جمع الله تعالى في هذه الشخصية الفذة، كل الصفات الحميدة، البشاشة، والابتسامة، وسعة الصدر، والكرم، والتواضع، وعلو الهمة، والرأي السديد، والحكمة، والشاعرية التي لا تبارى، والأدب الرفيع، والتودد لمن يعرفه ومن لا يعرفه إذا حضر إلى مجلسه العامر، ويُشعر ضيفه أن له محظية عنده من أول وهلة.
هو الشيخ عيسى بن الشيخ راشد بن عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة، فإذا عرفنا أجداده وآباءه الكرام من هم، فلا نعجب من شخصيته وأخلاقه، الشيخ عيسى تربى في أحضان عائلته الأجلاء الحكام الحكماء، محاط بجوٍ تملأه السماحة والعروبة الأصيلة والخُلق القويم، والكرم والحلم والتمسك بدينه، كل ذلك من أطباع أجداده وآبائه.
أول لقاء لي معه، في المدرسة الثانوية الوحيدة في البحرين، الواقعة إلى الشمال من قصر الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في القضيبية عام 1953، عرفني عليه زميله في الدراسة المرحوم أحمد إبراهيم عبيد، الشيخ عيسى شاب تحيطه هالة من العظمة والوقار هو لا يراها، ممزوجة بالتواضع من بين أقرانه الطلبة، فسألني من أنت، فعرفته بنفسي وأنني من المنامة، كان والدي من سكانها، وجدي من المحرق، وأن أحمد عبيد من جيراننا، ثم وجه كلامه إلى أحمد، ليكن يوسف أحد زملائنا في الرحلات خلال العطل الأسبوعية.
وكان طلبة المدرسة الثانوية في ذلك الزمان، يقومون برحلات، إما بحرية للتسلي بالصيد، أو رحلة إلى أحد البساتين الكثيرة والكبيرة المتناثرة في ربوع بلادنا.
كان سعادة الشيخ عيسى هو القائد في تلك الرحلات، والكل واثقون في شخصه، قائد مشارك مع المجموعة في العمل، يتقدمهم ولا يتأخر عنهم، ومن أجل إدماجي مع المجموعة، نادى علي يا يوسف مد يدك معنا، العمل مشترك، وهكذا تم إدماجي مع بقية الرفقاء الأفاضل، عطر الله ذكراهم.
في عام تخرجه من الثانوية، رأيت في فناء المدرسة مجموعة من الطلبة يبكون، فلم أفقه السبب، فسألت أحمد عبيد، مالكم تبكون؟... فسمع الشيخ عيسى قولي، ورد، نبكي لأننا بعد مضي أربع سنوات من الرفقة والصداقة الحميمة، سنتفرق، وقد ألفنا حياة التلمذة وجمالها، وكل واحد منا، لا يدري أنلتقي بعدُ أم لا، ستفرقنا الحياة، حيث كل منا سيتوجه إلى وجهته، منا من سيعمل، ومنا سيسافر إلى الخارج لتكملة دراسته الجامعية؟... هكذا تشبثه بمن تعرف عليهم.
من هذا الكلام عرفت أن رجلاً أمامي ذا طموح، لا ينسى من تعرف عليهم، وأنه متمسك بهم، نقي السريرة، ومخلص في وده.
أثناء دراسته في مصر، تحمله أشواقه لقضاء العطلة السنوية في أحضان وطنه الذي عشقه وتغنى به.
وصاغ بالحبر الأسود، لآلئَ تشع نوراً في قالبٍ من الشعر الرفيع الرزين، من يقرأه يزداد عشقاً للوطن الحبيب وأهله.
الشيخ عيسى، خُلق ليكون متعدد المواهب، وأنه تنتظره مهام تحتاج إلى رجل مثله، شاعر من فحول الشعراء، وأديب من الطراز الأول، ورياضي يقدر أقرانه، ملأ كرسي القضاء الذي أسند إليه من بعد تخرجه، ثم أُسندت إليه مهمة صياغة قانون الدفاع، وشغل وزارة الإعلام، ثم أصبح رئيساً لاتحاد كرة القدم، وفي هذه الفترة، وقع خلاف بين الاتحاد وعدد من الأندية، موضوعه موقف أندية من الحكام، وشُكلت لجنة أُطلق عليها لجنة الاتصال لتقصي أسباب الخلاف وجمعها، ورفعِها إلى رئاسة اتحاد كرة القدم، وتكونت تلك اللجنة من السادة عبدالرحمن اللظي وخالد الحمد وإسماعيل الأنصاري والدكتور المحامي عباس هلال - حينها كان طالباً جامعياً - والخامس أنا يوسف محمد بوزيد، وأُسندت رئاسة اللجنة لي، وقمنا بزيارات إلى تلك الأندية المعنية، وبعد أن زرنا تلك الأندية وأخذنا آراءهم واقتراحاتهم، طلبنا من الشيخ عيسى الوفي عقد اجتماع معنا، لعرض المقترحات والمطالب والتقرير الأدبي.
