عمليات الاغتيال التي تختفي بعض الوقت، ثم تعود إلى الظهور لاصطياد الناشطين والإعلاميين العراقيين، باتت تشكل عبئاً محرجاً للحكومة العراقية، وهاجساً مرعباً للمدنيين العراقيين ونشطائهم في آن، خصوصاً بعدما تحولت «لعبة الموت» المتنقلة إلى سلاح لتقويض الدولة العراقية، بدلاً من استعادة هيبتها.
عمليتان للقتل، خلال أقل من 24 ساعة، استخدمت فيهما «كواتم الصوت»، ضد ناشط وصحفي في كربلاء والديوانية، كانتا كافيتين لإعادة إطلاق جرس الإنذار، ورفع الصوت عالياً بأنّ عمليات الاغتيال لا تزال مستمرة، لكنهما كشفتا في الوقت نفسه عن عجز الحكومة، وهشاشة الأجهزة الأمنية، وضعف الدولة العراقية بشكل عام، في لحظة واحدة.
فعمليات الاغتيال المتجددة هي نقيض ضبط السلاح المنفلت ومحاربة الخارجين عن القانون الذي تعهدت به الحكومة العراقية، ولم يعد الأمر يتعلق بذريعة استهداف القوات الأمريكية والتحالف الدولي، وإنما تحول لاستهداف العراقيين أنفسهم، وتوظيف اغتيال نشطائهم لتحقيق أهداف وأجندات سياسية محددة، وهذا يعني، في النهاية، أن أحداً لم يعد يصدّق وعود الحكومة وتعهداتها بملاحقة المنفذين، وجلبهم للعدالة، وكشف الجهات التي تدعمهم للرأي العام. وبالتالي، فإن ما يحدث هو إضعاف للحكومة العراقية، خصوصاً أن لدى الرأي العام اعتقاداً راسخاً بأن الحكومة وأجهزتها الأمنية تعرف قتلة الناشطين والجهات التي تدعمهم، لكنها لحسابات معينة، لا تريد الصدام مع هذه الجهات، أو إغضابها، وبالتالي، فقد أصبحت الوعود والتعهدات مثاراً للتندّر بين العراقيين، تماماً مثل لجان التحقيق التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى، لاحتواء قضية، أو حادثة معينة، ثم وضعها على الرف.
ولذلك، بقي الفساد على ما هو عليه رغم الادعاء بمحاربته، وبقي القتلة في الشوارع رغم التعهد بملاحقتهم. والأسوأ من ذلك أن الحكومة، ومعها الكثير من القوى العراقية، تربط بين عودة الاغتيالات والانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في أكتوبر المقبل، وتعتقد أن هناك جهات سياسية وفصائل منفلتة لا ترى أي حظوظ لها في تلك الانتخابات تعمل على عرقلتها، بل إن هذه الجهات السياسية ترى في قوى الحراك الشعبي المنبثقة عن «انتفاضة تشرين» في 2019، ورموزها ونشطائها بديلاً لها، أو على الأقل، معرقلاً لتحقيق نتيجة لها في الانتخابات. وربما يكون هذا الهدف قد تحقق جزئياً، فقد اضطرت قوى الحراك الشعبي إلى حسم موقفها بعد ترددها أكثر من شهرين، وأعلنت 20 حركة وحزباً مرتبطاً ومتعاطفاً مع الحراك، مقاطعتها الانتخابات. لكن ربّ ضارة نافعة، لأن قوى الحراك الشعبي وضعت حداً لأن تكون شريكاً في لعبة سياسية فاسدة، كما فكت ارتباطها بعلاقتها الملتبسة مع الحكومة التي تعتبر أنها تتبنى مطالب الحراك، وأن تبكير عملية الانتخابات جزء من تلبية هذه المطالب، بينما من المؤكد أن انسحاب قوى الحراك الشعبي سيضعف الحكومة، وربما ينهي مصداقية تبنيها للمطالب الشعبية.
