قوة أي منظومة عمل تكمن في «الاستمرارية»، ولتحقيق هذه الاستمرارية يتوجب عليك أن تحدد مقومات «الديمومة» التي تكفل لنظامك بأن يعمل وفق عمليات «تجديد» دائمة.

مثلما يكون الحديث عن فرق كرة القدم، والتي تتطلع للسيطرة على البطولات وتستمر في التفوق أداء وفعالية، فإن الأساس للقيام بكل هذا يرتكز على عمليات التجديد وضخ الدماء، ولهذا ترى الفرق تخصص أموالاً كبيرة للبحث عن اللاعبين المميزين لتستقطبهم، وذلك إيماناً بأن هذه العناصر المؤهلة والكفوءة يمكن التعويل عليها للاستمرارية في التفوق، أو لصناعة الإنجاز بعد تصحيح المسارات.

الجميل فيما أشاهده خلال الفترات الماضية هو سعي البحرين للاستثمار في «رأسمالها الحقيقي»، وهنا أعني الطاقات والكفاءات والعناصر الشابة، خاصة ممن «تعبت» عليهم الدولة و»صرفت» عليهم من أموالها، لتهيئ لهم فرص التعليم المميز والرفيع، واليوم لدينا عدد كبير من الشباب المؤهل، وكثير منهم حاملين لدرجات الماجستير والدكتواره من جامعات خارجية أو داخل البحرين، والاستثمار فيهم بدأت ملامحه واضحة، وذلك من خلال تمكينهم من مواقع المسؤولية في القطاعات الحكومية، ومنحهم الفرص لإثبات جدارتهم، وكذلك لـ»قياس الأثر» من عملية تعليمهم وتطويرهم.

نقطة مهمة يركز عليها سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد حفظه الله دائماً بشأن الاستمرارية في مواقع العمل، تتمثل بمنح الشباب الفرصة، وباستشراف المستقبل من خلالهم، وإعطائهم الثقة لإثبات قدراتهم، وتمثل ذلك بعديد من الخطوات التي يقوم بها سموه، ابتداءً من برنامج بعثاته ومنحه الدراسية، مروراً ببرنامج النائب الأول لتطوير الكفاءات، وصولاً لمنحهم الثقة بالتعيين في مواقع المسئولية، والالتقاء بهم في اجتماعات دورية لمشاركة سموه لهم خبرته، وكذلك لمنحهم التصور العام لاستراتيجيات المنظومة الحكومية وتطلعات الدولة وفق رؤية 2030.

اليوم في أغلب مواقع العمل في البحرين نجد بروزا للشباب، نجد أمثلة على نجوم صنعتهم البحرين، وهم قدموا من جانبهم الاجتهاد والمثابرة، نرى هذه الاستمرارية تتجسد بشكل واضح، أجيال تتعاقب، والجيل القادم فيه نوع من الحماس والتطور المعرفي ما يمكن أن يعول عليه الكثير.

لدينا دولة شابة وفتية بطاقاتها وأفكارها وبتطلعاتها لتحدي المستقبل والتغلب على الظروف، وكل هذه الأمور ليست اليوم مرهونة فقط على الخبرات كبيرة السن التي قدمت الكثير، وبذلت الجهود طوال سنوات، بل باتت عملية تشاركية فيها اتساق بين الجيل المخضرم والجيل الشاب، والأخير عليه مسؤولية حمل الراية، والبناء على النجاحات السابقة، والعمل على تطويرها وتعزيزها واستدامتها، والأهم تحقيق المزيد من النجاح.

الاستثمار الحقيقي يكون بهذا الشكل، يكون عبر فتح آفاق واسعة للشباب، ليستوعبوا بأن مجالات التطور والتقدم والنمو متاحة لهم في كافة المجالات، وأن الدولة التي لم تقصر عليهم، ووفرت لهم الكثير، هي اليوم تراهن عليهم، وتعول عليهم، وتثق بأنهم سيحققون لها الكثير.

لدينا الأمل الكبير بأن القادم لهذه البلد أجمل، بسواعد أبنائها، وبجهود أجيالها التي تتعاقب وتعمل لأجل رفعتها وتقدمها.