حينما نسافر، يكون لكل طَبَق طعام نأكله تاريخ حافل وقصة ما تدل على حضارة غنية بالفن والأدب والذوق، ومن الجميل أن نتمسك نحن العرب بهُوية ثقافة الطعام؛ لأنها ثقافة عريقة لا تقل أهمية عن الثقافات الأخرى، ففي كتاب «الطبيخ» لمحمد بن الحسن البغدادي، وهو كبير طهاة الخليفة العباسي «المستنصر بالله» حيث تم الانتهاء من كتابته عام 1626م قبل سقوط بغداد بـ33 سنة والذي أُخذ نصّه من مخطوطة تعود إلى عام 623 هـ، وضح في مقدمته أن اللذات كثيرة، منها الطعام واللباس والشراب والطِيب لكن أعلاها مرتبة على الإطلاق الطعام، وكيف جاءت المئات من القصص والأخبار والأشعار في كتب الأدب والتاريخ لتصف فيها ولائم الخلفاء، منها الولائم الأسطورية للخليفة الخامس في العصر العباسي هارون الرشيد.
لقد اشتهر العصر العباسي بالترف وتقدم الفنون والعلوم بسبب استقرار حكامها، ما أدى إلى الاهتمام بأشكال الإبداع، فبنوا المساجد، وزخرفوا القصور، واعتنوا بإقامة الحفلات والولائم العظيمة التي كان يقدم فيها ألوان مختلفة من الأطعمة الفاخرة على أيدي طباخين حاذقين.
وفي كتاب «الطبيخ» فسر البغدادي، أن كل ما هو مطبوخ ينتمي إلى الثقافة، في حين ينتمي كل ما هو نيئ إلى الطبيعة، وشرح مقادير تحضير بعض الوجبات، وكيف كان المطبخ العباسي يتميز بإخراجه عديدا من الأصناف الجديدة والطيبة؛ فهو محصلة لثقافات مختلفة ضمتها الدولة الإسلامية، لتصبح في النهاية إنتاجا يشبه اللوحة الفنية التي تستخدم فيها حواس البصر والشم والذوق، إلى جانب عديد من وصفات الطبخ كالسمبوسة ولقمة القاضي والهريس التي مازلنا نأكلها ونطبخها اليوم في بيوتنا!
فهل من وراء تدوين هذا الكتاب دليل على مدى نباهة البغدادي لأهمية ثقافة الطعام وضرورة حمايته من الضياع، كونه تراثاً يعكس الذوق العربي بجوانبه البارزه، وإن لم يدون فستتفكك الموروثات كأنها لم تكن، وتنتهي بانهيار الدولة، فلا بقاء حينها لثرثرة أو خطابات شفهية؟!
إن مخطوطة البغدادي تحتوي على فصول شهية لأطباق بنكهات وتفاصيل عربية بمقادير وطرق ولغة تحضير سهلة خطوة بخطوة، ليؤكد لنا أن كتب أدب الطبخ لا تقل أهمية عن كتب أدب السرد والشعر والفكر والصحة والطب.
دائماً عندما نريد أن نكتشف الشعوب ننظر إلى ما يأكلون، وبما أن الأطعمة كالبشر دائمة الهجرة، ولطالما سافرنا إلى بلاد كثيرة من خلالها، فعلينا اليوم أن نحافظ على هُوية ثقافة الطعام، كما يفعل الفرنسيون كل صباح عندما يبحثون عن الرغيف الفرنسي bugutte ليأكلوه مع الزبدة، وكيف حال الهنود يبحثون عن أكلهم أينما كانوا ولا يستغنون عنه. جاء الوقت لنحافظ على هوية الطعام العربي والسعي لنشره بين الدول والمجتمعات مع الاهتمام الدائم بالبعد السوسيولوجي والإنثربولوجي للحفاظ عليه دائما وأبداً، ولو تغيرت الأزمنة والأماكن.
{{ article.visit_count }}
لقد اشتهر العصر العباسي بالترف وتقدم الفنون والعلوم بسبب استقرار حكامها، ما أدى إلى الاهتمام بأشكال الإبداع، فبنوا المساجد، وزخرفوا القصور، واعتنوا بإقامة الحفلات والولائم العظيمة التي كان يقدم فيها ألوان مختلفة من الأطعمة الفاخرة على أيدي طباخين حاذقين.
وفي كتاب «الطبيخ» فسر البغدادي، أن كل ما هو مطبوخ ينتمي إلى الثقافة، في حين ينتمي كل ما هو نيئ إلى الطبيعة، وشرح مقادير تحضير بعض الوجبات، وكيف كان المطبخ العباسي يتميز بإخراجه عديدا من الأصناف الجديدة والطيبة؛ فهو محصلة لثقافات مختلفة ضمتها الدولة الإسلامية، لتصبح في النهاية إنتاجا يشبه اللوحة الفنية التي تستخدم فيها حواس البصر والشم والذوق، إلى جانب عديد من وصفات الطبخ كالسمبوسة ولقمة القاضي والهريس التي مازلنا نأكلها ونطبخها اليوم في بيوتنا!
فهل من وراء تدوين هذا الكتاب دليل على مدى نباهة البغدادي لأهمية ثقافة الطعام وضرورة حمايته من الضياع، كونه تراثاً يعكس الذوق العربي بجوانبه البارزه، وإن لم يدون فستتفكك الموروثات كأنها لم تكن، وتنتهي بانهيار الدولة، فلا بقاء حينها لثرثرة أو خطابات شفهية؟!
إن مخطوطة البغدادي تحتوي على فصول شهية لأطباق بنكهات وتفاصيل عربية بمقادير وطرق ولغة تحضير سهلة خطوة بخطوة، ليؤكد لنا أن كتب أدب الطبخ لا تقل أهمية عن كتب أدب السرد والشعر والفكر والصحة والطب.
دائماً عندما نريد أن نكتشف الشعوب ننظر إلى ما يأكلون، وبما أن الأطعمة كالبشر دائمة الهجرة، ولطالما سافرنا إلى بلاد كثيرة من خلالها، فعلينا اليوم أن نحافظ على هُوية ثقافة الطعام، كما يفعل الفرنسيون كل صباح عندما يبحثون عن الرغيف الفرنسي bugutte ليأكلوه مع الزبدة، وكيف حال الهنود يبحثون عن أكلهم أينما كانوا ولا يستغنون عنه. جاء الوقت لنحافظ على هوية الطعام العربي والسعي لنشره بين الدول والمجتمعات مع الاهتمام الدائم بالبعد السوسيولوجي والإنثربولوجي للحفاظ عليه دائما وأبداً، ولو تغيرت الأزمنة والأماكن.