وفي المحصلة، فإن الحكومة ستكون هي الخاسر الأكبر، إذا لم تسارع إلى اتخاذ خطوات جريئة وشجاعة لإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت، والخارجين عن القانون، والجهات التي تدعمهم، مهما كانت النتائج.
* نقلاً عن صحيفة «الخليج» الإماراتية
عمليتان للقتل، خلال أقل من 24 ساعة، استخدمت فيهما «كواتم الصوت»، ضد ناشط وصحفي في كربلاء والديوانية، كانتا كافيتين لإعادة إطلاق جرس الإنذار، ورفع الصوت عالياً بأنّ عمليات الاغتيال لا تزال مستمرة، لكنهما كشفتا في الوقت نفسه عن عجز الحكومة، وهشاشة الأجهزة الأمنية، وضعف الدولة العراقية بشكل عام، في لحظة واحدة.
فعمليات الاغتيال المتجددة هي نقيض ضبط السلاح المنفلت ومحاربة الخارجين عن القانون الذي تعهدت به الحكومة العراقية، ولم يعد الأمر يتعلق بذريعة استهداف القوات الأمريكية والتحالف الدولي، وإنما تحول لاستهداف العراقيين أنفسهم، وتوظيف اغتيال نشطائهم لتحقيق أهداف وأجندات سياسية محددة، وهذا يعني، في النهاية، أن أحداً لم يعد يصدّق وعود الحكومة وتعهداتها بملاحقة المنفذين، وجلبهم للعدالة، وكشف الجهات التي تدعمهم للرأي العام. وبالتالي، فإن ما يحدث هو إضعاف للحكومة العراقية، خصوصاً أن لدى الرأي العام اعتقاداً راسخاً بأن الحكومة وأجهزتها الأمنية تعرف قتلة الناشطين والجهات التي تدعمهم، لكنها لحسابات معينة، لا تريد الصدام مع هذه الجهات، أو إغضابها، وبالتالي، فقد أصبحت الوعود والتعهدات مثاراً للتندّر بين العراقيين، تماماً مثل لجان التحقيق التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى، لاحتواء قضية، أو حادثة معينة، ثم وضعها على الرف.
ولذلك، بقي الفساد على ما هو عليه رغم الادعاء بمحاربته، وبقي القتلة في الشوارع رغم التعهد بملاحقتهم. والأسوأ من ذلك أن الحكومة، ومعها الكثير من القوى العراقية، تربط بين عودة الاغتيالات والانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في أكتوبر المقبل، وتعتقد أن هناك جهات سياسية وفصائل منفلتة لا ترى أي حظوظ لها في تلك الانتخابات تعمل على عرقلتها، بل إن هذه الجهات السياسية ترى في قوى الحراك الشعبي المنبثقة عن «انتفاضة تشرين» في 2019، ورموزها ونشطائها بديلاً لها، أو على الأقل، معرقلاً لتحقيق نتيجة لها في الانتخابات. وربما يكون هذا الهدف قد تحقق جزئياً، فقد اضطرت قوى الحراك الشعبي إلى حسم موقفها بعد ترددها أكثر من شهرين، وأعلنت 20 حركة وحزباً مرتبطاً ومتعاطفاً مع الحراك، مقاطعتها الانتخابات. لكن ربّ ضارة نافعة، لأن قوى الحراك الشعبي وضعت حداً لأن تكون شريكاً في لعبة سياسية فاسدة، كما فكت ارتباطها بعلاقتها الملتبسة مع الحكومة التي تعتبر أنها تتبنى مطالب الحراك، وأن تبكير عملية الانتخابات جزء من تلبية هذه المطالب، بينما من المؤكد أن انسحاب قوى الحراك الشعبي سيضعف الحكومة، وربما ينهي مصداقية تبنيها للمطالب الشعبية.
وفي المحصلة، فإن الحكومة ستكون هي الخاسر الأكبر، إذا لم تسارع إلى اتخاذ خطوات جريئة وشجاعة لإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت، والخارجين عن القانون، والجهات التي تدعمهم، مهما كانت النتائج.
* نقلاً عن صحيفة «الخليج» الإماراتية