أتى علينا زمن سخرنا فيه من بيت «قميظه» أو عائلة «قميظه»، وقميظه كلمة عامية تعني «خسارة»، وأعتقد-والله أعلم- أن مصدر الكلمة هو غمضة العين تحسفاً، وهذا الوصف «بيت قميظه» ليس لأسرة معينة أو هو لقب عائلي، إنما هو وصف لأي عائلة يتمتع أفرادها بوزن زائد، وكان يقال: إن هذه الأسرة لا ترمي طعامها في القمامة على أساس أنه «قميظه» أي خسارة فتفضل أن تأكله كله وترميه في بطنها على أن يرمى في الزبالة، ولهذا هم من الوزن الثقيل! وأحياناً تبتدع هذه الأسر طرقاً شتى لإعادة تدوير الأطعمة باستخدام ما يتبقى من الطعام في عمل وجبات جديدة.
أما عادة عدم رمي الطعام في الزبالة فتلك سلوك ونهج استهلاكي قديم كان أهلنا يرفعون فيه ما تبقى من الأرز «العيش» في سلة يطلق عليها «مرفاعه» تعلق في مكان عالٍ حتى لا تأكله القطط أو تمر عليه الزواحف ويسخن ويأكل في اليوم الثاني حين لم نكن نملك ترفاً «الثلاجة» وقبل اختراعها ويسمى «غبيب» وكذلك فعلوا في التمر وفي الدهن وفي الخبز، الجميل أنه لم تكن هناك براميل قمامة بهذا الحجم الذي ترونه الآن؛ لأن الذي يرمى خارج المنزل قليل جداً، فلا يرمى غرض إلا بعد أن يثبت بالدليل القاطع بعد التشاور مع مجلس العائلة أنه فعلاً لا يمكن إعادة استخدامه من جديد، فإعادة التدوير تشمل الألبسة والأحذية والملاحف وأي قطع زائدة من القماش والأثاث المكسور وأي غرض لا بد من أن تجد له أكثر من استخدام، وحين تستنفد كل الوسائل وتنتهي كل الأفكار الإبداعية وحين يطال التلف كل ذرة من ذراته ويسمح برميه، وحتى هذا الغرض «المنتهي» يختفي من أمام منزلك في ثوانٍ إذ يتخاطفه الأطفال ويحولونه شيئاً آخر «إبداع» وخيالاً واسعاً حول الكرسي المكسور والعجلة وقطع الزجاج وغيرها إلى ألعاب ومقاعد للجلوس في الداعوس، ثم يأتي «زري عتيج» ليقايض نساء الحي بما تبقى من أغراض، إذ لا وجود لفائض في ظل وجود سياسة «القميظه».
كان هناك إبداع في إعادة التدوير في زمن الشح والقلة والندرة، أما اليوم فنعيد الاعتبار لأسرة «قميظه» ونقدم اعتذارنا ونطلب منهم «السموحه» بعد أن علمنا أننا نرمي في الزبالة طعاماً تقارب قيمته سنوياً 100 مليون دينار!! وأن 30% مما نشتريه نرميه في الزبالة، يعني تخيل أنك تذهب إلى البرادة وتشتري خضاراً وفواكه ولحوماً ودجاجاً بقيمة 300 دينار ماجلة البيت وترمي في الزبالة ما قيمته 90 ديناراً في كل مرة، وما ذلك إلا لأننا لا نؤمن «بالقميظه» فيما يتعلق بالطعام بل نرميه بلا تردد وبلا تفكير وبلا تمعن، لا نملك ثقافة استهلاكية رشيدة ولا وعياً استهلاكياً يتوافق حتى مع قيمنا الدينية.
تذكرون كم غضبنا من الآسيويين الذين ينبشون في براميل القمامة ويستخرجون الخضار والفواكه ويضعونها في صناديق جديدة ويعيدون بيعها علينا في الطرقات؟ هم يعلمون أنه بين أطنان الطعام الفاسد الذي ترميه البرادات توجد قطع سليمة كثيرة إلا أننا والبرادات كذلك مثلنا لم نكلف نفسنا في انتقائها واستبعادها من الرمي؛ لأننا لم نعد نؤمن «بالقميظه» فنرمي الصندوق كله «باللي فيه»، كل ما فعله الآسيويون أنهم يتعبون في البحث عنها وإعادة صفها بعد التنظيف وتتكون عندهم صناديق فواكه سليمة نحن رميناها دون حسبان.
تخيلوا أن هذا السلوك وهذا الطعام المهدور مستمر حتى بعد كورونا رغم أن هذا الوباء كان جرساً تحذيرياً لنا بأنه وارد جداً أن تقفل المطارات والموانئ وتجد نفسك أمام حقيقة أنك لا تملك إلا الموجود من المخزون وعليك أن تتصرف وتستهلك على هذا الأساس ربما لسنة وربما لأكثر، حقيقة مخيفة ومرعبة كان من المفروض أن تعيد جدولة استهلاكنا ونعيد الاعتبار «للقميظه» لكن مع الأسف لم نتغير ولم نتعلم ولم ننتبه للجرس.
