عالمياً، فرض فيروس كورونا (كوفيد19) نفسه على البشرية كما لم يفرضه فيروس مثله من قبل. ودخلت البشرية في مجموعة إجراءات طبية احترازية لاحتوائه، مثل ارتداء الكمام والاهتمام بالنظافة وغسيل اليدين، وترك مسافة كافية بين الأشخاص. أما على الصعيد الاجتماعي فقد دخل أكثر الناس، وخصوصاً المنضبطين منهم، فيما يشبه العزلة الاجتماعية الكاملة، منقطعين عن لقاء أفراد أسرهم وأصدقائهم، وعن التوجه للأماكن الترفيهية التي كانت تشكل مصدر متعة لهم.

يشعر كثير من الأشخاص الملتزمين بقوانين التباعد الاجتماعي بظلم شديد وهم يرون حالات تفشي الفيروس في ازدياد بسبب استهتار الآخرين. حين تنقطع عن أهلك وأصدقائك، ثم يبلغك أن عائلات مكونة من ثلاثين أو ستين شخصاً قد أصيبوا جميعاً بالفيروس نتيجة تجمع عائلي ترفيهي، فإن ذلك أمر محبط فعلاً. ويدل على أن حالة العزلة التي نعيشها ستطول بسبب هؤلاء المستهترين.

المجتمع يعاني من ضغط اجتماعي ونفسي شديد بسبب الالتزام بالتوجيهات الصحية والدخول في هذه الحالة من العزلة. فحفلات الزفاف قد ألغيت، ولا يمكن نصب مجالس العزاء، والمدارس تغلق أبوابها أمام الطلبة، وتعلمهم عن بُعد. وكثير من مجالات العمل التي تستدعي تقارباً جسدياً قد توقفت أو أعيد تنظيمها وتقليصها مما شكل ضغطاً اقتصادياً على أصحابها. وبالرغم من كل ذلك مازال الكثيرون دون مستوى الإحساس بمعاناة الآخرين وتعطل مصالحهم، وانحشار المجتمع كله في أزمة صحية يبدو أنها ستطول.

مواجهة فيروس سريع التفشي مثل (كوفيد 19) تستدعي تنشيف مسببات انتشاره. إما باتباع التوجيهات الصحية الرسمية، أو بالدخول في حالة الإغلاق والحظر الكاملين. وهذا ما لم تلجأ إليه مملكة البحرين نتيجة الكفاءة العالية في إجراءات مواجهة الفيروس، ونتيجة الثقة بوعي المجتمع البحريني. ولكن يبدو أننا بحاجة إلى العودة مرة أخرى إلى شحن بطاريات الوعي التي يبدو أنها تعبت من طول التعايش مع تفشي الفيروس. فالأزمة تحتاج إلى جلد وصبر وتعاون من الجميع. لا أن يلتزم البعض التزاماً كاملاً في سبيل أن ينعم البعض الآخر بحريته كاملة يصول ويجول دون مراعاة للآخرين.