شهد العالم خلال القرن الماضي إقبالاً متزايداً ومشاركة واسعة في ازدهار حرية التجارة وانتشار ظاهرة العولمة. ولا شك في أن عوامل كثيرة لعبت دوراً هاماً في تطور وتوسع هذه الظاهرة على صعيد معظم دول العالم، إن لم يكن جميعها، خاصة خلال الثلاثين سنة الماضية. ويمكن القول إن هذا التطور جاء متلازماً مع تبني كثير من دول العالم نظام الاقتصاد الحر، خاصة على إثر فشل الشيوعية في نهاية الثمانينات حيث انتشر نظام حرية السوق، كما تم إنشاء المؤسسات والمنظمات التي تروج وتشجع على حرية التجارة وفتح الأسواق وإزالة الحواجز والعقبات أمام حركة البضائع والسلع، وكذلك أمام حركة وانتقال الأفراد والمؤسسات، الأمر الذي ترتب عليه انتقال عدد كبير من الأفراد للعمل خارج دولهم، كما أصبح للمؤسسات والشركات خيارات كثيرة للعمل خارج موطنها الأصلي. ويعتبر إنشاء منظمة التجارة العالمية خلال فترة التسعينات منعطفاً هاماً في مجال حرية التجارة وانتشار ظاهرة العولمة.
وقد استفادت دول عديدة من العالم من هذا الانفتاح، خاصة الدول النامية التي -من خلال ما تملكه من مزايا نسبية كالأيدي العاملة الرخيصة وكلفة المواد الأولية والطاقة المنخفضة بالإضافة إلى الانخفاض النسبي في الضرائب لديها- استطاعت التوسع في الإنتاج الذي اعتمد في جانب كبير منه على التصدير إلى الأسواق العالمية التي أصبحت مفتوحة، وفقاً لحرية التجارة ونظام عولمة الأنشطة الاقتصادية.
وبالرغم من بعض المشاكل التي أثيرت كنتيجة للانفتاح والعولمة مثل خسارة بعض الوظائف لدى الدول المتقدمة، نظراً لارتفاع تكاليف العمالة لديها، إلا أن ذلك لم ينسحب على جميع القطاعات بل اقتصر على بعض الأنشطة التقليدية، خاصة تلك التي يشغلها عمال غير مهرة ومن ذوي التعليم غير المرتفع. وعلى العكس فإن كثيراً من الدول النامية استطاعت من خلال حرية وتحسين بيئة الاستثمار أن تستقطب استثمارات أجنبية كبيرة، حيث نقلت كثير من شركات الدول الصناعية جزءاً هاماً من أعمالها إلى الدول النامية لرخص تكاليف الإنتاج، وقد حققت الدول النامية تحسناً كبيراً في معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى الدخل، وتحسناً في الوضع المعيشي والوظيفي لعدد كبير من سكانها، الأمر الذي ساعد على انتشال مناطق عدة من هذه الدول من مستوى الفقر الذي عاشته لسنوات طويلة.
بل إن بعض هذه الدول أصبحت تنافس الدول المتقدمة ليس على صعيد المنتجات الصناعية فقط، ولكن أيضاً على صعيد التكنولوجيا والصناعات المتقدمة كذلك.
إلا أنه، مع ذلك وعلى ضوء تزايد النزعات الشعبوية، أصبحت بعض الدول، وخاصة المتقدمة، تسعى لتغليب مصلحتها فوق مصلحة الآخرين، الأمر الذي من شأنه إحداث ردات فعل سلبية لدى الدول الأخرى، مما من شأنه التراجع في مجال حرية التجارة والنزوح من جديد إلى تبني سياسات الحماية ووضع الحواجز والعراقيل أمام التجارة العالمية. وما نشهده اليوم من توتر في العلاقات التجارية بين أمريكا والصين، ما هو إلا أكبر تهديد لحرية التجارة وللعلاقات الاقتصادية الدولية بشكل عام، حيث إن هذا التوتر انعكس فعلياً على الأسواق المالية، كما أنه انعكس سلبياً على حجم التجارة بين الصين وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا، حيث إن كثيراً من المنتجين في الصين وكذلك في بعض دول شرق آسيا، قد توقفوا عن شراء المعدات والأجهزة الألمانية تخوفاً من استمرار هذا التوتر، وبالتالي عدم القدرة على تصريف منتجاتهم. كذلك فإن هذه التوترات التجارية بين أمريكا والصين قد تكون وراء انخفاض العملة الصينية التي تجاوزت حالياً 7 يوان للدولار الواحد.
