، فمثلاً تتمركز غالبية النساء العاملات في مجال تقنية المعلومات في البحرين في وظائف التحليل والتصميم والتطوير والبرمجة وتشغيل نظم المعلومات، والسبب حسب اعتقاد المشاركات في الدراسة، أن نوعيتها أكثر ملاءمة لطبيعة الأنثى ومراعاة لخصوصيتها وظروفها، لكونها لا تعتمد إلا على القدرة العقلية واستخدام البرامج الحاسوبية، ولا تستوجب القيام بعمل هندسي أو يدوي كحمل الأجهزة أو توصيل الكابلات أو التواصل الدائم مع الإدارات ومزودي الخدمات، كما في وظائف الشبكات والدعم الفني التي صنفوها ضمن المهام الذكورية.
أما الأمر الثاني فيتمثل في أن هيمنة الرجال في شبكات العلاقات الاجتماعية الفاعلة في مجال تقنية المعلومات تحد من قدرة انخراط واستفادة المرأة بها على صعيد العمل، لكون يميل كل من المرأة والرجل فطرياً إلى التواصل الاجتماعي مع نفس جماعة جنسه، فتواجه المرأة استبعاداً وصعوبة في التفاعل وتكوين روابط اجتماعية مع دائرة الأفراد المهمين كالخبراء المتخصصين بالمجال وذوي النفوذ والتأثير في إطار العمل حيث يشكل الذكور غالبيتها، والتي تعتبر ضرورية لاكتساب الفرص العملية والتدريبية والتبادل المعلوماتي والحصول على الدعم والتوجيه اللازم لتحقيق إنجازات بارزة وإحراز تقدم وظيفي.
ويترتب على تلك التحديات، والتي تختلف شدة تأثيرها تبعاً للظروف المحيطة التي تعايشها المرأة بشكل فردي وقدراتها الشخصية، الشعور بأن المرأة أقل من الرجل ولا تصل أساليب عملها الأنثوية إلى مستوى قوة وقدرة الأساليب الذكورية في مجال تقنية المعلومات، واكتفائها، سواء أكان ذلك بوعي منها أو دون وعي، بالتصرف والاختيار والعمل ضمن مسارات منسجمة مع التوقعات الاجتماعية لسلوكياتها وإمكانياتها كامرأة عاملة في المجال.
ونظراً لأهمية مجال تقنية المعلومات كونه محركاً أساسياً لعملية التنمية، ودعماً لشعار هذا العام المرأة في مجال التعليم العالي وعلوم المستقبل التي ستعتمد على مستجدات التقنية المالية والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وغيره، أشير إلى ضرورة إيجاد سياسات هادفة إلى رفع مستوى الدور الذي تلعبه المرأة في مجال تقنية المعلومات، وإجراء مبادرات تساعد في توجيه التفكير إلى الاتجاه الذي يتم فيه الحكم على قدرات وإمكانيات المرأة بشكل فردي وغير مبني على ما تفرضه التوقعات المسبقة والعامة بشأن قدرتها في المجال، وتوعية المرأة، سواء في المرحلة الجامعية أو العملية، بالتحديات الاجتماعية الممكن مواجهتها في مجال تقنية المعلومات وبيان تأثيرها السلبي وكيفية التعاطي معها، لحثها على إعادة تقييم إدراكها لمحيطها وجعلها أكثر قدرة على إثبات قدراتها والتعامل مع تحدياته الخاصة، وذلك بالاستعانة بالدراسات المتعمقة وخبرة النساء البحرينيات اللاتي استطعن الوصول إلى مناصب قيادية وعليا في المجال.
{{ article.visit_count }}
وفي مملكة البحرين، نجد أن إجمالي عدد الخريجين الإناث من كليات تقنية المعلومات يفوق الذكور بنسبة تقارب 20% سنوياً على مدى العشر سنوات الماضية، إلا أن هذا التفوق لا يحتل مكانته في سوق العمل، حيث شهدت مهن تقنية المعلومات تراجعاً في نسبة الإناث من 41% في عام 2009 إلى 32% عام 2019 بناء على البيانات المعلنة، الأمر الذي يعني عدم الاستفادة بشكل كامل من المؤهلات العلمية المتاحة والطاقات البشرية المعدة للعمل في القطاع، كما يبرر سبب ارتفاع العمالة الأجنبية حيث بلغت نسبتها 71% من أصل العدد الإجمالي لموظفي تقنية المعلومات «2017».
وقد دلت الدراسات المتعمقة في موضوع المرأة ومجال تقنية المعلومات على أن المرأة تواجه تحديات ناتجة عن أمرين، أولهما، افتقار التمثيل المتوازن بين الجنسين وهيمنة الذكور في الوظائف القيادية وذات الأهمية القصوى بالمجال، يعزز التصور الذهني الشائع في المجتمع بأن الرجل هو المرشح المثالي لهذه الوظائف حتى لو كانت المرأة هي الأكفأ، ويشكل عائقاً أمام احتمالية تقدم المرأة الوظيفي لمستويات عليا في مجال تقنية المعلومات.
