أن تقاوم التعاسة والكآبة والحزن وإحساس الظلم تلك بطولة، ما أكثر التعساء الذين جمدوا أنفسهم وعاندوا الحياة وتذمروا منها، انتظاراً لما يرونه حقاً لهم اغتصب منهم ظلماً وعدواناً، وما أندر الأبطال الذي قاوموا التعاسة ونفضوها عنهم ونجحوا بالتمسك بخيوط السعادة ومدوا الحبال لها وتسلقوا جبال التعب فنالوا من الرضا ما يسر لهم حياتهم.

لا يعني ذلك أن تتغاضى عن الظلم الذي حاق بك أو تسكت عن المطالبة بحقك أو لا تعترض أو تتظلم من أجل الحصول على ما تراه لك حقاً فيه، لا تتوقف عن ذلك أبداً، إنما الذي أقف عنده هو تعطيلك لكل مصادر السعادة انتظاراً لنيل هذا الحق، جمود حياتك عند نقطة الظلم متمثلاً باحتكار هذا الملف لعقلك وحديثك وانشغالك اليومي.

أتحدث عن انشغال فكرك الدائم بهذا الحق الذي لم تنله، وهذا الناقص الذي لم يكتمل، حديثك الدائم عن هذا الموضوع مع نفسك ومع من حولك، رفضك لفرص استمتاع كثيرة عرضت عليك ووصلت لك، رفضتها لأن هذا ليس وقته كما تظن، علقت حياتك إلى أن تحل القضية التي تشغلك، غضبك من الذين يحاولون أن يخرجوك من جو الكآبة، اتهامك لهم بأنهم عديمو الإحساس، يدهم في الماء البارد غير صحيح!!

لا.. ليس بالضرورة كل من يحاول إسعاد نفسه وإسعاد غيره هو إنسان بلا قضايا أو إنسان بلا مشاغل أو لم يتعرض لمظلمة، جائز جداً أن تكون مشكلته أكبر وأعقد من مشكلتك إنما عرف كيف يتعامل معها كجزء من حياته ولم يعطل حياته انتظاراً لها كما تفعل أنت.

لطالما علمتنا الحياة، أن الله سبحانه وتعالى يقدر الأمر ويطلب منك السعي فقط، إنما وحده من يملك النتائج لا أنت، فليس بالضرورة أن ما هو حق لك كتبه الله لك ومقدر لك أن تناله، وليس كل ظلم تعرضت له هو خسارة في حسابك، هناك أرباح تراكمية تصرف لك من حسابات أخرى.

تحجيم مشكلتك لا يعني الكف عن حلها والسعي من أجل نيل ما تراه حقاً لك، التفكير بها من أجل البحث عن مخارج وحلول ممكنة أمر مشروع ومطلوب، إنما عليك إن تعطلت وامتنعت مشكلتك عن الحل -رغم أنك بذلت كل ما في وسعك- أن تضعها جانباً في أحد الأدراج في عقلك وتنساها وتلتفت لبقية الملفات وما أكثرها، فإن قدر الله لك حلاً بعد حين ستراه قادماً لك، وإن بقيت دون حل فهذا ما قدره الله لك، إن قبلته برضا، لك الأجر، وإن اعترضت عليه، لن يتغير قدرك.

تعلم كيف تسعد نفسك، كيف تفرح، كيف تسعد من حولك، كيف تكيف نفسك مع الأوضاع، تعلم كيف تعطل ماكنة التفكير الملح بذلك الملف المتعطل. الفرح يحتاج لتدريب لمن كان عصياً عليه، التفكير الإيجابي يحتاج قوة إرادة، مقاومة التعاسة بطولة بمعنى الكلمة.