حين أدخل الرحالة والمستشرقون الأوائل كتاب ألف ليلة وليلة إلى أوروبا، تشكلت الصورة النمطية الحالية عن العرب وعن الشرق عامة. فقد وجد الكتاب رواجاً كبيراً لما احتواه من قصص مثيرة ومذهلة. فصار كتاب السمر والسهر والسفر. ومرجعاً ثقافياً، شبه واقعي، عن حياة المشرقيين وأنماط عيشهم في أذهان الأوروبيين.

في القرن السابع عشر، تقريباً، وبفعل كتاب ألف ليلة وليلة، كواحد من الأسباب، صار الغرب ينظر إلى دول الشرق باعتبارها بلاد السحر والأساطير والجواهر والبخور والنساء القابعات خلف الحجب والقصور، بلاد الجواري والعبيد والصراعات التقليدية على السلطة والعروش. كانت الدول الأوروبية في ذلك الوقت تعيش مرحلة التوسع الإمبراطوري خارج حدودها الرسمية. فنشطت الرحلات الاستكشافية وبدأت الطموحات الاستعمارية، بالتزامن مع انطلاق النهضات الثقافية والعلمية داخل أوروبا. هذا الواقع الأوربي لم يتوافق مع حالة الانحطاط الحضاري التي كان الشرق يعيشها في الفترة الزمنية ذاتها. مما رسخ أكثر فأكثر صورة حكايات ألف ليلة وليلة عن الشرقيين في أذهان الغرب الاستعماري.

العودة المتكررة من الغرب لإنتاج أفلام مستمدة من قصص ألف ليلة وليلة مثل قصة علاء الدين تدل أن هذا الغرب مازال مغرماً بذلك الشرق القديم. مازال الغرب مهجوساً بالأحياء التقليدية الضيقة التي يخرج منها شاب محتال تقع الأميرة في غرامه. ثم يشاركها الصراع على عرش أبيها، ولا يتمكن من الظفر إلا بمساعدة عفريت المصباح والبساط الطائر. فنحن الشرقيون في نظر الغرب ما نزال نكابد الطبقيات ولا ننتصر إلا بالسحر والخرافة.

هذه الصورة النمطية تختلف،على سبيل المثال عن صورة أفريقيا التي رسمها فلم الفهد الأسود (Black Panther) حيث تشكلت حضارة تقنية متقدمة في أفريقيا تمكن من خلالها الأبطال الحفاظ على بلادهم. فكانت مشاهد العجائبيات مستمدة من الخيال العلمي والتقدم التكنولوجي لا من السحر والأساطير.

في واقع الحال ليست السينما الغربية هي من يكرس قيم ألف ليلة وليلة في المخيال العالمي عن العرب والشرقيين. فكذلك الدراما والسينما العربيتين يضجان بالصور المفزعة عن العربي التي كثيراً ما نشعر أنها بعيدة عن الواقع العام وتمثل تكبيراً بعدسة غير موضوعية لواقع المهمشين والعشوائيين وسكان قاع المجتمع. الأعمال الدرامية والسينمائية العربية التي تم إنتاجها في السنوات العشر الأخيرة، على الأقل، تركز على الاستغلال البشع للنساء ومعاناتهن، وتبرز مظاهر ثراء فاحش لا يعرفه ثمانون بالمائة من العرب. وتناقش قضايا الصراع على المال والنفوذ التي لا يتورع أفرادها عن القتل والتعذيب وغيرها من الممارسات القاسية غير المعتادة في المجتمعات السوية. ولا تخلو تلك الأعمال من البذاءات والألفاظ النابية والمشاهد الخارجة عن اللياقة. أليست كل تلك المظاهر امتداداً «للثيمة» الأصلية لقصص ألف ليلة وليلة؟

الطبقة الوسطى قبل أن تضمحل من الواقع الاجتماعي والاقتصادي، قد اختفت من الدراما والسينما العربية. اختفت الأعمال التي يقوم ببطولتها المعلمون والأطباء والمهندسون، وسائقو سيارات الأجرة وعمال المصانع والفلاحون. وصارت الأعمال المفروضة علينا تحكي لنا قصص أباطرة الأموال والسلطة من رجال الأعمال والمتنفذين، الذين يلبسون أفخر الملابس ويسكنون القصور ويتحدثون بلغة الملايين والمليارات. في مقابل قصص الراقصات وسكان العشوائيات ممن تنخرهم المخدرات والانحلال ويخوضون في صنوف الجرائم للتحرر من فقرهم وحرمانهم.

هذا الكم الهائل من الصور والأفكار العجيبة الغربية عن مجتمعاتنا تحشرنا في زاوية الأسئلة الحرجة التي لا نعرف لها إجابات دقيقة بسبب الكم الأكبر من التناقضات التي يعيشها مجتمعنا. فهل نحن فعلاً كذلك كما تمثلنا الأعمال الدرامية والسينمائية العربية والغربية؟ أم أننا لسنا أكثر من سلعة استهلاكية يجري بلورة أزماتها وتضخيمها وتسويقها لتجني شركات الإنتاج ومن آلامنا وأحزاننا ملايين ومليارات الدولارات؟ أم أنه يراد لنا أن نكون كذلك... امتداداً لحكايات ألف ليلة وليلة؟