منذ بدء حركات الاستقلال في مرحلة الخمسينيات وسؤال «التغيير» هو المتجدد في الوطن العربي. لماذا يفشل التغيير في كل مرة؟ ولماذا نسقط في فخ الخديعة مع كل تغيير؟ في البدء كانت الإجابة تتمركز في الأيديولوجيا، بأن الإسلام هو الحل، أو القومية هي المشروع، أو الاشتراكية هي الخلاص. ومع تجريبها كلها وصلنا إلى ما صار يعرف بموت الأيديولوجيا. سواء بسبب أخطاء التجربة أو بفعل التدخلات الخارجية. لكن الحراك الشعبي الأخير في كل من العراق ولبنان ربما يقدم تجربة جديدة يعول عليها هذه المرة في إحداث فارق التغيير الذي ضل طريقه طويلاً عن العالم العربي.
كلا الحراكين في العراق ولبنان انطلق من أزمة «الإنسان العربي»، الذي غرق في الأمية والفقر، وجاع وتعرى وغرق في البحور أو احترق في العمليات الإرهابية. الإنسان العربي الذي يرى ثروات بلاده متجمعة في أيدي فئة «رأسمالية» محدودة في الوقت الذي يحرم هو من الكهرباء والعلاج والتعليم الجيد. ليست المشكلة إذن في حرية التعبير، أو تشكيل الأحزاب أو إقامة الانتخابات. المشكلة انحدرت إلى ألف باء الإنسانية. وليست الأحزاب السياسية والزعامات الطائفية سوى جزء من هذه المشكلة. وليست دعاوى تداول السلطة والتمثيل العادل لفئات الشعب سوى وسيلة لوصول الانتهازيين على أكتاف الفقراء والمحرومين والمسحوقين.
حين يهتف العراقيون واللبنانيون ضد الطوائف وضد الزعامات السياسية ويطالبون بدولة مدنية تقدم لهم بنية تحتية آدمية وتحارب الأمية والأوبئة وتحفظ رصيدا اقتصادياً كريماً للأجيال القادمة، فقد كسروا أخطر التابوهات التي فشلت الحركات التقدمية والأفكار الحداثية في كسرها. إنها قداسة الأفكار وقداسة الأفراد. لقد وصل العراقيون واللبنانيون بعد تاريخ طويل من الدم والنار إلى حقيقة، صارت بدائية في العالم، أن وظيفة الدولة توفير الخدمات للشعب. وأن وظيفة السياسي توفير تلك الخدمات ومراقبة آلية توفيرها ومحاسبة من يعوق تحقيق احتياجات المواطنين.
توصل الشعبان إلى قناعة بأن مبادئ الحق والعدالة والمساواة والنزاهة والمحاسبة هي برنامج عمل سياسي ينطلق من استراتيجية عليا ويتفرع إلى أهداف تنموية يتم التحقق من إنجازها على أرض الواقع، وليست شعارات حزبية أو دينية. تعلم الشعبان أن ذرائع السياسيين كثيرة لتبرير إخفاقاتهم، ولكن الدول الأخرى في كافة جهات العالم احتاجت، فقط، ما بين عشرين إلى خمسين عاما، لتصبح دولاً تنموية متطورة، بإسناد المهام للقادرين على إنجازها، وليس من باب المحاصصات التي يروج لها، في العالم العربي، بأنها شكل من أشكال العدالة والمساواة.
واحدة من تفسيرات أزمة التغيير في الوطن العربي تشير إلى أن التغيير كان يأتي دائماً من الأعلى وبعنف مفرط. مثل حالات الانقلابات العسكرية أو المدنية أو الاغتيالات أو الحروب الأهلية. وأن هذا التغيير كان يتصادم مع انعدام الوعي عند الشعوب واستسلامها للتغيير من الأعلى. اليوم يقلب العراقيون واللبنانيون المعادلة بخروج مطالب التغيير من وعي الشعب ذاته، دون تنصيب زعامات سياسية أو طائفية أو حتى فكرية، فهل ينجح التغيير هذه المرة؟
{{ article.visit_count }}
كلا الحراكين في العراق ولبنان انطلق من أزمة «الإنسان العربي»، الذي غرق في الأمية والفقر، وجاع وتعرى وغرق في البحور أو احترق في العمليات الإرهابية. الإنسان العربي الذي يرى ثروات بلاده متجمعة في أيدي فئة «رأسمالية» محدودة في الوقت الذي يحرم هو من الكهرباء والعلاج والتعليم الجيد. ليست المشكلة إذن في حرية التعبير، أو تشكيل الأحزاب أو إقامة الانتخابات. المشكلة انحدرت إلى ألف باء الإنسانية. وليست الأحزاب السياسية والزعامات الطائفية سوى جزء من هذه المشكلة. وليست دعاوى تداول السلطة والتمثيل العادل لفئات الشعب سوى وسيلة لوصول الانتهازيين على أكتاف الفقراء والمحرومين والمسحوقين.
حين يهتف العراقيون واللبنانيون ضد الطوائف وضد الزعامات السياسية ويطالبون بدولة مدنية تقدم لهم بنية تحتية آدمية وتحارب الأمية والأوبئة وتحفظ رصيدا اقتصادياً كريماً للأجيال القادمة، فقد كسروا أخطر التابوهات التي فشلت الحركات التقدمية والأفكار الحداثية في كسرها. إنها قداسة الأفكار وقداسة الأفراد. لقد وصل العراقيون واللبنانيون بعد تاريخ طويل من الدم والنار إلى حقيقة، صارت بدائية في العالم، أن وظيفة الدولة توفير الخدمات للشعب. وأن وظيفة السياسي توفير تلك الخدمات ومراقبة آلية توفيرها ومحاسبة من يعوق تحقيق احتياجات المواطنين.
توصل الشعبان إلى قناعة بأن مبادئ الحق والعدالة والمساواة والنزاهة والمحاسبة هي برنامج عمل سياسي ينطلق من استراتيجية عليا ويتفرع إلى أهداف تنموية يتم التحقق من إنجازها على أرض الواقع، وليست شعارات حزبية أو دينية. تعلم الشعبان أن ذرائع السياسيين كثيرة لتبرير إخفاقاتهم، ولكن الدول الأخرى في كافة جهات العالم احتاجت، فقط، ما بين عشرين إلى خمسين عاما، لتصبح دولاً تنموية متطورة، بإسناد المهام للقادرين على إنجازها، وليس من باب المحاصصات التي يروج لها، في العالم العربي، بأنها شكل من أشكال العدالة والمساواة.
واحدة من تفسيرات أزمة التغيير في الوطن العربي تشير إلى أن التغيير كان يأتي دائماً من الأعلى وبعنف مفرط. مثل حالات الانقلابات العسكرية أو المدنية أو الاغتيالات أو الحروب الأهلية. وأن هذا التغيير كان يتصادم مع انعدام الوعي عند الشعوب واستسلامها للتغيير من الأعلى. اليوم يقلب العراقيون واللبنانيون المعادلة بخروج مطالب التغيير من وعي الشعب ذاته، دون تنصيب زعامات سياسية أو طائفية أو حتى فكرية، فهل ينجح التغيير هذه المرة؟