أي أن الوضع حسبما يبدو لم يقتصر على التوترات التجارية، بل قد يؤدي مثل هذا الأمر إلى ما يعرف بحرب العملات، أي أن كل دولة تخفض عملتها حتى تستطيع منتجاتها الإبقاء على تنافسيتها في وجه زيادة الضرائب والرسوم الجمركية التي تفرضها دول أخرى.
والحاصل أن مثل هذا الوضع قد يؤدي إلى تراجع في مجال حرية التجارة، وكذلك من شأنه أن يعود بالعالم إلى الوراء على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، خاصة وأن الاقتصاد العالمي يمر اليوم بظروف هشة من شأنها خلق أزمة اقتصادية جديدة والتي إن اندلعت فقد لا يسلم منها أحد.
* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي
وقد استفادت دول عديدة من العالم من هذا الانفتاح، خاصة الدول النامية التي -من خلال ما تملكه من مزايا نسبية كالأيدي العاملة الرخيصة وكلفة المواد الأولية والطاقة المنخفضة بالإضافة إلى الانخفاض النسبي في الضرائب لديها- استطاعت التوسع في الإنتاج الذي اعتمد في جانب كبير منه على التصدير إلى الأسواق العالمية التي أصبحت مفتوحة، وفقاً لحرية التجارة ونظام عولمة الأنشطة الاقتصادية.
وبالرغم من بعض المشاكل التي أثيرت كنتيجة للانفتاح والعولمة مثل خسارة بعض الوظائف لدى الدول المتقدمة، نظراً لارتفاع تكاليف العمالة لديها، إلا أن ذلك لم ينسحب على جميع القطاعات بل اقتصر على بعض الأنشطة التقليدية، خاصة تلك التي يشغلها عمال غير مهرة ومن ذوي التعليم غير المرتفع. وعلى العكس فإن كثيراً من الدول النامية استطاعت من خلال حرية وتحسين بيئة الاستثمار أن تستقطب استثمارات أجنبية كبيرة، حيث نقلت كثير من شركات الدول الصناعية جزءاً هاماً من أعمالها إلى الدول النامية لرخص تكاليف الإنتاج، وقد حققت الدول النامية تحسناً كبيراً في معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى الدخل، وتحسناً في الوضع المعيشي والوظيفي لعدد كبير من سكانها، الأمر الذي ساعد على انتشال مناطق عدة من هذه الدول من مستوى الفقر الذي عاشته لسنوات طويلة.
بل إن بعض هذه الدول أصبحت تنافس الدول المتقدمة ليس على صعيد المنتجات الصناعية فقط، ولكن أيضاً على صعيد التكنولوجيا والصناعات المتقدمة كذلك.
إلا أنه، مع ذلك وعلى ضوء تزايد النزعات الشعبوية، أصبحت بعض الدول، وخاصة المتقدمة، تسعى لتغليب مصلحتها فوق مصلحة الآخرين، الأمر الذي من شأنه إحداث ردات فعل سلبية لدى الدول الأخرى، مما من شأنه التراجع في مجال حرية التجارة والنزوح من جديد إلى تبني سياسات الحماية ووضع الحواجز والعراقيل أمام التجارة العالمية. وما نشهده اليوم من توتر في العلاقات التجارية بين أمريكا والصين، ما هو إلا أكبر تهديد لحرية التجارة وللعلاقات الاقتصادية الدولية بشكل عام، حيث إن هذا التوتر انعكس فعلياً على الأسواق المالية، كما أنه انعكس سلبياً على حجم التجارة بين الصين وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا، حيث إن كثيراً من المنتجين في الصين وكذلك في بعض دول شرق آسيا، قد توقفوا عن شراء المعدات والأجهزة الألمانية تخوفاً من استمرار هذا التوتر، وبالتالي عدم القدرة على تصريف منتجاتهم. كذلك فإن هذه التوترات التجارية بين أمريكا والصين قد تكون وراء انخفاض العملة الصينية التي تجاوزت حالياً 7 يوان للدولار الواحد.
أي أن الوضع حسبما يبدو لم يقتصر على التوترات التجارية، بل قد يؤدي مثل هذا الأمر إلى ما يعرف بحرب العملات، أي أن كل دولة تخفض عملتها حتى تستطيع منتجاتها الإبقاء على تنافسيتها في وجه زيادة الضرائب والرسوم الجمركية التي تفرضها دول أخرى.
والحاصل أن مثل هذا الوضع قد يؤدي إلى تراجع في مجال حرية التجارة، وكذلك من شأنه أن يعود بالعالم إلى الوراء على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، خاصة وأن الاقتصاد العالمي يمر اليوم بظروف هشة من شأنها خلق أزمة اقتصادية جديدة والتي إن اندلعت فقد لا يسلم منها أحد.
* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي