لولا إيماني الراسخ بالرحمة والعطف والحنان الذي يملأ قلبك الكبير المتعب بآلام وآمال البلاد وشعبك الوفي الذي أخلصت له وضحيت من أجل رفاهيته وعلو هاماته، ولولا اعتقادي المتجذر بأنك تكره أن ترى أو تسمع أحد أبنائك يتألم من أجل أن يرثيك، لا بالدموع أو البكاء أو العويل أو القلب المكلوم أو النفس المثقلة بالإحزان، لولا كل ذلك لجعلت من دمي مداداً، ومن بناني يراعاً ومن أديمي قرطاساً، لأعبر للخاصة والعامة عن عظم ذلك النبأ الذي ربط لساني وقيد جوارحي وهد كياني.

نبأ كنا نستبعده عقوداً من السنين، وكلنا يهتف في مشرق يومه ومغربه عاش الأمير خليفة، بارك الله في الأمير، أطال الله عمر الأمير، وفق الله الأمير، سدد الله خطى الأمير، فأنت يا أبا علي الشهاب المنير الذي أضاء سماء البحرين، علماً وصناعةً وزراعةً وصحةً وحضارةً وعمراناً. كل معلم من معالم البلاد الشاخصة والبارزة على وجه الأرض نصب تذكاري يشير إليك، وكل مواطن يسعى لطلب العلم والرزق من كل حدب وصوب ويأوي إلى مخبئه وهو آمن قرير العين، يشهد بأن جهودك وسهرك هما المحرك لها وما نالت البحرين من استقلال وسيادة وعلو راياتها في المحافل الإقليمية والقارية والعالمية، إلا نتيجة سياستك الحكيمة الرشيدة السديدة، وما قامت بين البحرين والدول الخليجية والعربية والصديقة من علاقات حميمة ومتينة، فبفضل ما تتمتعون به من حصافة في الرأي، وما تحت أيديكم من موازين دقيقة تحسب لكل موقف حسابه، إذ حفظت البحرين من مآزق ومزالق وقعت فيها دول كثيرة في القارات كلها.

نبأ عظيم شل كل حي على أرض البحرين التي أحببتها وأحبتك من أدناها إلى أقصاها، نبأ جلل لم يصدقه أحد، فهو مستبعد، فالذي لم يرَك اليوم رآك أمس، وأنت في إشراقة وجهك البهي، المتلألىء إشراقاً.

لا يمكن حصر أعمال الأمير الراحل، ووقوفه بكل قوة وصلابة إلى جانب والده المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، طيب الله ثراه، وشقيقه الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، إلا أنني أختار أهم وأجل وأبقى الأعمال، ألا وهو وقوفه في وجه تطاول إيران من جديد بمطالبتها بالبحرين، بل بإدعائها أن البحرين تبعٌ لها، حينها عين أميرنا الراحل، سموه على رأس فريق من المواطنين الثقاة للتواصل مع دول العالم لتفنيد اداعاءات إيران، وأن البحرين قائمة منذ عام 1783، وحشد الشعب من الداخل للوقوف إلى جانب أميرهم ودولتهم، وهكذا اتفق الجانبان البحريني والإيراني على الاستفتاء، وجاء مندوب الأمم المتحدة مستر ونسبير وأشرف على الاستفتاء، وكسبت البحرين بالنضال السلمي حقوقها كاملة بفضل من الله تعالى ثم بفضل رئيس وزرائنا الراحل.

وواصل العزيز خليفة بن سلمان آل خليفة مسيرة العطاء في العهد الزاهر لمليكنا حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وبذل كل ما يملك لبناء البحرين الحديثة، ولم يفتر ولم يتوانَ عن العطاء لحظة حتى رمقه الأخير، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وألهم الله جلالة مليكنا المفدى والأسرة المالكة الكريمة وشعب البحرين الوفي الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.