وفعلاً، عُقد الاجتماع بمقر الاتحاد بالجفير برئاسته، وقرأنا على شخصه الكريم ما تجمع لدينا من نقاط الخلاف، وبسياسته المعهودة المرنة، وبُعد نظره، تحقق التوافق على مايرضي الطرفين، ومايتوافق مع مصلحة الكرة البحرينية ولم شمل الأندية المنضوية تحت جناحي الاتحاد.
لا يمكن لراصد أن يجمع مناقب الشيخ عيسى الرفيعة المقام، المعروفة بالعطاء والتفاني في خدمة الوطن بلا انتظار جزاء، وأنا واثق كل الثقة، بأن كل أديب وشاعر له ذكرى جميلة معه سواءٌ من داخل البحرين أو في دول مجلس التعاون أو الوطن العربي الكبير، وكل رياضي يتذكر مواقف كثيرة وهامة، أثرت في مجرى حياته الرياضية إلى الأحسن والنجومية، وبالمثل، كل إداري وموظف عمل تحت إمرته لمس كيف ذلك اللطف عندما يريد إنجاز عمل يصب في المصلحة الوطنية، وتأتي النتيجة في أحسن صورها كمالاً.
الشيخ عيسى الغالي، إذا شيعنا جثمانك الطاهر إلى مثواك الأخير في هذه الحياة الدنيا، في صبيحة يوم الجمعة الموافق 13-3-2020، ثِق أنك خالد في قلوبنا ووجداننا ما حيينا، وعزاؤنا في أنجالك الكرام الذين غرست فيهم حب الوطن وقيادته وجميع أفراده، تغمدك الله تعالى بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته في الفردوس الأعلى، ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وتعازينا إلى جميع أسرتك الكريمة وآلك، وإلى كل من أحبك بصدق، ونقش في قلبه اسمك.
هو الشيخ عيسى بن الشيخ راشد بن عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة، فإذا عرفنا أجداده وآباءه الكرام من هم، فلا نعجب من شخصيته وأخلاقه، الشيخ عيسى تربى في أحضان عائلته الأجلاء الحكام الحكماء، محاط بجوٍ تملأه السماحة والعروبة الأصيلة والخُلق القويم، والكرم والحلم والتمسك بدينه، كل ذلك من أطباع أجداده وآبائه.
أول لقاء لي معه، في المدرسة الثانوية الوحيدة في البحرين، الواقعة إلى الشمال من قصر الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في القضيبية عام 1953، عرفني عليه زميله في الدراسة المرحوم أحمد إبراهيم عبيد، الشيخ عيسى شاب تحيطه هالة من العظمة والوقار هو لا يراها، ممزوجة بالتواضع من بين أقرانه الطلبة، فسألني من أنت، فعرفته بنفسي وأنني من المنامة، كان والدي من سكانها، وجدي من المحرق، وأن أحمد عبيد من جيراننا، ثم وجه كلامه إلى أحمد، ليكن يوسف أحد زملائنا في الرحلات خلال العطل الأسبوعية.
وكان طلبة المدرسة الثانوية في ذلك الزمان، يقومون برحلات، إما بحرية للتسلي بالصيد، أو رحلة إلى أحد البساتين الكثيرة والكبيرة المتناثرة في ربوع بلادنا.
كان سعادة الشيخ عيسى هو القائد في تلك الرحلات، والكل واثقون في شخصه، قائد مشارك مع المجموعة في العمل، يتقدمهم ولا يتأخر عنهم، ومن أجل إدماجي مع المجموعة، نادى علي يا يوسف مد يدك معنا، العمل مشترك، وهكذا تم إدماجي مع بقية الرفقاء الأفاضل، عطر الله ذكراهم.
