لم تعد السيطرة على الشعوب أو الأوطان تحتاج إلى أن يكون المسيطر موجوداً ويعيش بين أبنائها، ولم تعد الرصاصات قاتلة وفتاكة أكثر من هاتف نقال يستطيع أن يحصد ضحايا بالملايين جراء التضليل ونشر المعلومة الكاذبة والمفبركة، وتوجيه المجتمعات لتبني قضايا وسياسات تمثل تدميراً ذاتياً لها دون عناء.
لقد بدأت الحروب تتخذ أشكالاً بعيدة عن إصابة الجسم وقتل العدو، وبات التركيز اليوم على سرقة العقل وتحييده وإضعاف قدراته على التفكير المنطقي السليم والوعي بحجم الجريمة الكبرى التي تستهدف الأوطان والمجتمعات، ولعل دولنا هي الأكثر استهدافاً لمثل هذه الحروب الفكرية، وظهر ذلك جلياً في دول عربية كثيرة مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا وليبيا وتونس بينما تنتظر دول أخرى دورها على القائمة.
وهناك مثل يقال «عندما لا تدفع ثمن البضاعة فاعلم أنك أنت البضاعة»، وهو يطلق على بيع السلع والمنتجات بمواقع التواصل، لكنه اليوم يتعدى حدود السلع والبضائع، فبعد نجاح فكرة تحويل المستهلك إلى سلعة، بدأت المرحلة الثانية ببيع تلك السلعة لمن يريد شراءها، وظهر ذلك بوضوح في عمليات بيع معلومات المستخدمين لمواقع التواصل إلى شركات تجارية، ثم إلى منظمات ودول ظلامية تريد تحويل الرأي العام نحو قضية معينة.
ولا نلوم أي إنسان يبحث عن معلومة أو خبر، في أن يجده بسرعة وسهولة مع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن زيادة انتشار المعلومات وكثافتها يجعلها غير خاضعة للتدقيق والتحقق من صحتها، خاصة مع تكرارها على أكثر من موقع، وهو ما يجعل المستخدم متأكداً من صحة تلك المعلومة أو الخبر ويشترك مع الآخرين في جريمة إعادة نشره باعتباره خبراً صحيحاً.
والأخطر ضرراً هو استغلال شخصيات معروفة لمثل هذه المنظومة المعلوماتية، حيث يقوم أحد رجال الدين مثلاً أو العلم أو الاختصاص أو صاحب حساب موثوق به نوعاً ما، بنشر خبر لم يتيقن من صحته، أو تم حثه على نشره بإحدى الطرق الملتوية، ليزيد ذلك من موثوقية خبر كاذب، وربما إشعال فتنة مجتمعية قد يكون مؤسسها رجلاً معروفاً نقل خبراً مكذوباً دون أن يتحقق منه.
لا أتهم أحداً في نواياه، ولكن على كل إنسان وطني مسؤولية يجب أن يدركها، ويقف لساعات وليس لحظات ليفكر في موثوقية ما يقرؤه وتبعات ما يمكن أن ينشره، ولا يكون أداة غير مباشرة يستخدمها آخرون يريدون هدم الدول بمعاول أبنائها.
*رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية
لقد بدأت الحروب تتخذ أشكالاً بعيدة عن إصابة الجسم وقتل العدو، وبات التركيز اليوم على سرقة العقل وتحييده وإضعاف قدراته على التفكير المنطقي السليم والوعي بحجم الجريمة الكبرى التي تستهدف الأوطان والمجتمعات، ولعل دولنا هي الأكثر استهدافاً لمثل هذه الحروب الفكرية، وظهر ذلك جلياً في دول عربية كثيرة مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا وليبيا وتونس بينما تنتظر دول أخرى دورها على القائمة.
وهناك مثل يقال «عندما لا تدفع ثمن البضاعة فاعلم أنك أنت البضاعة»، وهو يطلق على بيع السلع والمنتجات بمواقع التواصل، لكنه اليوم يتعدى حدود السلع والبضائع، فبعد نجاح فكرة تحويل المستهلك إلى سلعة، بدأت المرحلة الثانية ببيع تلك السلعة لمن يريد شراءها، وظهر ذلك بوضوح في عمليات بيع معلومات المستخدمين لمواقع التواصل إلى شركات تجارية، ثم إلى منظمات ودول ظلامية تريد تحويل الرأي العام نحو قضية معينة.
ولا نلوم أي إنسان يبحث عن معلومة أو خبر، في أن يجده بسرعة وسهولة مع تقدم وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن زيادة انتشار المعلومات وكثافتها يجعلها غير خاضعة للتدقيق والتحقق من صحتها، خاصة مع تكرارها على أكثر من موقع، وهو ما يجعل المستخدم متأكداً من صحة تلك المعلومة أو الخبر ويشترك مع الآخرين في جريمة إعادة نشره باعتباره خبراً صحيحاً.
والأخطر ضرراً هو استغلال شخصيات معروفة لمثل هذه المنظومة المعلوماتية، حيث يقوم أحد رجال الدين مثلاً أو العلم أو الاختصاص أو صاحب حساب موثوق به نوعاً ما، بنشر خبر لم يتيقن من صحته، أو تم حثه على نشره بإحدى الطرق الملتوية، ليزيد ذلك من موثوقية خبر كاذب، وربما إشعال فتنة مجتمعية قد يكون مؤسسها رجلاً معروفاً نقل خبراً مكذوباً دون أن يتحقق منه.
لا أتهم أحداً في نواياه، ولكن على كل إنسان وطني مسؤولية يجب أن يدركها، ويقف لساعات وليس لحظات ليفكر في موثوقية ما يقرؤه وتبعات ما يمكن أن ينشره، ولا يكون أداة غير مباشرة يستخدمها آخرون يريدون هدم الدول بمعاول أبنائها.
*رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون الإنجليزية