وعلى سبيل المثال، ترى مجموعة من نساء بحرينيات استطعن الوصول إلى مناصب قيادية في مجال تقنية المعلومات واللاتي تمت مقابلتهن خلال إجرائي دراسة دكتوراه حول موضوع المرأة وتقنية المعلومات في جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، بأن تفضيل الرجل على المرأة في شغل الوظائف الهامة والقيادية راجع إلى سهولة الوصول إلى الرجل وإمكانية تواجده بصفة دائمة في العمل، فمن الشائع جداً في المجال حدوث إشكالات طارئة تقتضي ساعات عمل طويلة أو متأخرة أو تصادف أيام عطل، في حين من المتوقع اجتماعياً عدم استطاعة المرأة العمل لساعات طويلة بشكل يومي، وصعوبة التواصل معها خارج أوقات الدوام أو إلزامها على التواجد في الأوقات المتأخرة، بالإضافة إلى توقع اضطرارها لأخذ إجازات أمومة طويلة وعدم تخليها عن ساعتي الرعاية اليومية.
وفي المقابل نجد أن دور المرأة يقتصر على شغل وظائف مساندة وذات متطلبات لا تخالف التوقعات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة، فمثلاً تتمركز غالبية النساء العاملات في مجال تقنية المعلومات في البحرين في وظائف التحليل والتصميم والتطوير والبرمجة وتشغيل نظم المعلومات، والسبب حسب اعتقاد المشاركات في الدراسة، أن نوعيتها أكثر ملاءمة لطبيعة الأنثى ومراعاة لخصوصيتها وظروفها، لكونها لا تعتمد إلا على القدرة العقلية واستخدام البرامج الحاسوبية، ولا تستوجب القيام بعمل هندسي أو يدوي كحمل الأجهزة أو توصيل الكابلات أو التواصل الدائم مع الإدارات ومزودي الخدمات، كما في وظائف الشبكات والدعم الفني التي صنفوها ضمن المهام الذكورية.
أما الأمر الثاني فيتمثل في أن هيمنة الرجال في شبكات العلاقات الاجتماعية الفاعلة في مجال تقنية المعلومات تحد من قدرة انخراط واستفادة المرأة بها على صعيد العمل، لكون يميل كل من المرأة والرجل فطرياً إلى التواصل الاجتماعي مع نفس جماعة جنسه، فتواجه المرأة استبعاداً وصعوبة في التفاعل وتكوين روابط اجتماعية مع دائرة الأفراد المهمين كالخبراء المتخصصين بالمجال وذوي النفوذ والتأثير في إطار العمل حيث يشكل الذكور غالبيتها، والتي تعتبر ضرورية لاكتساب الفرص العملية والتدريبية والتبادل المعلوماتي والحصول على الدعم والتوجيه اللازم لتحقيق إنجازات بارزة وإحراز تقدم وظيفي.
ويترتب على تلك التحديات، والتي تختلف شدة تأثيرها تبعاً للظروف المحيطة التي تعايشها المرأة بشكل فردي وقدراتها الشخصية، الشعور بأن المرأة أقل من الرجل ولا تصل أساليب عملها الأنثوية إلى مستوى قوة وقدرة الأساليب الذكورية في مجال تقنية المعلومات، واكتفائها، سواء أكان ذلك بوعي منها أو دون وعي، بالتصرف والاختيار والعمل ضمن مسارات منسجمة مع التوقعات الاجتماعية لسلوكياتها وإمكانياتها كامرأة عاملة في المجال.
ونظراً لأهمية مجال تقنية المعلومات كونه محركاً أساسياً لعملية التنمية، ودعماً لشعار هذا العام المرأة في مجال التعليم العالي وعلوم المستقبل التي ستعتمد على مستجدات التقنية المالية والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وغيره، أشير إلى ضرورة إيجاد سياسات هادفة إلى رفع مستوى الدور الذي تلعبه المرأة في مجال تقنية المعلومات، وإجراء مبادرات تساعد في توجيه التفكير إلى الاتجاه الذي يتم فيه الحكم على قدرات وإمكانيات المرأة بشكل فردي وغير مبني على ما تفرضه التوقعات المسبقة والعامة بشأن قدرتها في المجال، وتوعية المرأة، سواء في المرحلة الجامعية أو العملية، بالتحديات الاجتماعية الممكن مواجهتها في مجال تقنية المعلومات وبيان تأثيرها السلبي وكيفية التعاطي معها، لحثها على إعادة تقييم إدراكها لمحيطها وجعلها أكثر قدرة على إثبات قدراتها والتعامل مع تحدياته الخاصة، وذلك بالاستعانة بالدراسات المتعمقة وخبرة النساء البحرينيات اللاتي استطعن الوصول إلى مناصب قيادية وعليا في المجال.