في عام تخرجه من الثانوية، رأيت في فناء المدرسة مجموعة من الطلبة يبكون، فلم أفقه السبب، فسألت أحمد عبيد، مالكم تبكون؟... فسمع الشيخ عيسى قولي، ورد، نبكي لأننا بعد مضي أربع سنوات من الرفقة والصداقة الحميمة، سنتفرق، وقد ألفنا حياة التلمذة وجمالها، وكل واحد منا، لا يدري أنلتقي بعدُ أم لا، ستفرقنا الحياة، حيث كل منا سيتوجه إلى وجهته، منا من سيعمل، ومنا سيسافر إلى الخارج لتكملة دراسته الجامعية؟... هكذا تشبثه بمن تعرف عليهم.
من هذا الكلام عرفت أن رجلاً أمامي ذا طموح، لا ينسى من تعرف عليهم، وأنه متمسك بهم، نقي السريرة، ومخلص في وده.
أثناء دراسته في مصر، تحمله أشواقه لقضاء العطلة السنوية في أحضان وطنه الذي عشقه وتغنى به.
وصاغ بالحبر الأسود، لآلئَ تشع نوراً في قالبٍ من الشعر الرفيع الرزين، من يقرأه يزداد عشقاً للوطن الحبيب وأهله.
الشيخ عيسى، خُلق ليكون متعدد المواهب، وأنه تنتظره مهام تحتاج إلى رجل مثله، شاعر من فحول الشعراء، وأديب من الطراز الأول، ورياضي يقدر أقرانه، ملأ كرسي القضاء الذي أسند إليه من بعد تخرجه، ثم أُسندت إليه مهمة صياغة قانون الدفاع، وشغل وزارة الإعلام، ثم أصبح رئيساً لاتحاد كرة القدم، وفي هذه الفترة، وقع خلاف بين الاتحاد وعدد من الأندية، موضوعه موقف أندية من الحكام، وشُكلت لجنة أُطلق عليها لجنة الاتصال لتقصي أسباب الخلاف وجمعها، ورفعِها إلى رئاسة اتحاد كرة القدم، وتكونت تلك اللجنة من السادة عبدالرحمن اللظي وخالد الحمد وإسماعيل الأنصاري والدكتور المحامي عباس هلال - حينها كان طالباً جامعياً - والخامس أنا يوسف محمد بوزيد، وأُسندت رئاسة اللجنة لي، وقمنا بزيارات إلى تلك الأندية المعنية، وبعد أن زرنا تلك الأندية وأخذنا آراءهم واقتراحاتهم، طلبنا من الشيخ عيسى الوفي عقد اجتماع معنا، لعرض المقترحات والمطالب والتقرير الأدبي.
وفعلاً، عُقد الاجتماع بمقر الاتحاد بالجفير برئاسته، وقرأنا على شخصه الكريم ما تجمع لدينا من نقاط الخلاف، وبسياسته المعهودة المرنة، وبُعد نظره، تحقق التوافق على مايرضي الطرفين، ومايتوافق مع مصلحة الكرة البحرينية ولم شمل الأندية المنضوية تحت جناحي الاتحاد.
لا يمكن لراصد أن يجمع مناقب الشيخ عيسى الرفيعة المقام، المعروفة بالعطاء والتفاني في خدمة الوطن بلا انتظار جزاء، وأنا واثق كل الثقة، بأن كل أديب وشاعر له ذكرى جميلة معه سواءٌ من داخل البحرين أو في دول مجلس التعاون أو الوطن العربي الكبير، وكل رياضي يتذكر مواقف كثيرة وهامة، أثرت في مجرى حياته الرياضية إلى الأحسن والنجومية، وبالمثل، كل إداري وموظف عمل تحت إمرته لمس كيف ذلك اللطف عندما يريد إنجاز عمل يصب في المصلحة الوطنية، وتأتي النتيجة في أحسن صورها كمالاً.
الشيخ عيسى الغالي، إذا شيعنا جثمانك الطاهر إلى مثواك الأخير في هذه الحياة الدنيا، في صبيحة يوم الجمعة الموافق 13-3-2020، ثِق أنك خالد في قلوبنا ووجداننا ما حيينا، وعزاؤنا في أنجالك الكرام الذين غرست فيهم حب الوطن وقيادته وجميع أفراده، تغمدك الله تعالى بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته في الفردوس الأعلى، ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وتعازينا إلى جميع أسرتك الكريمة وآلك، وإلى كل من أحبك بصدق، ونقش في قلبه اسمك.