أول ما يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل البحرين في حاجة لأموال يدفعها الناس من جيوبهم لمواجهة أي أزمة، وفي حالتنا نتحدث عن أزمة فيروس كورونا؟!

هذا السؤال بالذات أجاب عليه منذ البداية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، في الفيديو الذي أعلن من خلاله إطلاق حملة «فينا خير»، موضحاً بأن مملكة البحرين بخير، ولن تحتاج بإذن الله، وجلالة الملك حفظه الله أمن الوطن والناس، ووجه بضخ المليارات للحفاظ على الوطن في ظل هذه الأزمة، لكن هذه الحملة هي بمثابة حملة «رد الجميل» منا كمواطنين سواء أفراداً عاديين أو أصحاب شركات، رد جميل لكل من عاش على هذه الأرض الطيبة، ونما من خيرها، ونهل من كرمها، وتمتع بأمنها وما طاله منها من جود وعيش حسن. نعم رد جميل، وقطاف غرس غرسته بلادنا فينا، يتجلى عبر حبنا لها، وفدائنا لها، وتضحيتنا لها.

لذلك أصاب الشيخ ناصر كبد الحقيقة، حينما قال بأن حتى مبلغ قليل قوامه «دينار واحد» يتبرع به الشخص البسيط المحتاج، يعادل مليارات بالنسبة للوطن، وهذا كلام صحيح، أوليس الوطن هو ما نقول عنه دائماً بأننا نفديه بالغالي والنفيس، بل نفديه بالروح وبالدم؟! بالتالي أصغر مساهمة لشخص محتاج تعني الشيء الكبير، في حملة شكر وامتنان وحب وعشق لتراب هذا الوطن.

حتى كتابة هذه السطور وصلت مساهمات الشركات والأفراد يتقدمهم سمو الشيخ ناصر لمبلغ قوامه 15 مليون دينار، وهو في زيادة مستمرة، رقم تحقق خلال ساعات من إطلاق الحملة، والرائع بأن إسهام الأفراد والمواطنين تجاوز 500 ألف دينار «نصف مليون»، وهو رقم يكشف الكثير، ودعوني أوضح أدناه.

منذ انتشار فيديو سمو الشيخ ناصر، ومنذ نشر رقم الحساب الوطني للحملة، وطرق المساهمة، والناس تسارعت للمساهمة بما تقدر به في ظل هذه الظروف، ولسان حالهم شعارات وطنية رائعة مثل «البحرين تستاهل»، و«فينا خير لوطننا»، و«يوم وفاء لأمنا البحرين»، إلى غيرها من الشعارات التي تبين لك حجم «الحب والارتباط» من المواطنين لبلادهم.

ولأننا صحافة وكتاباً نسعى دائماً لقياس نبض الشارع، حاولت معرفة ما فعلته بعض العوائل المتعففة، وبعض الأفراد الذين أعرف حالتهم المادية، ومنهم أصحاب رواتب ليست بالكبيرة، وهم أحوج ما يكون للمبالغ المالية، ومثلت لديهم عملية «إيقاف القروض لستة أشهر» حالة «تنفسوا» فيها، لكنهم فاجؤوني بأنهم سارعوا للمساهمة في الحملة ولو بمبالغ صغيرة، والله فاجأني أحدهم بأنه تبرع بمبلغ ٥ دنانير وهو الذي يعاني من التزامات وقروض تقوض راحته المعيشية، وهناك أمثلة عديدة لن تستوعبها السطور، لكنني سألت عن السبب في المساهمة في ظل الحاجة، فكان رد أحدهم رائعاً دفعني للقول بأنني «أرفع القبعة له»، إذ قال: يكفيني أنني في وطن يوفر لي الأمان، ولست في وطن مفتت يطاله التهديد كل لحظة، يكفيني أنني في وطن أثبت طوال هذه الأسابيع أنه قريب مني، قام بإجراءات عديدة ليحميني صحياً من خطر الفيروس، وليخفف عني وطأة القروض، وليخفف عني حمل العمل، وليوفر لي كافة الأمور، أفلا يستحق منى أقل القليل؟!

مثال آخر لشخص يقول لي: والله لو أطلق سمو الشيخ ناصر هذه الحملة منذ أول يوم، ووضعت لنا أرقام حسابات للمساهمة لما ترددنا لحظة، ولما انتظرنا لهذا الوقت، ونحن الذين كنا نعتب ونستغرب من صمت وسكوت كثير من الشركات والتجار الذين بفضل البحرين وما سهلته لهم حققوا مكاسب وثروات، كنا بانتظار ردهم ولو القليل من الجميل قبل أن يعلن عن أي حملة، لكن مع ذلك نقدر لهم تحركهم.

أعود وأكرر ما قاله سمو الشيخ ناصر، البحرين ليست في حاجة لحملة تُجمع فيها الأموال، البحرين بخير بإذن الله، بفضل من المولى عز وجل، ثم بقيادة جلالة الملك حفظه الله الذي اشترى شعبه وصحته وأمنه، وبجهود سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، لكننا كنا بحاجة لشيء «يفجر» حبنا لهذا الوطن، يشعل فزعتنا لهذه الأرض، يمنحنا فرصة لأن نسهم ولو بالقليل لأجل أمنا الغالية.

لربما يكون رقماً صغيراً لا يكاد يذكر، لكنه رقم «كبير» في قيمته المعنوية، كونه وسيلة تعبير للحب والامتنان والشكر لهذه الأرض التي عشنا على ترابها، وسنعود لترابها الطاهر لندفن تحته، وهي ستظل باقية عزيزة أبية شامخة.

أخيراً، شعب البحرين، فيكم دائماً وأبداً الخير للبحرين.