شكراً لجمعية «حفظ النعمة» ولليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الأغذية ولا عزاء لـ«قميظه».
{{ article.visit_count }}
أما عادة عدم رمي الطعام في الزبالة فتلك سلوك ونهج استهلاكي قديم كان أهلنا يرفعون فيه ما تبقى من الأرز «العيش» في سلة يطلق عليها «مرفاعه» تعلق في مكان عالٍ حتى لا تأكله القطط أو تمر عليه الزواحف ويسخن ويأكل في اليوم الثاني حين لم نكن نملك ترفاً «الثلاجة» وقبل اختراعها ويسمى «غبيب» وكذلك فعلوا في التمر وفي الدهن وفي الخبز، الجميل أنه لم تكن هناك براميل قمامة بهذا الحجم الذي ترونه الآن؛ لأن الذي يرمى خارج المنزل قليل جداً، فلا يرمى غرض إلا بعد أن يثبت بالدليل القاطع بعد التشاور مع مجلس العائلة أنه فعلاً لا يمكن إعادة استخدامه من جديد، فإعادة التدوير تشمل الألبسة والأحذية والملاحف وأي قطع زائدة من القماش والأثاث المكسور وأي غرض لا بد من أن تجد له أكثر من استخدام، وحين تستنفد كل الوسائل وتنتهي كل الأفكار الإبداعية وحين يطال التلف كل ذرة من ذراته ويسمح برميه، وحتى هذا الغرض «المنتهي» يختفي من أمام منزلك في ثوانٍ إذ يتخاطفه الأطفال ويحولونه شيئاً آخر «إبداع» وخيالاً واسعاً حول الكرسي المكسور والعجلة وقطع الزجاج وغيرها إلى ألعاب ومقاعد للجلوس في الداعوس، ثم يأتي «زري عتيج» ليقايض نساء الحي بما تبقى من أغراض، إذ لا وجود لفائض في ظل وجود سياسة «القميظه».
كان هناك إبداع في إعادة التدوير في زمن الشح والقلة والندرة، أما اليوم فنعيد الاعتبار لأسرة «قميظه» ونقدم اعتذارنا ونطلب منهم «السموحه» بعد أن علمنا أننا نرمي في الزبالة طعاماً تقارب قيمته سنوياً 100 مليون دينار!! وأن 30% مما نشتريه نرميه في الزبالة، يعني تخيل أنك تذهب إلى البرادة وتشتري خضاراً وفواكه ولحوماً ودجاجاً بقيمة 300 دينار ماجلة البيت وترمي في الزبالة ما قيمته 90 ديناراً في كل مرة، وما ذلك إلا لأننا لا نؤمن «بالقميظه» فيما يتعلق بالطعام بل نرميه بلا تردد وبلا تفكير وبلا تمعن، لا نملك ثقافة استهلاكية رشيدة ولا وعياً استهلاكياً يتوافق حتى مع قيمنا الدينية.
تذكرون كم غضبنا من الآسيويين الذين ينبشون في براميل القمامة ويستخرجون الخضار والفواكه ويضعونها في صناديق جديدة ويعيدون بيعها علينا في الطرقات؟ هم يعلمون أنه بين أطنان الطعام الفاسد الذي ترميه البرادات توجد قطع سليمة كثيرة إلا أننا والبرادات كذلك مثلنا لم نكلف نفسنا في انتقائها واستبعادها من الرمي؛ لأننا لم نعد نؤمن «بالقميظه» فنرمي الصندوق كله «باللي فيه»، كل ما فعله الآسيويون أنهم يتعبون في البحث عنها وإعادة صفها بعد التنظيف وتتكون عندهم صناديق فواكه سليمة نحن رميناها دون حسبان.
تخيلوا أن هذا السلوك وهذا الطعام المهدور مستمر حتى بعد كورونا رغم أن هذا الوباء كان جرساً تحذيرياً لنا بأنه وارد جداً أن تقفل المطارات والموانئ وتجد نفسك أمام حقيقة أنك لا تملك إلا الموجود من المخزون وعليك أن تتصرف وتستهلك على هذا الأساس ربما لسنة وربما لأكثر، حقيقة مخيفة ومرعبة كان من المفروض أن تعيد جدولة استهلاكنا ونعيد الاعتبار «للقميظه» لكن مع الأسف لم نتغير ولم نتعلم ولم ننتبه للجرس.
شكراً لجمعية «حفظ النعمة» ولليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الأغذية ولا عزاء لـ«قميظه».