في كل يوم نسمع عن زيادة أعداد العاطلين عن العمل من كافة التخصصات المهمة والنادرة والحساسة والمطلوبة. فهناك جيوش العاطلين عن العمل من الأطباء - كما تناولنا ملفهم في أكثر من مقال بكل إسهاب - والمهندسين والطيارين والمحاسبين والمعلمين وغيرهم الكثير، ولأن الحلول ليست كلها جادة فإن مسألة البطالة تتوسع رقعتها وتتمدد مع تخرج أفواج جديدة وكبيرة من كافة التخصصات المذكورة في كل عام.

نحن نعتقد أن جزءاً كبيراً من هذه الأزمة -أزمة البطالة- يقع سببها في عدم معالجة الملف منذ بدايته بشكل جاد ومتكامل وصحيح. فبعض المسؤولين السابقين تركوا الحبل على الغارب وتهاونوا بشكل غريب في معالجة هذا الملف الوطني الذي كان صغير الحجم وقتها، وبسبب ذلك السلوك الإداري الخاطئ تمدد هذا الملف حتى طال كل التخصصات دون استثناء وزادت أعداد الباحثين عن العمل.

في ملف توظيف الأطباء مثلاً، كان للمسؤولين السابقين عن قسم التدريب المسؤولية الكبرى في وصول ملفهم للمرحلة الحرجة. بكل تأكيد فإن أولئك المسؤولين غادروا الوزارة لكن مازالت قراراتهم الخاطئة تكلف وزارة الصحة الكثير من الهموم العالقة، بل أن بعض المسؤولين الحاليين يرمون باللوم على من سبقوهم من المسؤولين السابقين باعتبارهم المسؤول الأول عن هذه الفوضى الحاصلة، وكذلك ينسحب هذا الفهم على بقية التخصصات والمؤسسات الحكومية الأخرى!

من هنا، بات على المسؤول الحالي الذي جاء للمنصب أن يعالج التركة الثقيلة التي أورثها المسؤول الذي غادر الوزارة بدل أن يعمل لتطوير المؤسسة الرسمية ويخطط لمستقبلها، وهذا يعني إضاعة الوقت والجهد على أمور كان يُفترض أنها غير موجودة في جدول عمله، بل بات كل همّ المسؤولين الحاليين هو كيفية معالجة كوارث من سبقهم، وعلى رأس تلكم الكوارث هو معالجة ملف العاطلين عن العمل.

قبل أيام بسيطة طالعتنا الصحف المحلية عن وجود أكثر من 450 مهندساً عاطلين عن العمل من البحرينيين، لنصطدم مرة أخرى برقم مفزع للغاية في مجال تخصص آخر كان بالإمكان أن يكون أفضل مما هو عليه اليوم. فالهندسة من التخصصات المطلوبة جداً على مستوى العالم، لكن في البحرين أصبح المهندس لا يتمتع بهذه الخصوصية والهيبة، والسبب، هو في عدم توظيف كمية معقولة داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزراة الأشغال التي كانت تماطل في فترة من فتراتها حول مسائل التوظيف حتى تمدد العدد لمستويات خطيرة.

وزارة التربية تتحمل جزءاً من هذا الملف باعتبارها من يملك مخرجات التعليم، كما تتحمل وزارة العمل مسؤولية النهوض بسوق العمل لمستويات تقلل من خلالها نسبة الباحثين عن العمل بمشاريع جادة وليست صورية عبر معارض توظيف باردة ومملة، كما أن ديوان الخدمة المدنية يتحمل كذلك جزءاً من المسؤولية مع بعض مؤسسات الدولة في عدم توفير وظائف شاغرة ومتاحة في وقتها مما جعل أعداد العاطلين عن العمل تكبر وتتضخم بشكل لافت. كما لا يمكن أيضاً تبرئة القطاع الخاص من حمل مسؤولية التوظيف بسبب سوء إدارته هذا الملف الثقيل بطريقة غير وطنية وعبر إرادة غير صادقة.

ما نراه اليوم، هو نتاج الأمس، فالآن سيكون قَدَر المسؤولين الحاليين -الله يعينهم- معالجة أخطاء أسلافهم، فهل سينجحون في ذلك؟ أم سيزيدون الطين بلَّة في حال استمروا في ذات السياق؟