عجباً لنا ونحن أهل طيبة ومروءة وديانة سمحة أن ينتشر التنمر بين بعضنا، ألم تقرؤوا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ، وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(، فكيف لنا أن نعاير أحداً بلونه أو اسمه أو انتمائه أو أي كان، والمصيبة الجديدة علينا هو التنمر على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات التي تخرج عن السلوك الإنساني الحميد.
وأمثلة التنمر كثيرة، فنجد أحد الأشخاص يسأل عن أمر محير بالنسبة إليه، لتجد بعض العقلاء يجيبونه، والبعض ممن فقدوا بوصلة التعامل بالحسنى ويختبئون خلف أجهزتهم ينهالون عليه بتعليقات تسخر من السؤال وطرحه وطريقة تفكيره، متجاهلين أنه طرح السؤال لأنه في حيرة ويحتاج من يرشده من خلال الإجابة، فإن لم يكن لديك الإجابة عنه فلتصمت، أما البعض الآخر فإن كان هناك صورة له يترك الموضوع المطروح ويبدأ في تفحص صاحب أو صاحبة السؤال مستكشفاً أي عيب لكي يهاجمه منه، إن الدين الإسلامي وجميع الأديان السماوية لم تبِح التنمر على ما خلقه الله.
إن التنمر الإلكتروني أحد أمراض التكنولوجيا الحديثة، والغريب أنه منتشر بين بعض الشباب، فقد قامت إحدى طالبات الإعلام باستطلاع على «تويتر» لشريحة من 865 من طلبة جامعتها عما إذا كانوا تعرضوا للتنمر، لكي تظهر النتيجة أن 14% قد تعرضوا للتنمر أي 120 طالباً من أصل 865 تعرضوا للتنمر، وهذه تعد نسبة كبيرة تستحق الوقوف عندها، وخصوصاً أننا خلال الفترة الماضية كنا في تباعد اجتماعي، وكانت الدراسة عن بعد، لذا يجب أن نستعين بكل مقومات تصحيح مسار شبابنا كي نحد من التنمر إن لم نستطيع القضاء عليه.
إن الذي يتعرض للتنمر يحتاج إلى دعم نفسي من أسرته والأصدقاء الأسوياء، لكي يستطيع أن يتجاوز هذه الحوادث اللحظية وألا تترك أثاراً في نفسه، والأهم أن يشارك الشخص الذي يتعرض للتنمر مشاعره مع أسرته أو أصدقائه لكي يحصل على الدعم الذي يستحقه كي يتجاوز هذه المرحلة.
والأغرب أن بعض المتنمرين يجدون السخرية طريقاً لكي يرفهوا بها عن أنفسهم ويستأنسوا بإيذاء الآخرين، وكلما كان الأثر أكبر شعروا بالغبطة والنجاح، والأغرب أن بعض المتنمرين كانوا ضحايا للتنمر سابقاً، وبعض الاختصاصيين النفسيين يشخصونهم كحالات مرضية يجب علاجها.
وبعض حالات التنمر تكون انتقامية، فنجد أشخاصاً لا يروق لهم تفوق زملائهم ويشعرون بالغيرة من تقدمهم، والبعض يسخر من آراء بعض الكتاب لمجرد أنهم يخالفونهم الرأي، فلا يناقش طرح الكاتب بمنطقية، ويبدأ في السخرية والتجريح، ونفس الحال نجد السخرية من الشخص المستضاف على الوسيلة الإعلامية على الرغم من أن رأيه في الغالب يكون مبنياً على علم أو معلومات مستقاه من دراسات أو خبرة سابقة، والأدهى أن الساخرين ينتقدون عن جهل، فلماذا لا نعترف بالداء كي نجد الدواء بدل السخرية ودفن رؤوسنا في الرمال؟
يجب على الجميع أن يتكاتفوا لمواجهة هذه الآفة ولا نتركها تنتشر بيننا، وعلى شبابنا إدراك الإثم في هذا الأمر ولا يوجد بعد كلام الله سبحانه وتعالى في نهيينا عن السخرية من الآخرين، حتى لو كانوا يطرحون أمراً بشكل خاطئ. بالنقاش العقلاني نستطيع تصحيح مفاهيم الطرف الخاطئ ونصل بالجميع إلى بر السلام.